الجمعة 15 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رسالة  إلى روزاليوسف

رسالة إلى روزاليوسف

روزا اليومية



هى حفيدة روزا اليومية.. الجدة الجليلة!

من لم يرها، فليذهب إلى دار الوثائق، وهناك سيرى صفحاتها وقد اصفر لونها قليلا. تلك بصمات الأيام والسنين، وسيشم رائحة الزمن التى لا تخطئها الأنف! ولو فر الصفحات قليلا، سوف يسمع أصوات المعارك التى دخلتها الجدة الجليلة مع الوفد.

بالمقال والكاريكاتير كانت السيدة الراحلة العظيمة تخوض حربها مع الوفد، ولم تتزحزح عن موقفها ولا غيرت مبادئها، كانت عزيمتها وإرادتها بعزيمة وإرادة مائة رجل!

سيدتى الجليلة .. الراحلة روز اليوسف

هل تذكرين كاتب هذه السطور ؟ إنه ذلك الشاب النحيل بقميص أبيض وبنطلون رمادى وحمالة نايلون جاء بى إلى دارك فى شارع محمد سعيد ، كشاف المواهب حسن فؤاد . وحين صعدت على سلالم الدار المتآكلة ، لم أصدق أن هذه هى روزاليوسف التى فجرت قضية الأسلحة الفاسدة وهزت عرش مصر . لم أصدق أنى فى دار الرأى والفن حيث يقوم كاريكاتير سياسى بدور مقال، ويقوم مقال قصير بمقام كاريكاتير له طعم المدافع، لم أصدق وأنا أرى عم حسن المطبعجى بالقبقاب يطرقع صوته فوق بلاط حوش الدار !

أنا ذلك الشاب النحيل المملوء أحلاما، الذى تجرى فى دمائه كرات الطموح .. الذى كان يرتعد شأن كل محررى وكتاب وعمال روزا عندما تمرين مجرد مرور أو نسمع صوتك الآمر الناهى. كنا جيلا ياسيدتى نعرف أقدار الكبار وأحجامهم. كنا جيلا يخفض عينيه حين نتكلم مع أساتذتنا . ويحسب لدارك ياسيدتى أن تخرج فى مدرستها ألمع الأسماء الصحفية التى ملأت الأفق. هذه الأسماء حملت مسئولية الرأى فى ساحة الحياة السياسية لوطن على مدى أجيال.

سيدتى الجليلة .. الراحلة روز اليوسف

أنا ذلك الشاب النحيل الذى أدخلوه غرفتك ليكتب لك كلمة مجاملة فوق ساقك المكسورة المجبسة وكان معى قلم فلوماستر أسود من أقلام الفنان جمال كامل لقد ارتعش القلم فى يدى وأنا أنحنى فوق ساقك أبحث عن مكان يسمح لكلمتى أن تظهر، فقد ملأت التمنيات بالشفاء كل المساحة .

أنا ذلك الشاب النحيل الذى كتب شيئا مختلفا تماما، بل من العيب فى مثل هذه المناسبة أن أكتبه!

لقد كتبت «أتمنى أن أكون صحفيا معروفا، ثم وقعت اسمى وأضفت بسهم عبارة (12 أسود) وهذا مقاس بنط الاسم!! أتذكر أن أبو العينين ذلك الفارس السمهرى انحنى يقرأ ما كتبته ثم قهقه بصوت عال. شد انتباه أحمد بهاء الدين الذى تفحص بنظارته الطبية ما سطرت فابتسم بدهشة وانتحى بى جانبا وقال لى حد فى الدنيا يزور واحدة ست رجلها مكسورة وبدل ما يتمنى لها الشفا، يتمنى لنفسه أن يبقى صحفى معروف. إيه ده (؟) وقد تنبهت ياسيدتى لنبرة التأنيب فى صوت أحمد بهاء الدين لى، فسألت إحسان عبد القدوس «فيه إيه يا إحسان؟» واستطردت تسأل الولد ده كتب ايه؟ ورد أحمد بهاء الدين: كتب أحلامه ولدهشتى الشديدة قولك ياسيدتي: «وماله؟» قال بهاء: مش وقتها! قلت ياسيدتى : يمكن جت الفرصة وأحلامه دى إيه؟ عايز سلفة؟ قال بهاء: عايز يبقى صحفى معروف قالت: ياسيدى وماله؟ حقه يحلم وبلعت ريقى وتحقق حلمى ربما أكثر مما حلمت وتصورت، لكنى اجتهدت.

