
هانى عبد الله
«عشرينية» فى التسعين من عمرها!
للكاتب الكبير الأستاذ «صلاح حافظ» (رئيس تحرير مجلة روزاليوسف الأسبق) عبارة مُوجزة لخَّصَ من خلالها الميراث الصحفى للدار، مضمونها: [إنَّ «روزاليوسف» عاشت كلَّ تاريخِها فى المستقبل].. والعبارة بليغة للغاية؛ إذ للتاريخ دورات.. ولكل دورة خصوصياتها، ومتغيراتها، وظروفها.. ومع ذلك، لا تخلو دورات التاريخ من مفارقات.. إذ تتشابه -أحيانًا- الوقائع أو النتائج والملابسات!
ففجأة، ومن دون مُقدمات، قررت السيدة «فاطمة اليوسف» قبل تسعين عامًا (فى بداية 1935م) أنْ تُصدر جريدة يومية باسم «روزاليوسف»!.. وكانت هذه الجريدة (وَفقًا للكاتب الكبير مصطفى أمين فى كتابه مسائل شخصية) مغامرتها الكبرى؛ إذ عبثًا حاول أصدقاؤها إقناعها بأنَّ إصدار جريدة يومية عمل هائل لا يستطيع أن يقوم به فرد!.. ومع ذلك، قررت المضى قُدمًا فى إصدار جريدتها اليومية.. وكانت المفاجأة أنَّ هذه الجريدة -بحسب مصطفى أمين، أيضًا- نجحت نجاحًا رائعًا، وهددت جريدة الأهرام القديمة وجريدة الجهاد واسعة الانتشار.. وأصبح الدكتور محمود عزمى رئيس تحريرها وعباس محمود العقاد كاتبها الأول.
حتى ذلك الوقت، لم تكن العلاقة بين روزاليوسف (الدار والسيدة) وحزب الوفد قد أصابها التوتر والصراع الحاد.. ومن ثَمَّ، ظهرت الجريدة الجديدة فى حينه داعمة للخط الوطنى الذى انتهجه حزب الوفد حينذاك.. تقول السيدة «فاطمة اليوسف» فى مقالها الذى مهدت من خلاله لإصدار جريدتها (نُشر بمجلة روزاليوسف فى فبراير 1935م)، تحت عنوان: «من روزاليوسف الأم إلى روزاليوسف الفتاة»: «تحت راية الوفد وُلِدتِ.. وتحت راية الوفد يجب أنْ تفتح لك أبواب الخلود.. لا تُبالى فى سبيل مصر أن تجرحى خصومها فى الضمائر والقلوب.. كونى صريحة فى الحق وتقدمى الصفوف. كونى صادقة واهزئى بعد ذلك بما يكون.. اثبتى للزلازل وابتسمى للخطوب واضحكى للرياح نسمات وأعاصير.. احذرى الدسائس، فإنَّ أشراكًا تُنصب لك اليوم بدهاء، فطئيها بالقدم وإياك والوقوع.. أشبِعى مطامع قرائك فى الأدب والسياسة والوطنية وكل مسارح العقول والقلوب، وكونى أنت السبع الذى تأكل من فضلاته الضباع»!
كانت «وزارة محمد توفيق نسيم» وقتها هى التى تؤلف الحكومة (استمرت فى الحُكم حتى سنة 1936م).. وكان النحاس باشا يؤيد وزارة نسيم نكايةً فى وزارتى صدقى ومحمود محمود.. لكن.. بعد فترة وجيزة اختلفت السيدة فاطمة اليوسف فى موقفها من وزارة «نسيم باشا»؛ إذ رأتها حكومة ضعيفة ومتخاذلة لم تعمل على إعادة دستور الأمة (دستور 1923م).. وكان هذا التقدير هو محور الخلاف الرئيس بين روزاليوسف (السيدة والجريدة، والمجلة أيضًا) وبين الوفد.. وهو خلاف تطور بشكل حاد، وامتدَّ حتى انتهاء وزارة مصطفى النحاس الثالثة (10 مايو 1936م- يوليو 1937م)!
وفى خضم هذا الصراع، عمد «الوفد» على تقويض نشاط الجريدة التى أغلقت أبوابها بعد عام ونصف العام تقريبًا من صدورها.. يقول الكاتب الكبير رشاد كامل (رئيس تحرير مجلة صباح الخير الأسبق) فى كتابه الماتع «جريدة قالت: لا»: «صدرت روزاليوسف (الجريدة اليومية) فأقامت الدنيا ولم تُقعدها!.. وسرعان ما أصبحت صداعًا لا ينتهى فى رأس حزب الوفد الذى تؤيده، وصداعًا فى رأس زعيم الوفد (مصطفى النحاس باشا)، وسكرتير الوفد ورجله القوى (مكرم عبيد باشا).. وكانت صداعًا مُستمرًا فى رأس رئيس الحكومة وقتها (توفيق نسيم باشا).. وكانت صداعًا مزمنًا فى رأس الملك فؤاد نفسه، ورأس وعقل المندوب السامى البريطانى (حاكم مصر الحقيقى فى تلك الأيام).. فقد كانت جريدة روزاليوسف اليومية أول جريدة يحاربها الأصدقاء والخصوم فى وقت واحد»!
وعندما أعاد الكاتب الراحل «عبد الله كمال» إصدار الجريدة اليومية فى أغسطس 2005م (وهى الجريدة التى تُتم هذه الأيام عامها العشرين مع تعديل ترخيصها لإصدار أسبوعى) جابهت الجريدة أيضًا- على غرار إصدارها الأول- حربًا ضروس من الأصدقاء والخصوم فى وقت واحد!
ومع ذلك.. نجحت الجريدة (فى إصدارها الثانى) فى تقديم جيل جديد من الصحفيين والكُتَّاب، ممن ساهموا وأثروا الحياة الصحفية والإعلامية والعمل النقابى فى مصر، حتى حينه.. جيل تملكته (فى أغلب عناصره البارزة) روح السيدة المؤسِّسة ورفقاها الذين قاتلوا إلى جوارها فى بلاط صاحبة الجلالة، من أجل الحرية والتنوير فى مواجهة الرجعية والاستبداد والتضليل.. فإلى «روزاليوسف» العظيمة وأبنائها:
- كل 20 عامًا وأنت فتية، قوية، تسيرين على الدرب (الجريدة الأسبوعية).
- كل 90 عامًا وأنت سهم شق ظلام الاستبداد حفاظًا على المكتسبات الوطنية والدستورية (الإصدار الأول للجريدة اليومية).
- كل 100 عام وأنت دُرة التاج فى جبين صاحبة الجلالة (المجلة الأسبوعية).
رئيس تحرير مجلة روز اليوسف الأسبق