الخميس 11 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صفحات مجهولة من تاريخ الأدب

فى ضوء الكلمة

صفحات مجهولة من تاريخ الأدب

أمير الشعراء أحمد شوقى كتب مادحًا ديوان العاصى يقدمه للقراء بقوله: «هذا شباب السحر يُلمح ماؤه من جدول العاصى»



هذه الرواية تُنشر لأول مرة بعد مئة عام من كتابتها!

الرواية للشاعر أحمد العاصى «1903 - 1930»، وهى بعنوان «الوحيد - الأديب المنكود»، وقد حصل على مخطوطة الرواية، وحققها الشاعر والناقد جمال الدين عبدالعظيم، وصدرت طبعتها حديثًا 2025  وقد كتبها أحمد العاصى عام 1925 وصدرت الرواية بالتعاون بين دار مشكاة للطبع والنشر والتوزيع ودار منتدى الأدب الحر للنشر والتوزيع.

 وقد أهدى المخطوطة للباحث  المستشار رابح محمد لطفى جمعة، وكان لأبيه صلة بالشاعر أحمد العاصى، ومن شأن الرواية أن تضيف عملًا مهمًا إلى تاريخ الرواية العربية، وتكشف صفحة مجهولة فى تاريخ الأدب العربى، كما تكشف الرواية عن ريادتها أيضًا فى أدب الاغتراب، فهى تروى قصة «الأديب المنكود» الذى تعرض للاغتراب النفسى، والوحشة بسبب قسوة ظروف الحياة عليه، فقد توفيت أمه وهو فى سن مبكرة، فحرم من حنانها، واعتبره أبوه مصدر شؤم لوفاتها، لكن الأب مع قسوة الوحدة والذكرى تزوج من أرملة، لها طفلة جميلة «علياء» أحبها الطفل اليتيم فخففت عنه وطأة ما يشعر به من آلام وأحزان لكنه تعرض لجفاء وإعراض كل من حوله، فأورثه هذا حزنًا خفيًا فآثر العزلة، وتفاقم إحساسه بالاضطهاد عندما استولى «الواجد» على كتابه الذى صور فيه قصة حبه لعلياء بعنوان «المنكود وليلاه»، ونسب «الواجد» لنفسه هذا الكتاب، وكان صاحب جريدة، والأديب المنكود محررًا فيها.

واستطاع العاصى فى روايته أن يصور صراع البطل الداخلى، وصراعه مع الظروف الخارجية التى شكلت مصيره: ما كان من خيانة «الواجد»، وقسوة زوجة أبيه، وانصراف الأب عن الاهتمام بشأنه مما يُعزز فكرة تمكن الكاتب من فن الرواية فى هذا التوقيت المبكر.

ونلمح فى روايته تأثرًا بالفلسفة وخاصة كتابات شوبنهور، وديكارت وغيرهما وكان العاصى قد تخرج فى كلية الآداب قسم الفلسفة بعد أن درس فى كلية الطب لعدة سنوات لكنه تركها.

وقد أصدر ديوانه الأول عام 1926، ويذكر جمال الدين عبد العظيم محقق الكتاب فى مقدمته له: «أن أمير الشعراء أحمد شوقى كتب مادحًا ديوان العاصى يقدمه للقراء بقوله: «هذا شباب السحر يُلمح ماؤه من جدول العاصى ومن ديوانه ولتعلمن إذا السنون تتابعت أن التشكى كان قبل أوانه» وقد عمل العاصى بعد تخرجه بمكتبة الجامعة بعد تخرجه عام 1929، وترك لنا ثلاثة مؤلفات هى: رواية «الوحيد، أو الأديب المنكود» عام 1925، ورواية «غادة لبنان» عام 1926، وديوان شعر «ديوان العاصى» عام 1926.

وقد توفى العاصى منتحرًا عام 1930 بسبب أزمة نفسية شديدة القسوة يصفها جمال الدين عبدالعظيم فى مقدمته فيقول: «رأيت تسليط الضوء على تلك الموهبة المجهولة، بإبداعها ومحنتها التى هى محنة جيل ووثيقة إدانة من لحم ودم ومشاعر ضد عصر بأكمله».

وأرى أن العاصى كتب روايته وهو يمس أوتار قلبه، ويصف دنيا مشاعر داخلية خبرها، وتعمقها فبطله عاش عزلته، وفقد قصة حبه، وتخلى عن محبوبته لأنه وقع أسير فكرة «أن يعيش وحيدًا» فيقول السارد عن «علياء» حبيبة المنكود، مُحللا عالم المشاعر الداخلية لبطلة مُصورًا أثر ذلك على حبيبته فيقول: «وما كان يُقدر أنها تزوًّر عن أترابها، وعن الناس جميعًا ليكون كل ما فيها من أُنس هبة له، ولم يكن يُقدر ذلك، ولو علم به لما استطاع تقديره، وليس ذلك لجمود فى طبعه أو قسوة فى نفسه، ولكن لنقمة استحكمت عُقدتها، وثبتت أوتادها فى قلبه، وليس ذلك لأنه لا يميل إليها أو لا يحب إجابتها إلى ما تريد ولكن لأن فكرة قاسية قد تغلبت على رأسه، وتلك أن: «يعيش وحيدًا».

بل آمن أن وجود الأشقياء التاعسين ضرورى لنظام الوجود وتنسيقه!

وهى الفكرة التى آمن بها العاصى نفسه فكانت السبب الأساسى فى شقائه، ولم يفطن إلى أن سعادة المرء أو شقوته تنبعان من أفكاره.