الأحد 14 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جريدة بمثابة بيت العيلة الكبير

عشرون عامًا مرت على تجربة إصدار جريدة “روزاليوسف”، تلك التجربة التى شرفت بالمشاركة فى إصدارها مع كتيبة من الإعلاميين الكبار والشباب، على رأسهم صاحب  التجربة، الغائب الحاضر دومًا الأستاذ عبدالله كمال.  



تجربة كان هدفها الأول التحيز للحدث، بوجهة نظر تقيم كل ما نقدمه فى تلك التجربة، بميزان من الذهب، لعدم الخلط بين المهنية والمشاعر الحميمة, قد يرى البعض هذا مستحيلًا، لكنه حدث، فأنا كشخصية كنت بعيدة تمامًا عن أفكار لجنة السياسات فى تلك الفترة.

 

أثبتت الأعداد التى شاركت فى تحريرها مع الكتيبة الصحفية الشابة التى عملت معى أن الصحفى بمثابة الشاهد على التاريخ، فى عالم غير مثالى، يقترب من الحقيقة وينشرها، ويتحمل مسئوليته أمام شرف الكلمة، لكون الصحافة بدون موقف أخلاقى عبث.

 كان المبدأ الأساسى الذى اخترنا به المواد الصحفية التى تنشر يعتمد على أخلاق المهنة, من المؤكد أننا فى بداية التجربة كنا ندرك تمام الإدراك خطورة أى صحافة غير مسئولة، والحاجة إلى أن يكون أى شىء نقدمه مضادًا لصحافة الاستسهال.

كان قرار الغالى عبد الله كمال أن أكون مسئولة عن الصحافة الإنسانية، إلى جانب المسئولية عن العلاقات الإنسانية بين أسرة الجريدة، فلقد كان الهدف الأول ليس خلق تجربة صحفية مميزة، ولكن تكوين فريق صحفى كامل، تربطه أواصر أسرية عميقة، لتصبح الجريدة بمثابة بيت العيلة الكبير، الذى نعيش فيه كل المناسبات كأسرة مصرية مترابطة.

 كان السؤال الأكثر إلحاحًا المسيطرعلينا: ماذا نفعل لأسرتنا فى الجريدة، لنعيش هذا الشعور؟. وشهادتى التى أقولها أن عبد الله كمال كان يعمل بكل السبل على توفير مستوى معيشى لائق للجميع فى أسرتنا الصحفية، بمواقف كنت شاهدة عليها، ورغبة عبدالله فى المحافظة على سرية بعضها. 

قمنا بإصدار صفحات متخصصة لذوى الاحتياجات الخاصة، بعيدة تمامًا عن المتاجرة بأوجاعهم، ولكن اعتمدت على حل مشاكلهم، وإبراز التجارب المضيئة بينهم، ورعاية مواهبهم، صفحات رفعت شعار فرسان التحدى، الذين يعيشون معنا فى عالم واحد، ويزداد فهمهم وحبهم، كلما صغرت المساحات بيننا، وزادت إمكانية الوصول إليهم، كان هناك التزام أكبر على ما يمكن أن نقدمه لمن لا يملكون شيئًا، حاولنا إحداث فارق مع كل كلمة نكتبها، فكلمة صدقة واحدة كفيلة بذلك، إننا فى تلك الصفحات اعتمدنا على أن قوة التعاطف الإنسانى، والعمل الجماعى، تُنقذ الأرواح وتُحرر سجناء العجز الجسدى، ليخوضوا التجارب, لم نكن بحاجة إلى سحر لتغيير عالمهم، فقد كان فى داخلهم كل القوة التى يحتاجونها، وكان لدينا نحن كفريق عمل القدرة على التخيل بشكل أفضل.

جاءت تجربة صفحة (أنجح ناس).. كانت الصفحة ذات طابع مميز، لم تبحث  الصفحة عن النجاح والناجحين فقط، ولكن عن القيم الذاتية، مستندين إلى حقائق وأدلة وبيانات قابلة للتحقق، بالكلمات والصور، عبرنا ببراعة عن الناجحين, قدمنا تجارب نجاح تُغذى العقل وتُحرّك القلب لما فيها من فائدة ومتعة.

فى صحافة الملفات التى شرفت بالإشراف عليها، اعتمدنا على التفاصيل التى تحكى القصة دائمًا، كن مؤمنًا أن عليك أن تذهب إلى حيث توجد الأسرار, نحن  فى الأساس نبحث عن الأشياء التى يهرب منها الآخرون، دومًا تكون لدينا أسئلة فى ما نبحث عنه أكثر من الإجابات، نعيش الكثير من الأمور بشكل غير مباشر، نقدم  ملفات استقصائية جادة، ملفات موثقة وصادقة، يفصح لك فيه المصادر عن أسرارهم.

 قدمنا ملفات تفضل أن تكون على حق بدلاً من أن تكون مثيرة، كتابات موضوعية،  لكنها تتجاوز الحدود التى يمكننا من خلالها إنتاج نوع القصص التى نريدها. نتبع فضولنا، نقدم القصة ونعيد سردها بشكل صحفى لتحمل وجهات  نظر المُعبَّر عنهم.

فى تلك الملفات تعلمنا الكتابة تحت الضغط، والعمل مع المواعيد النهائية، والحصول على مساحة ووقت محدودين، وإجراء المقابلات، والبحث عن المعلومات، واستخدام اللغة بأكبر قدر ممكن من الكفاءة، والتذكر دائمًا أن هناك قارئًا يجب أن يحترمك، لأنك كنت وسيلة للتعبير عنه بالمشاركة فى الملفات الإنسانية، السياسية، الاجتماعية أو الثقافية.

تلك الملفات تتحدث إلى الناس من مختلف مناحى الحياة، فيها تتلاشى الخطوط الفاصلة فيه بين الاستعراض والمتعة.  ملفات تُبقيك على تواصل مع العالم، لخدمة قضية أسمى. تتسم بالعمق والدقة، بقصص لم تُروَ بعد، فقد أصبح السعى إلى الكشف عن الحقيقة حول الناس الذين نكتب عنهم بمثابة الهدف، مع امتلاك الحس الأخلاقى.

 لقد كنا نؤمن أن الحقيقة المطلقة سلعة نادرة وخطيرة للغاية فى سياق الصحافة المهنية. لقد حاولنا من خلال تلك الملفات إيصال معلومات هامة وموضوعية، مع الكتابة الإبداعية، هنا،يكمن التحدى فى الجمع بين الأمرين، وإتقانهما، هذا كان جوهر عملنا. 

فى النهاية أنا ممتنة  للتجربة لأنها جعلتنى أدرك حقائق كثيرة. ممتنة لهذا النوع من الصحافة التى علمتنا كيف نكتب جملة تجعل من يقرأها يرغب فى قراءة الجملة التالية.

كاتبة صحفية والمشرفة على قسم المنوعات بروزاليوسف سابقًا