الخميس 11 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثأر فى الصعيد

الثأر فى الصعيد

بحكم مولدى عشت فترة السبعينيات والثمانينيات فى الصعيد، وبالتحديد فى محافظة أسيوط، وقتها لم تكن تطورت وسائل الاتصالات ، ولا وسائل المواصلات ، وكانت الحياة اليومية حياة بدائية بسيطة وكان الجهل والفقر مسيطرًا على قطاع من أهل الصعيد، والعادات والتقاليد البالية هى التى تحكم عقليات أهالى القرى والنجوع، وكان أسوأ شىء عايشته هو عادة الثأر، الذى كان سببًا فى ضياع شباب ورجال كانوا فى عز قوتهم والبعض منهم قُتل دون ذنب، والبعض الآخر قتل غدرًا، وكان الثأر خاصة فى أشهر الصيف عبارة عن قتل يومى بين العائلات المتخاصمة، ووقتها ونحن فى بداية شبابنا ندعو الله أن يوجد من يخلص منطقة الصعيد من هذه العادة السيئة، وكبار القوم يقولون لنا : إن عادات الثأر والقتل لن تنتهى إلا بالعلم والتفقه فى الدين.



وبعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا أصبحت محافظات الصعيد أكثر علمًا وأكثر تطورًا عن ذى قبل، فبعد أن كانت فى فترة الثمانينيات لا تمتلك كل محافظات الصعيد إلا جامعة واحدة هى جامعة أسيوط، أصبحت اليوم تمتلك فى كل محافظة جامعة حكومية وجامعة أهلية، وعددًا كبيرًا من الجامعات الخاصة، ودخلت الكهرباء كل القرى والنجوع وامتدت الطرق إلى كل قرية مهما كان موقعها، فوق الجبل أو تحته، بالإضافة إلى تطوير وسائل التواصل بكل أنواعها وارتفاع نسبة التعليم بشكل أكبر، إلا أن الواقع لم يتغير فما زالت العقليات حتى المتعلمة منها والمثقفة كما هى, الكل مازال فى حالة ثأر من الطرف الآخر، ولم تفلح لجان المصالحات ولا لجان حل  المنازعات.

وبحكم أننى صعيدى فلدى عشرات الصفحات على الفيس بوك لقرى ونجوع ومدن فى الصعيد وحتى الصعيد الجوانى تنشر كل يوم حوادث قتل من أجل الأخذ بالثأر، ضحاياها شباب صغير أحيانًا لم تتعد أعمارهم ثلاثون عامًا وأغلبهم من خريجى الجامعات، وهناك حوادث تحصد أرواح أسر بالكامل ما بين قتيل وجريح حتى أصبحت هذه العادة متوطنة فى الصعيد بشكل كبير ولم تفلح معها المداهمات الأمنية التى تحاول وبكل الطرق مكافحة حيازة السلاح بدون ترخيص.

تقوم أجهزة الأمن بدورها على أكمل وجه فى محاولة فك الارتباط بين العائلات المتنازعة، لكن ما تقوم به الشرطة لن ولم يوقف هذه العادة السيئة، لأن الأمر لا يحتاج إلى القوة لوحدها لردع هذه الأفكار العقيمة، الأمر يحتاج إلى رجال دين مقتنعين وإلى علماء أجلاء يستطيعون إقناع أفراد الخصومة الثأرية بأن ما يقومون به ليس من الدين فى شىء، وليس من المنطق أو العقل، وأن الدائرة لن تنتهى أبدًا، رغم أن العائلات تفتخر بقيامها بالأخذ بالثأر، مما يجعل الآخرين يسارعون بعمليات القتل، وهناك يجب على الأزهر ورجاله ووزارة الثقافة والتعليم والشباب والرياضة عقد ندوات ومصالحات يحضرها كبار القوم عن خطورة الثأر وحرمته، وما يسببه من خراب البيوت وضياع الأسر، مع وضع شروط مجحفة منها نقل العائلة المعتدية التى لا تريد الصلح خارج القرية إلى مكان آخر، ولتكن محافظة من المحافظات الحدودية، ويجب الضرب بيد من حديد على العائلات المعتدية والتى لها سوابق سابقة فى هذه الحوادث المؤلمة حتى تكون عبرة لغيرها من العائلات حتى تتوقف هذه العادة القاتلة والتى حرمتها كل الأديان وكل الأعراف.

حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا.