عشرون عامًا.. ذاكرة تتقاطع بين «روزاليوسف» وعبدالله كمال

ريهام الحداد
فى لفتة راقية، دعانى أستاذ أيمن عبدالمجيد إلى كتابة مقال بمناسبة مرور عشرين عامًا على إعادة جريدة “روزاليوسف” إلى الساحة الصحفية.
هنا تمترج فى عقلى وروحى شخصيتين عظيمتين أثرتا بى كثيراً ووجدت دومًا رابطًا بينهما شديد التقارب، الأولى القدوة والملهمة صاحبة المشروع “روزاليوسف” والتى شرفت بكتابة دراما عن حياتها المهنية والشخصية، شملت تفاصيل وظروف إنشاء الجريدة اليومية ثم إغلاقها.
أما الشخصية الحبيبة الأخرى فهو زوجى عبدالله كمال رحمه الله، الذى أعاد جريدة “روز اليوسف” اليومية إلى الحياة بعد انقطاع دام قرابة السبعين عامًا، فنفض عنها غبار السنين وزينها بعمره وقلبه ووقته.
ولقربى من الشخصيتين رأيت روح “روزاليوسف” تتلبس عبدالله كمال، فلم يكن كاتبًا أو موظفًا أو مجرد رئيس تحرير، بل كان صاحب مشروع، مؤمنًا شغوفًا بما يكتب، عاشقًا لعمله عشقًا انتحاريًا، يكتب كثيرًا ويعقد الاجتماعات، يجمع المصادر وأصحابها، يدخل فى معارك ومعتركات وحروب وسجالات مهنية، فى نشاط واشتعال سريع، بسرعة اشتعال سيجاره.
الست روزا كما كانوا يسمونها أعضاء كتيبتها الروزالية، كانت صاحبة كاريزما ومبادئ تجعل من خصومها السياسيين أو المهنيين من عالم الصحافة والفن والسياسة، معجبين بشخصها وبنضالها وإن اختلفوا معها، وكان لعبدالله كمال ذات الصفة، بمعايير عصره وسرعة أيامه وازدحام أحداثها، وبحماس وشغف وتحد للذات وللمحيط أنشأت الجريدة اليومية فى المرتين.
بتحيز كبير وحماس أكبر أتحدث عن مهنية وتفرد عبدالله كمال، وكيف أنه بالرغم من سنوات عمره القليلة إلا أنه ترك إثرًا بالغًا فى عالم الصحافة يضعه فى مرتبة متفردة، فهو كما يصفه أصحاب الخبرة والوعى السياسى والأدبى والثقافى (صنايعى ماهر، قلما جادت الصحافة بمثله).
جمع أصحاب أثقل الأقلام ودعاهم للكتابة بالمجلة والجريدة من مختلف الأطياف والأفكار والمعتقدات، أعطى المساحة لكل الآراء، كان ينصح ويوجه ويساعد تلاميذه ويناديهم بزملائى، يقسوعليهم، كأسد يزأر فى وجوه أشباله تارة وتارة أخرى مهللًا لهم مشجعًا ومكافئًا، يعطيهم الفرص ويعرفهم إلى مصادره ويمدهم بخلاصة معرفته وتجربته فى كرم بالغ ومحبة مخلصة.
جمع بين حرفية الصحافة بمشرط جراح بارع، وبين حس وطنى وقومى عال بضميرٍ يقظ، قال وكتب ما آمن به وصدقه فى السر والعلن، لم ينافق ولم يداهن، لهذا لم يضطر يومًا لأن ينقلب على أعقابه ولم يغير مبادئه أومواقفه، لا طمعًا ولا خوفًا، تحمل عقبات موافقه واختياراته ورحل شجاعًا شامخًا، يذكره الجميع بالحرفية والبراعة ووضوح الرؤية وثبات الموقف، فاجتمع على احترامه الأضداد والخصوم قبل المحبين وبكاه تلاميذه بكاء فقد الوالد والمعلم والقدوة، وافتقده أصحاب الفكر والرؤى والثقافة وافتقدوا أسلوبه وكلماته وطريقته التى لم تتكرر فى الإدراة والتحرير وطريقة العرض والتحليل.
كنت وأنا أكتب حلقات المسلسل، أكرر على مسامعه (كم تشبهها) فيقول من؟!، لأجيبه: «روزاليوسف»، هذه السجالات اليومية والتراشقات السياسية والمناورات الصحفية، هذه المانشيتات القوية، والكلمات والمواضيع المثيرة للحماس والحروب الصحفية، هذا الجومن الرأى والرأى الآخر الذى يكون موضوع أحاديث القراء ومثار نقاشاتهم وموضع اختلاف واتفاق واحتداد وغضب ورضا منهم، هذا الجو المشحون بالأحداث والنشاط والتغطيات والتنافس المحموم بين المؤسسات الصحفية وفرق تحريرها ككتائب جيوش مستنفرة دائمًا مستعدة للانطلاق والانقضاض للفوز بسبق صحفى أوالنصر فى معركة رأى، أنت تشبهها فى كل هذا، فيجيب بجملته الشهيرة : « لا يا شيخة « رحم الله عبدالله كمال والسيدة فاطمة اليوسف.
كم جلبت ذكرى “العشرون عاما” من ذكريات يتنازعها الفخر والشجن وتختلط بها الابتسامة بالعبرات، ولكن العزاء أن الجريدة باقية واسم “روزاليوسف” مستمر ينيرها وينير الطريق لأجيال جديدة واعدة، ولكن روح الست روزا تختار من بينهم من تتلبسه وتلبسه شغفها وحماسها أرادت “روز اليوسف” تخليد اسمها وقد كان لها ما أرادت، وازدانت مجلتها وجريدتها اليومية بأسماء وقامات عظيمة سجلت تاريخ وطن وحكاية شعب.
زوجة الكاتب الصحفى الراحل عبدالله كمال