عشرون عامًا من صناعة الوعى ورعاية المبدعين

إيهاب كامل
تاريخ الإنسان لا ينفصل عما حوله، فهو يؤثر ويتأثر حتى لو كان تأثيره مثل أثر الفراشة، من هذا المنطلق يمكننا النظر إلى صفحة الثقافة فى جريدة روزاليوسف، تلك البذرة التى غرست فى أرض الثقافة والإبداع، فظهرت أول صفحة ثقافة يومية فى مصر، فكانت على مدار السنوات علامة فارقة فى الصحافة الثقافية العربية، ومنذ انطلاقها، وضعت هدفًا واضحًا، أن تكون منصة تجمع القارئ بعوالم الأدب والفن والفكر، وتفتح أمامه نوافذ على الإبداع بمختلف أشكاله.
طوال عقدين من الزمان، لم تكتفِ صفحة الثقافة بنقل الأخبار أو تغطية الفعاليات، بل صنعت مسارًا خاصًا بها، يجمع بين رصانة التحليل وسرعة الخبر، وبين الحفاظ على التراث ومواكبة الحداثة.
اهتمت بجميع فنون الأدب والثقافة، فكانت صفحاتها مسرحًا للرواية والقصة القصيرة، وميدانًا للشعر بمختلف اتجاهاته، ومنصة للفن التشكيلى ومعارضه، احتفت بالمبدعين الكبار، ومدّت يدها إلى الموهوبين الجدد، مانحةً إياهم فرصة الوصول إلى جمهور واسع، لتكون بحق جسرًا بين الأجيال، وملتقى للأفكار والرؤى.
نشر الوعى
فى كل عدد، كانت الصفحة تقدم محتوى متنوعًا: حوارات مع رموز الفكر، قراءات نقدية لأهم الإصدارات، تقارير ميدانية من قلب الأحداث الثقافية، ومقالات رأى تفتح النقاش حول قضايا الأدب والفن. بهذا التنوع، رسخت مكانتها كمصدر موثوق للقارئ الذى يبحث عن المعلومة الدقيقة والرؤية العميقة.
لم تقتصر مهمتها على نقل الأخبار أو تغطية الفعاليات، بل اشتبكت بجرأة مع القضايا الثقافية والفكرية الكبرى، ودافعت عن حرية الإبداع، وواجهت محاولات تقييد الفكر أو مصادرة الجمال، كانت الصفحة بمثابة مساحة حية لتلاقح الآراء، وفضاء يتيح للحوار أن يتشكل بعيدًا عن الانغلاق أو التعصب.

ولعل من أبرز ما يميز «صفحة الثقافة فى روزاليوسف» هو ارتباطها بروح المدرسة الصحفية التى حملها هذا الكيان الكبير منذ تأسيسه، والتى جمعت بين الجرأة فى الطرح والرقى فى الأسلوب، وهنا نستعيد ما قاله الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس حين وصف رسالتها الثقافية قائلا: «مسئولية الكلمة لا تقل عن مسئولية الفعل، فالفكر الحر هو الذى يصنع التغيير قبل أن تصنعه السياسة أو القوة»، هذه المقولة كانت ولا تزال بوصلة توجه عمل الصفحة، لتجعل من الثقافة أداة بناء وتنوير، لا مجرد مادة للقراءة العابرة.
اليوم ونحن نحتفل بمرور عشرين عامًا على تأسيس الجريدة، نجدد التزامنا برسالتها وهى: نشر الوعى، ودعم الإبداع، والإسهام فى صياغة مشهد ثقافى يليق بالقارئ، فنحن لا ننظر إلى ما مضى كذكرى، بل كقاعدة للانطلاق نحو سنوات جديدة من العطاء، إيمانًا بأن الكلمة والفن قادران على صنع الغد، وأن يكونا منبرًا للتنوير ونشر الجمال فى زمن يحتاج فيه العالم أكثر من أى وقت مضى إلى الفكر المستنير.
أزمات النشر
مع أول إعداد الجريدة بدأت مناقشة قضية النشر الإلكترونى الذى كان وقتها طريقا جديدا يلجأ إليه المبدعون، خاصة الشباب الذين لم يجدوا طريقهم فى دور النشر فكانت بمثابة صرخة واعتراض على عدم الاهتمام بهم لذا لجؤوا إلى الفضاء الافتراضى وكونوا مجتمعهم الخاص.
كما تناولت الصفحة الأزمة التى وقعت بين دار الشروق للنشر والهيئة العامة المصرية للكتاب بعد أن قامت الأخيرة بإعادة نشر المجموعة القصصية يوسف والرداء للكاتب الكبير إبراهيم أصلان والتى سبق أن نشرتها عام 1986 فقامت دار الشروق فى سابقة هى الأولى من نوعها بإرسال إنذار على يد محضر إلى الهيئة لأنها سبق أن تعاقدت مع الكاتب على نشر أعماله وهو ما اعتبرته دار النشر من اعتداء على حقوق النشر وقرصنة من جانب الجهة التى من شأنها كبح مثل هذه الأمور.
كان من أول الحوارات فى صفحة الثقافة حوار مع الروائى النوبى الراحل إدريس على بمناسبة صدور روايته «تحت خط الفقر» الذى أعلن فيه أنه ضد الجميع، وقال إن صراحتى غلبت صراحة محمود شكرى، يُظهر الحوار شخصيته المتمردة، وتمسكه بمواقفه حتى لو كلّفه ذلك العزلة أو الهجوم، ويركز على أن كتاباته كانت مرآة لآرائه الجريئة، التى لا تخضع للمجاملات أو الحسابات.
توالت بعد ذلك العشرات من الحوارات لكتاب ومبدعين مصريين وعرب وأجانب منهم على سبيل المثال لا الحصر إبراهيم أصلان، يوسف القعيد، إبراهيم عبدالمجيد، المفكر اللبنانى على حرب، والشاعر اللبنانى عباس بيضون، الكاتب والناقد إدوار الخراط، الروائى يوسف أبورية، والشاعر العراقى فاضل العزاوى.
وكانت لقضية القراءة واهتمام الشباب بها مساحة كبيرة من خلال تناول القضية من زوايا كثيرة، منها على سبيل المثال، اللجوء الى الشباب أنفسهم وسؤالهم عن اهتماماتهم ومتى قرأوا آخر كتاب وماذا يباعد بينهم وبين القراءة، وكذلك ظهرت قضية آخر كان أحد أسبابها الناقد الراحل ووزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور الذى قال قبل سنوات طويلة أننا نعيش زمن الرواية فهرع الكثير من الشعراء إلى كتابة هذا الفن الرائج جماهيريا ونقديا، فكانت روزاليوسف حاضرة فى المشهد من خلال عدد من المعالجات الصحفية التى وصلت إلى أن جميع الأنماط الثقافية ستظل باقة.

