الأربعاء 10 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اقتصاد مصر ينمو فى محيط التحديات

فى وقتٍ تتهاوى فيه اقتصادات كبرى أمام العواصف العالمية، وتتعثر دول تحت وطأة التضخم واضطراب سلاسل الإمداد، يبرز الاقتصاد المصرى كقصة نجاح مختلفة. 



فوسط حربٍ روسية–أوكرانية أربكت الأسواق، وأزمات غذائية ضربت العالم، اختارت مصر أن تراهن على الإنتاج المحلى والاكتفاء الذاتى، لتصنع لنفسها طريقًا آمنًا يحمى المواطن ويعزز الاستقرار.

لم يعد الأمر مجرد إدارة أزمة مؤقتة، بل تحول إلى رؤية استراتيجية شاملة، جعلت من الزراعة والصناعة والأمن الغذائى خطوط دفاع أولى، ومن الإصلاحات المالية والنقدية جسرًا نحو مستقبل أكثر صلابة واستدامة.

 

 

 

 

استقرار الأسعار وتحسن القوة الشرائية

شهادة ثقة.. إشادات دولية بقوة الاقتصاد المصرى

فى عالمٍ يتقلب على وقع الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، من تداعيات الحرب الروسية–الأوكرانية، إلى الاضطرابات فى سلاسل التوريد العالمية، يواصل الاقتصاد المصرى شقَّ طريقه بثبات، متخذًا من الاعتماد على الذات حجرَ زاويةٍ لرؤيةٍ تنمويةٍ واسعةٍ تسعى إلى حماية المواطن وتعزيز استقرار الدولة.

ورغم حجم التحديات، فقد استطاعت مصر أن تضع أسسًا متينةً لمشروعٍ قوميٍّ يربط بين الإنتاج الزراعى والصناعى وبين الأمن الغذائى باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي.

بينما أشارت وكالة فيتش، واحدة من أكبر ثلاث وكالات عالمية متخصصة فى التصنيف الائتماني، إلى أن البنوك المصرية سجلت واحدة من أعلى نسب كفاية رأس المال على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث بلغ المعدل 18,5% خلال عام 2024، وهو أعلى من الحد الأدنى المعتمد عالميًّا وإقليميًّا وفقًا لمعايير “بازل 3”، والتى تتراوح عادة بين 10% و12%، مما يمنح القطاع المصرفى هامش أمانٍ مقارنةً بالبنوك الأخرى فى الشرق الأوسط.

 

وتتوقع «فيتش» تسجيل التضخم خلال العام الحالى نحو 14.4%، وأن يتراجع إلى 10% فى العام المقبل، وأن يصل إلى مستهدف البنك المركزى المصرى لمعدل التضخم عند 7% بارتفاع أو انخفاض 2% فى الربع الأخير من 2026.

وتوقعت «فيتش» تراجع سعر الفائدة إلى 21% بنهاية 2025، وأن تصل إلى 11.25% العام المقبل، فيما توقعت نمو الاقتصاد المصرى بمتوسطٍ بين 4.3% و5% سنويًّا خلال الفترة من 2027 إلى 2034.

 

دعم الزراعة والصناعات الغذائية

 

لم تقتصر جهود الدولة على زراعة الأراضى فقط، بل امتدت إلى تطوير منظومة الصناعات الغذائية باعتبارها الامتداد الطبيعى للقطاع الزراعي.

فقد تم إطلاق برامج دعم للمزارعين لتشجيعهم على زراعة المحاصيل الاستراتيجية، بالتوازى مع تطوير مصانع للزيوت – مثل زيت عباد الشمس وزيت بذور الكتان – بما يقلل من الاعتماد على الواردات.

كما جرى الاستثمار فى إقامة مناطق لوجستية ومخازن مركزية فى مختلف المحافظات، تتيح وصول السلع إلى المواطنين فى جميع أنحاء البلاد، بما فى ذلك المناطق الحدودية والنائية، الأمر الذى ساهم فى تقليص الفجوة الغذائية وتعزيز قدرة السوق المحلية على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية.

