فى حضرة أبى

خلود عدنان
حين أتأمل شكل الجريدة اليوم، أشعر أننى أسير بين ملامح أعرفها جيدًا، وكأن جزءًا منها ينتمى إلى، لا لأننى أعمل بها الآن، بل لأن أبى كان من أوائل من ساهموا فى تأسيس هذا الكيان، بشكله الفنى اليومى، وسط كوكبة من الصحفيين الكبار، فى لحظة مفصلية من تاريخ الصحافة المصرية.
لم يكن مجال الإخراج الصحفى ضمن خطته الأولى، لكنه انضم أثناء دراسته الجامعية إلى مجلة “روزاليوسف” كمتدرب. وهناك، تفتحت عينه على عالم الصحافة، وتعلق بالتفاصيل، بالمساحات، بتناغم الصور والعناوين، وكيف تبنى الصفحة لغتها الصامتة، وكيف تتحوّل الفكرة إلى شكل، والشكل إلى حضور، كان يعلمنى كيف يمكن للإخراج الجيد أن يمنح النص حياة، ويقود عين القارئ قبل فكره.
ومع انطلاق النسخة اليومية فى 2005، انضم إلى فريق التأسيس، وكان جزءًا من تلك المرحلة الأولى التى سعت فيها الجريدة إلى صياغة هوية مختلفة، تجمع بين المهنية والتجديد.
فى تلك الفترة، كانت الصحافة المصرية تمر بحالة تحول واسعة، وكانت روزاليوسف واحدة من المنابر التى حاولت التوفيق بين صوت الشارع من جهة، والوقوف بجانب مؤسسات الدولة من جهة أخرى، فى مزيج صعب، لكنه كان نابعًا من قناعة بالمسئولية، لا من مراوغة. لم تكن تحاول إرضاء الجميع، لكنها لم تنقطع يومًا عن طرح الأسئلة أو التفاعل مع مشكلات الناس, حتى فى ظل أكثر الأوقات حساسية بعد 25 يناير، بقيت قضايا المجتمع حاضرة بقوة فى صفحاتها.
كان عمرى ٩ سنوات فقط لكن ليس لقلبى أحب من أسمع حكاوى أبى عن “روزاليوسف” الجريدة والمجلة، بصوته الهادئ، لا كناقل أخبار، بل كشاهد على زمن تُصنع فيه الكلمة على مهل.
أتابع من حديثه كل ما يجرى فى البلد، الأحداث تصلنى «قبل الطبع»، بنظرة من داخل المطبخ، من عمق غرفة التحرير، لا من شريط الأخبار, وكان ذلك أكبر دليل على أن هذه الجريدة كانت ولا تزال حية.
ابنة الزميل الراحل عدنان خليل