القاهرة ترسم خطوطًا حمراء للحفاظ على أمنها المائى

نهى حجازى
خبــراء: 3 سينـــاريوهــات أمــام مصر لمواجهــة أزمة سد النهضة
كشف دبلوماسيون عن أهمية الخطوة التى اتخذتها وزارة الخارجية المصرية بالتقدم بخطاب إلى رئيس مجلس الأمن، على خلفية التطورات الأخيرة فى ملف النيل الأزرق، وتنظيم إثيوبيا فعالية للإعلان عن الانتهاء من تشغيل سدها المخالف للقانون الدولى.
وأكدوا أن هذه الخطوة تمثل تحركاً ضرورياً لوضع حد للتجاوزات الإثيوبية، بعد إصرارها على بناء وتشغيل السد بشكل أحادي، دون التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم مع دولتى المصب، مصر والسودان، وهو ما يعرّض شعوب البلدين لمخاطر جسيمة ويهدد أمنهم المائي.
خرق واضح للقوانين
السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية قال إن التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع من جانب إثيوبيا فيما يتعلق بعمليات البناء والملء والتشغيل لسد النهضة تمثل خرقاً واضحاً لكافة القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية، وخاصة القانون الدولى للمجارى المائية وإعلان المبادئ لعام 2015، وأكد أن مصر بذلت محاولات عديدة لحل هذا النزاع عبر الطرق السلمية والسعى للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم ومنصف وعادل لعمليتى الملء والتشغيل.
وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف»، أن كل هذه الجهود لم تؤدِ إلى أى نتائج إيجابية، فى ظل تعنت الموقف الإثيوبى وضعف المواقف الدولية سواء من الدول أو المنظمات الدولية، بما فى ذلك الأمم المتحدة التى أصدرت بياناً رئاسياً عام 2021 أكدت فيه ضرورة الإسراع بالتوصل إلى اتفاق. وأشار إلى أن بياناً مشتركاً صدر عن الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد؛ للتأكيد على أهمية التوصل إلى اتفاق، لكن لم يتم تحقيق أى تقدم على أرض الواقع.
وأوضح “حليمة” أن استمرار النهج الإثيوبى المتعنت قد يترتب عليه أضرار جسيمة، أبرزها التوزيع غير العادل للمياه، وهو ما يخالف القوانين الدولية، إضافة إلى المخاطر الناجمة عن حالات الجفاف الممتد أو احتمال انهيار السد فى ظل غياب التأكد من مطابقة معامل الأمان للمواصفات والمعايير الدولية، وهو ما قد يؤدى إلى غمر كامل لمدن السودان بما فيها الخرطوم.
كما حذر من خطورة التصرفات المائية غير المنضبطة التى تمثل تهديداً مباشراً لمصر والسودان.
وشدد على أن مصر فى إطار دفاعها عن مصالحها وحقوقها المائية وأمنها القومي، لجأت إلى الأمم المتحدة مؤخراً كما سبق أن لجأت إليها ثلاث مرات، مؤكداً أن نهر النيل الأزرق نهر دولى والسيادة عليه مشتركة وليست أحادية، الأمر الذى يلزم إثيوبيا بعدم الانفراد بإدارة وتشغيل السد لتفادى الأضرار الجسيمة التى تهدد حياة ووجود شعوب دولتى المصب.
ولفت إلى أن مثل هذا الضرر الجسيم يعد نوعاً من أنواع العدوان الذى يجب درؤه قبل وقوعه، مشيراً إلى أن الفرصة ما زالت قائمة لتجنب هذه المخاطر عبر التوصل إلى اتفاق يحفظ الاستقرار ليس فقط لمصر والسودان بل للمنطقة كلها، باعتبار أن الأمن القومى المائى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربي.