 

إشادات دولية 

 

وفى موازاة هذه الجهود الداخلية، جاءت التقارير الدولية لتمنح الاقتصاد المصرى شهادة ثقة.

فقد أشارت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتمانى إلى أن معدلات التضخم فى مصر مرشحة للانخفاض خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعكس نجاح السياسات النقدية التى يتبناها البنك المركزى لضبط الأسواق وكبح جماح الأسعار.

كما توقعت منظمات دولية – منها البنك الدولى وصندوق النقد – أن تشهد مصر تحسنًا تدريجيًّا فى بيئة الاستثمار وزيادة ثقة المستثمرين، مدفوعة بالتوسع فى المشروعات الإنتاجية الكبرى، سواء الزراعية أو الصناعية. هذه التوقعات تحمل بين طياتها إشارات إيجابية بأن الاقتصاد المصرى يسير فى الاتجاه الصحيح رغم صعوبة الظرف العالمي.

 

تراجع التضخم

 

الحديث عن تراجع معدلات التضخم ليس مجرد مؤشر اقتصادى على الورق، بل يعنى فى جوهره أن المواطن المصرى سيشعر بآثاره فى حياته اليومية.

فانخفاض التضخم يعنى استقرار الأسعار وتحسن القدرة الشرائية، ويعنى كذلك أن الجنيه المصرى أصبح أكثر قدرة على الصمود أمام الدولار، وهو ما يبعث برسائل طمأنة للأسواق والمستثمرين على حد سواء.

ويرى محللون أن هذه التطورات تمثل بداية مرحلة جديدة، حيث لم يعد الهدف فقط تحقيق النمو الاقتصادى الكلي، بل أيضًا تحسين معيشة المواطن وضمان وصول السلع الأساسية بأسعار مستقرة ومعقولة.

 

وسط العواصف العالمية

 

الأزمات العالمية المتلاحقة وضعت اقتصادات كبرى فى مواقف صعبة، إلا أن مصر استطاعت أن تخلق لنفسها مساحة للحركة وسط هذه الأزمات.

فبينما تراجعت اقتصادات عديدة أمام الضغوط، وانهارت أنظمة غذائية فى مناطق أخرى، تمكن الاقتصاد المصرى من تحويل التحديات إلى فرص عبر بناء قدراته الذاتية وتعزيز الإنتاج المحلي.

هذا النمو وسط الأزمات لم يأتِ من فراغ، بل من رؤية واضحة تجمع بين الإصلاحات الهيكلية والسياسات المالية والنقدية، وبين التركيز على مشروعات الأمن الغذائى التى تمثل الضمانة الحقيقية لاستقرار أى اقتصاد.

مع تراجع التضخم، واستقرار سعر صرف الجنيه، وزيادة الاستثمارات فى المشروعات الإنتاجية، تقف مصر اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من النمو المستدام.

هذه المرحلة لن تكون فقط انعكاسًا لصلابة الاقتصاد فى مواجهة الأزمات، بل أيضًا شهادة دولية بثقة العالم فى قدرة مصر على الصمود.

ويتوقع الخبراء أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الاستقرار الاقتصادى وتحسن مؤشرات المعيشة، بما يفتح الباب أمام تحقيق قفزات فى التنمية الشاملة. وفى الوقت ذاته، فإن استمرار الاهتمام بتحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية سيضمن لمصر حماية من أى تقلبات جديدة فى الأسواق العالمية.

ما بين خطط الاكتفاء الذاتي، وتراجع معدلات التضخم، والإشادات الدولية، تبدو ملامح الاقتصاد المصرى اليوم أكثر صلابة وقدرة على الصمود.

إنها قصة اقتصادٍ لا يقف عند حدود إدارة الأزمات، بل يسعى إلى صناعة المستقبل من خلال رؤيةٍ تستند إلى العمل والإنتاج والتكامل بين الدولة والمجتمع.

وفى زمنٍ تتساقط فيه اقتصادات تحت وطأة الضغوط العالمية، تختار مصر أن تكون قصة نجاح وسط الانكسارات، وأن تقدم نموذجًا لاقتصاد نامٍ قادر على تحويل الأزمات إلى فرص، وصناعة واقعٍ جديد يقوم على الإنتاج المحلى والاكتفاء الذاتي، وصولًا إلى أمنٍ غذائيٍّ مستدامٍ واستقرارٍ اقتصاديٍّ طويل الأمد.