سيدتى الجليلة.. الراحلة روز اليوسف

فى الدار التى تحمل اسمك تعلمت قيما كثيرة. سمعت أحدهم يقول على الملأ نروح نكسر الوفد بالطوب وقلت ايه الكلام الفارغ ده فين مدفعيتك يا زهدى وأنت فين يا زكي؟ وأنت يا عبد السميع وللقارئ العزيز فإن زهدى وعبد السميع وزكى كانوا من ألمع رسامى الكاريكاتير. كانت السيدة الجليلة تستفز قريحتهم للرد على الوفد. تعلمت أن إلقاء الطوب هو قمة التخلف والعجز وأن الصورة المثلى هى الرد بالكلمة أو بالكاريكاتير. وفى زماننا - ياسيدتي، صار إلقاء الطوب ودبش الكلام مألوفا وعاديا ومن طول التعامل معه، فقدنا التمييز وتآلفنا مع القبح تعلمت فى مدرستك (النظرة الكلية للأشياء، فالمجتمع سبيكة واحدة وعلاقات الأشياء واحدة ولا يمكن تناول قضية، دون أن ترد للمجتمع. تعلمت فى مدرستك (الموضوعية) فمهما كان بينى وبين مصدرى من خلافات شخصية أو عدم استلطاف، فلابد من تقديم وجهة نظره كاملة غير منقوصة. تعلمت العفة فى الأسلوب، فالشيء الذى يجرح القارئ أحجبه عنه وأعتذر عن قلم كتب ذات مرة يصف حالة مدرس شاذ يعطى دروسا لمجموعة بنات صغيرات ويتحرش بهن جنسيا (التعليم بسوسته) تعلمت فى مدرستك الحماس المهنى. فقد كلفنى يوما أحمد بهاء الدين بمقابلة شكوكو وقابلته وقدمته فى نفس العدد الذى كتب فيه بهاء عن سامى الدروبى المفكر السورى الكبير! تعلمت فى مدرستك أن (الصحفى) لا عمر له وأن القلم يجف حبره إذا اكتفى بمقاعد المتفرجين وهأنذا أحاور بعد أكثر من ٤٠ عاما لأحافظ على نضارة هذا القلم. تعلمت أن أذهب فيما أكتب حتى الأسلاك الشائكة وفصلنى النظام الشمولى أربعة عشر شهرا لأنى اقتربت من هذه الأسلاك بلا وجل أو خوف أو تردد.

تعلمت أن النجومية ليست صورة تزين المقال، بل رأى له وجاهته على موجة عقول العامة قبل الصفوة.

سيدتى الجليلة الراحلة روز اليوسف

أولادك إحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين وعميد الإمام، وأنيس منصور وصلاح حافظ وفتحى غانم ومحمود السعدنى ولويس جريس ومديحة عزت ومحمود أمين العالم ومصطفى محمود وجمال كامل وجورج البهجورى وكامل زهيرى وصلاح عبد الصبور وأحمد حجازى وأبو العينين وسرى الدين وسعاد رضا التى دخلت الدار بمريلة المدرسة وسامى داود وصلاح المنهراوى حافظوا على روزا المجلة، وحملوا الشعلة طيلة الأعوام وإذا دخلت بيتا، أقامت فيه وحدث بين البيت وروزاليوسف (حالة إدمان )، ثم جاء ميلاد ابنتك صباح الخير التى رصدت الحياة الاجتماعية لمصر والتغيرات الجذرية فى المجتمع ودخلت معارك صحفية حول مفاهيم لم تسلم من التحريف وجاءت أقلام شابة وتولت قيادتها مجموعة من أنجب أبنائك: حسن فؤاد وأحمد بهاء الدين وفتحى غانم ولويس جريس ومحمود السعدنى ورءوف توفيق وكاتب هذه السطور، نفس الشاب النحيل الذى كتب على ساقك المكسورة أحلامه يومئذ كان يقدم قدما ويؤخر قدما وهو يجلس على نفس ذات المقعد الذى جلس عليه أحمد بهاء الدين.

سيدتى الجليلة الراحلة روز اليوسف

جاء دور أحفادك يا أمنا وجدتنا. جاء دور الأحفاد ليصنعوا شيئا جديدا فى الصحافة المصرية شيئا يليق بك وبمكانتك واسمك الخالد، إذ لم يتح لى أن أراك يا سارة برنار الشرق على المسرح ولكنى رأيتك على مسرح الفكر والثقافة داخل صفحات بناتك روز اليوسف وشقيقتها صباح الخير. جاء دور الأحفاد إذ تسلم المسئولية كرم جبر وعبد الله كمال من محمد عبد المنعم، الفارس الشهم الذى ترك للأحفاد ممارسة إبداعهم وذهب يكتب فى (الأخبار) استطاع محمد عبد المنعم - بالمنطق - بعد أن اطمأن على استقرار (روزا) وصباح أن يمضى فى طريقه يمارس الكتابة بلا أعباء إدارية وتسلم أحد أحفادك - رشاد كامل - مسئولية صباح الخير الذى حافظ على تراث دارك وهو من نجباء الكتاب فى تواضع جاء دور كرم وكمال للحركة بلا محاذير ، إذ طرح كرم رغبة روز اليوسف فى أن تكون يومية أثناء اجتماع المجلس الأعلى للصحافة وكنت أحضر الجلسة كعضو من الشخصيات العامة اختاره مجلس الشورى للمشاركة باسم خبرة تقترب من نصف قرن فالشاب النحيل ياسيدتى صدر قرار بتعيينه فى أول يناير ١٩٥٧ كرم وكمال يعتزمان إعادة روزا اليومية حفيدتك.

 وقد طلب منى عبد الله كمال الذى يذكرنى دائما بشباب أحمد بهاء الدين بأن أكتب مقالا وجلست أمام الورق الأبيض الذى يتحدى الأقلام . ووجدته يتدفق، فإذا فاتنى نقطة فوق فاء أو تاهت منى نقطتان تحت ياء فإنه الحب المخبوء فى الضلوع لك من أبنائك وكان تحقيق الحلم على يد .. أحفادك !

 

رئيس تحرير مجلة صباح الخير الأسبق