اللغة والهوية
قضية أخرى كانت حاضرة على حول علاقة المبدعين بالتطور التكنولوجى وقتها وهل يمكن للأديب أن يتخلى عن الورقة والقلم لصالح جهاز الكمبيوتر فكانت الإجابات فى مجملها ضد التطور التكنولوجى والتى جاءت على لسان كتاب كبار أمثال جمال الغيطانى وفاروق شوشة ومحمد البساطى.
من بين القضايا المهمة التى تناولها صفحة الثقافة فى روزاليوسف كانت قضية اللغة العربية والحفاظ على الهوية الوطنية، وذلك عبر الحديث عن دور مجمع اللغة العربية الذى يعد الحارس الأول والمدافع عن لغة الضاد وقد رصدنا أن هذا الكيان الكبير الذى يضم فى عضويته أسماء كبيرة فى كل المجلات لا يستطيع أن يقف فى وجه الهجمة التى تواجهها لغتنا، وقد أعلن الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية وقتها فى حوار على صفحات الجريدة «سنعيد اللغة العربية إلى وسائل الإعلام» ولكن الأمور لم تتغير حتى اليوم.
وكان الفن التشكيلى حاضرا فى صفحة الثقافة حتى إن إدارة الجريدة مع الوقت خصصت له صفحة أسبوعية بعنوان جاليرى، وقد ناقشت الأزمة التى يعانى منها الفن التشكيلى وأن هناك تراجعًا ملحوظًا فى الإقبال على المعارض وغياب المشترين للأعمال الفنية، مما يضعف الحافز لدى الفنانين التشكيليين. وخلص التحقيق إلى أن هناك عدة عوامل وراء هذه الأزمة أهمها: غياب الوعى الفنى لدى الجمهور وعدم إدراك قيمة العمل التشكيلى، كذلك هيمنة التكنولوجيا والوسائط الحديثة على اهتمامات الناس، مما جعل الفنون التشكيلية أقل جذبًا، إضافة إلى ضعف الدعم المؤسسى وعدم وجود سوق نشط للأعمال الفنية.
قصور الثقافة
قصور الثقافة باعتبارها أحد أهم أعمدة البناء الثقافى فكانت دائما حاضرة من خلال العديد من التغطيات ومناقشة دورها فى الحياة الثقافية، خاصة أنها تعانى العديد من المشكلات بداية من القصور التى توقفت عن العمل بسبب التطوير وحتى الميزانيات التى لا تكفى الأنشطة الثقافية حتى مقر الهيئة نفسة فى عمارات العرائس كان له نصيب، وتساءلنا فى تحقيق خاص حول مقر الهيئة «كيف يمكن أن تتغلب على مشاكلها وعقلها يعانى من الشلل الإدارى بسبب التكدس وغياب الإمكانيات المناسبة»، وفى تحقيق آخر نشر بعنوان «فى بورسعيد.. الأدباء هجروا قصور الثقافة»، حيث أشار مثقفو بورسعيد إلى أن نوادى الأدب لا تقوم بالدور المنوط بها ولا بد من مراجعة النشر إقليميا ووضع الأسس الفنية الصحيحة له.
مئات ومئات من الموضوعات والحوارات التى لا يمكننا حصرها فى هذه المساحة شارك فى صناعاتها عدد كبير من الزملاء الذين اجتمعوا على حب الثقافة والإبداع فى بيت الثقافة والبداع «روزاليوسف» فكانوا أحد صناع هذه التجربة الثرية.