من جانبه أكد د. مجدى عبد الفتاح، الخبير الاقتصادي، أنه فى إطار خطة شاملة تستهدف تعزيز الأمن الاقتصادي، تكثف الحكومة جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية والصناعات الحيوية. 

وتأتى هذه الجهود من خلال التوسع فى الرقعة الزراعية وزراعة مساحات شاسعة من محصول القمح، مع إنشاء صوامع حديثة لتخزينه بما يضمن استقرار الإمدادات.

لا يقتصر الأمر على القمح فقط، بل يشمل أيضًا التوسع فى زراعة المحاصيل الزيتية مثل عباد الشمس وبذور الكتان، وإنشاء مصانع متخصصة لإنتاج الزيوت محليًّا، ما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويدعم الأسواق المحلية.

وفى خطوة تعكس طموح الصناعة المصرية، تعمل الدولة كذلك على تعزيز الصناعات الوسيطة وتوطين صناعة السيارات، وصولًا إلى تحقيق الاكتفاء المحلى والتوسع فى التصدير للأسواق الإقليمية والدولية.

بالتوازى مع هذه الجهود الإنتاجية، أصدرت مؤسسات دولية، على رأسها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، توقعات إيجابية بشأن الاقتصاد المصري، مشيرة إلى أن معدل التضخم فى تراجع بفضل السياسات النقدية والمالية التى ينفذها البنك المركزي.

 

ويعنى ذلك أن المواطن المصرى سيشعر تدريجيًّا بانعكاس هذه السياسات عبر استقرار الأسعار وتحسن القوة الشرائية.

أضاف أن من أبرز النتائج المباشرة لهذه السياسات أن سعر صرف الجنيه أمام الدولار بات أكثر استقرارًا، مع مؤشرات على تحسن وضع العملة المحلية، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين ويدعم استدامة النمو الاقتصادي.

حماية الاقتصاد القومى

أكد د. محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أن أحد أهم إنجازات الدولة المصرية اليوم هو قدرتها على حماية الاقتصاد القومى من تداعيات الصدمات العالمية، التى كان من الممكن أن تكون أكثر وطأة على مصر بحكم اعتمادها على مدخلات مستوردة من الخارج.

 

وأوضح أن القرارات الاستباقية التى اتخذتها القيادة السياسية كان لها الدور الحاسم فى هذا الصدد، وفى مقدمتها المشروع القومى للصوامع وزيادة القدرة التخزينية للحبوب، وهو ما ساعد مصر على تجاوز تداعيات الأزمات العالمية وتفادى نقص السلع الاستراتيجية.

وأضاف البهواشى أن التكليفات الرئاسية بتنفيذ البرامج الإصلاحية، مثل مشروع المليون ونصف فدان والذى يتوسع ليصل إلى خمسة ملايين فدان، جاءت لاستهداف زراعة محاصيل استراتيجية كالقمح والذرة وبنجر السكر وعباد الشمس، ما يقلل من فاتورة الواردات بالعملة الصعبة.

كما أشار إلى إنشاء المناطق اللوجستية والمخازن المركزية فى مختلف المحافظات، وتوفير السلع الاستراتيجية وعرضها بشكل دائم حتى فى المناطق الحدودية، بما يضمن وصولها إلى المواطن البسيط فى كل مكان.

وشدد الخبير الاقتصادى على أن هذه الخطوات جعلت الاقتصاد القومى أكثر قدرة على مواجهة الأزمات العالمية بما يتوافر من إمكانيات محلية.

كما لفت إلى الجهود المبذولة للسيطرة على معدلات التضخم من خلال الإصلاحات النقدية، وتوفير العملة الصعبة، وزيادة المعروض من الدولار، إلى جانب الإفراج عن السلع المحتجزة فى الجمارك، وهى إجراءات استهدفت جميعها كبح جماح التضخم وتخفيف الضغوط عن الأسواق والمواطنين.