وبيّن أن هناك ثلاثة مسارات ممكنة: الأول هو عودة إثيوبيا إلى رشدها والدخول فى مفاوضات بحسن نية وجدية للتوصل إلى اتفاق، خاصة أن مشروع الاتفاق شبه مكتمل ولا يحتاج سوى إلى إرادة سياسية، والثانى يتمثل فى تدخل دول ذات ثقل وتأثير على إثيوبيا للوساطة، على غرار ما طرحه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أما المسار الثالث فهو اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث يمكن إدراج القضية تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، أو حتى الفصل السابع إذا تبين أن استمرار الوضع يمثل تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين، وهو ما يتيح لمصر حق الدفاع الشرعى عن النفس وفقاً للمادة 51 من الميثاق.
واختتم حليمة بالتأكيد على أن بيان مجلس الأمن الصادر عام 2021 شدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم وعادل وفى أسرع وقت، بما يتسق مع القانون الدولى للمجارى المائية وإعلان المبادئ لعام 2015، ما يفرض على إثيوبيا الالتزام الكامل بهذه المرجعيات.

توثيق التعدى على النيل
من جانبه، قال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن لجوء مصر إلى مجلس الأمن الدولى ليس مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل يأتى فى إطار إشهاد المجتمع الدولى على الانتهاك الصارخ الذى تمارسه إثيوبيا بحقوق مصر والسودان التاريخية فى مياه النيل. وأوضح أن الخطوة المصرية تهدف إلى توثيق هذا التعدى على السيادة الوطنية وإبراز خطورته على الاستقرار الإقليمي.
وأكد “حجازى” أن ما قامت به أديس أبابا يعد تعدياً بيئياً جسيماً يهدد أمن واستقرار دولتى المصب، مشيراً إلى أن مصر والسودان تحملا على مدار أكثر من 12 عاماً جولات مطولة من التفاوض أبدتا خلالها مرونة واضحة، إلا أن الجانب الإثيوبى أصر على التعنت والمماطلة دون تقديم أى حلول وسطية تضمن الحقوق المشروعة للجميع.
وأضاف أن الممارسات الأحادية من قبل إثيوبيا لا تعكس فقط غياب روح التعاون، بل تهدد كذلك الأمن المائى لدول حوض النيل وتقوض أى فرص لتنمية مستدامة مشتركة.
وشدد على أن التمسك المصرى بالمسار القانونى والدبلوماسى يهدف إلى الحفاظ على حقوقه التاريخية، ولفت أنظار المجتمع الدولى إلى خطورة استمرار الوضع الحالي.
أضرار السد
من جانبه، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، إن 93% من مساحة مصر صحراء شبه خالية من السكان، بينما يعيش 107 ملايين نسمة على ضفاف النيل. وحذر من تفاقم أزمة الفقر المائى بسبب سد النهضة، موضحاً أن السد يحجز 64 مليار متر مكعب من المياه، وهى كمية تفوق الحصة السنوية لمصر البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
وأضاف “شراقى” أن السد يحتجز كمية مياه تعادل ضعف ما يحتجزه سد الممرات الثلاثة فى الصين، وهو أكبر سد فى العالم لإنتاج الكهرباء. وأكد أن إثيوبيا اتخذت قرارًا أحاديًا ببناء السد فى وقت كانت مصر تمر فيه بظروف سياسية صعبة بعد ثورة 2011، وأوضح أن مصر اضطرت إلى تعديل سياساتها الزراعية بتقليص زراعة الأرز من مليونى فدان إلى مليون فقط لترشيد استهلاك المياه. وشدد على أن جزءًا كبيرًا من إيرادات مصر المائية احتُجز خلال عمليات الملء، وقد تصل الكمية المفقودة إلى 100 مليار متر مكعب.
وأكد أن الإدارة الرشيدة للموارد المائية جنبت مصر الدخول فى أزمة مائية خانقة، مشيدًا بالجهود التى تبذلها الدولة لمواجهة التحديات التى فرضها سد النهضة.