عشرون عامًا من المغامرة.. صحافة تصنع التاريخ

أحمد خيرى
فى مثل هذا اليوم من عشرين عامًا مضت، انطلق العدد الأول من جريدة روزاليوسف، بقيادة الأستاذ والمعلم الراحل عبدالله كمال.. «الأدرجي» كانت ولادة فكرة حفرت اسمها فى سجل الصحافة الحرة الجريئة. كنا نحمل أقلامًا، نكتب ونبحث ونوثّق، متسلحين بإيمانٍ لا يهتز بأن الصحافة ليست مهنة، بل رسالة.
منذ تلك اللحظة، لم تكن رحلتنا سهلة، لكنها كانت مليئة بالمغامرة والاكتشاف. سافرنا بالكلمات إلى كل بقعةٍ نسكنها ونجهلها، وعُدنا بحكايات لا تشبه ما يُقال على المنصات أو ما يُكتب على العناوين. ومثلما بدأنا بخطواتٍ صغيرة، كبرنا بعدد قرائنا.
إحدى تلك المغامرات قادتنى إلى عمق الصحراء، حيث وجدت مجتمعًا يعيش كما عاش الأجداد؛ دون كهرباء، دون أسمنت، دون ضجيج. وجوه سمراء.
لكن المغامرة الأهم، تحقيقًا، وربما الأخطر، هدفه الحفاظ على ثروة قومية نادرة، فى قلب الواحات البحرية. هناك، فى أرضٍ لم تلتفت إليها العيون، كانت الديناصورات قد مرّت منذ ملايين السنين، وخلّفت وراءها هياكل عملاقة. وبينما كان العالم يحتفى بكل أثر لما قبل التاريخ، كانت الجرافات تزرع فوق الهياكل، وتطمر التاريخ تحت أقدام الإهمال.
كشفتُ ذلك فى تحقيقٍ نُشر على صفحاتنا، كيف يتم تدمير إرث عمره أكثر من 30 مليون سنة بزراعةٍ عشوائية. كان تحقيقًا له وقع، دفع أحد أعضاء مجلس الشورى لتقديم طلب إحاطة، وطالب بتحويل المنطقة إلى محمية طبيعية، وقد حدث بالفعل فى العام التالي.
وفى مغامرة أخرى، كانت البيئة هى الضحية، والضمير هو الدافع. بمستندات رسمية وشهادات حية، كشفنا فى تحقيق استقصائى عن مصنعٍ فى الدلتا، كان يُلقى بمخلفاته السامة مباشرة فى نهر النيل. لم تكن النتائج مجرد أرقام على ورق، بل كوارث حقيقية: نفوق لبعض الأسماك بالمنطقة، واختناق بعض أشجار ماتت أوراقها واقفة، وعدد من سكان أصابتهم أمراض مجهولة المصدر. التحقيق أثار ضجة فى الشارع وفى الإذاعات.. ونقلت تفاصيله بعض الصحف، وتحت قبة البرلمان، بادرت لجنة الصحة والبيئة بطلب إحاطة عاجل، وشُكّلت لجنة تقصى حقائق زارت الموقع واستجوبت الشهود، وانتهت بإثبات كل ما ورد فى صفحاتنا.
القرار كان واضحًا: إلزام المصنع بتوفيق أوضاعه البيئية، وغلق الوحدة المسئولة عن الصرف على النيل. بعدها، عاد مجرى النهر إلى صفائه، وتعافت الأشجار، وعاد الأمل إلى وجوه المحيطين، تحقيقات كثيرة أجريت، هدفها منع التعديات على الثروات القومية.
تلك ليست مجرد مغامرات مهنية، بل معارك من أجل الذاكرة، والهوية، والمستقبل. هى ما يجعلنا ندرك أن الصحافة ليست ورقًا يُطبع، بل ضوءًا ينير العقول.
مدير تحرير بوابة روزاليوسف