الجمعة 19 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كيف نصنع من الضعف قوة..  ومن اليأس أملاً؟

كيف نصنع من الضعف قوة.. ومن اليأس أملاً؟

كل إنسان يمر بلحظات ضعف وسقوط، قد تكون فى معصية، أو عادة سيئة، أو إدمانٍ ما، أو تقصيرٍ فى حق الله أو فى حق نفسه. وتبدأ المعاناة الحقيقية عندما يحاول المرء أن يقلع عن خطئه فلا يستطيع، أو ينجح للحظة ثم يعود سريعًا إلى ما كان فيه. هنا يشعر بالعجز النفسي، وينهشه ضميره، ويخشى على سمعته أمام من يحبهم وأمام الناس، حتى يدخل فى دوامة من الاكتئاب النفسى قد تدمره إذا لم يستنهض قواه ويستعيد وعيه.



لكن الحقيقة التى يجب أن نضعها نصب أعيننا أن السقوط ليس نهاية الطريق، والفشل ليس النهاية، بل هو جسر للنجاح إذا تعلمنا كيف ننهض بعد كل عثرة. النجاح يتخلله فشل، والصعود يتخلله هبوط، لكن المنتصر هو من يعود، ويكرر المحاولة، ويقاوم، ويستعين بالله الرحيم الذى لا يغلق بابه أبدًا.

قال الله تعالى فى خطاب عظيم يفتح به أبواب الرجاء: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

الإنسان بين ضعف الفطرة وقوة الإرادة

فالإنسان لم يُخلق معصومًا من الخطأ. قال تعالى: 

﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].وقد أكد النبى ﷺ هذه الحقيقة حين قال: «كل بنى آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» [رواه الترمذي].فجوهر القضية ليس فى الوقوع فى الخطأ، بل فى كيفية التعامل معه: هل نستسلم ونتحطم؟ أم ننهض ونتوب ونقاوم ونعود إلى الطريق الصحيح؟

صراع الضمير: بين جلد الذات والرجاء

حين يسقط الإنسان فى معصية أو عادة ضارة، يبدأ داخله صراع بين ضميره الذى يؤنبه ونفسه التى تجذبه للعودة. هذا الصراع قد يتحول إلى طاقة مدمرة إذا ظل حبيس جلد الذات واليأس، وقد يكون بابًا للإصلاح إذا تُرجم إلى توبة صادقة وسعى جاد للتغيير.

الحسن البصرى يقول: “المؤمن قوام على نفسه، يحاسبها لله عز وجل، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا”. فالضمير الحيّ رحمة من الله، لكنه إذا لم يُضبط بالرجاء تحول إلى سوط يحطم النفس. لذا، علينا أن نوازن بين محاسبة النفس وعدم الاستسلام لليأس.

الأمل هو الدواء الحقيقى

الإسلام يرفض اليأس رفضًا قاطعًا، ويعتبره من سمات الكفر. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

وابن القيم رحمه الله يقول: “اليأس يقطع على العبد طريق السير، والرجاء يوصله إلى المقصود”.

أما علم النفس الحديث، فيؤكد أن الأمل يحسن مناعة الجسد ويقوى الإرادة ويعزز التعافى النفسي. فكيف بمن يملكه مع اليقين برب رحيم لا يغلق أبوابه؟

التوبة: هى  محو الماضى وفتح صفحة جديدة

التوبة فى الإسلام ليست مجرد اعتراف بالذنب، بل وعد ربانى بمحو الماضى كله. قال النبى ﷺ:

 “التائب من الذنب كمن لا ذنب له” [رواه ابن ماجه].بل إن أعظم الذنوب يغفرها الله إذا تاب صاحبها، حتى الكفار والمشركون. قال تعالى: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38].فكيف نخشى من رحمة الله وقد وسعت كل شيء؟

قصص الأنبياء: دروس فى الأمل

نعم قصص الأنبياء مليئة بالعِبر عن قوة الرجاء: فنبى الله يونس عليه السلام فى بطن الحوت لم ييأس، بل قال ﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].

فاستجاب الله له ونجّاه.

وسيدنا موسى عليه السلام حين وقف أمام البحر وفرعون خلفه قال بثقة: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّى سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62].والنبى محمد ﷺ صبر على أذى قريش وسخريتهم، حتى نصره الله وأعلى ذكره.

أما الفضيل بن عياض، قاطع الطريق الشهير، انقلب إلى عابد زاهد بمجرد أن سمع: قول الله  تعالى  ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: 16].

وهذه كلها رسائل تقول لأى مبتلى: لا تستسلم، فالفرج مع الصبر، والنور يولد من رحم الظلام.

الفشل طريق النجاح..

التاريخ البشرى مليء بقصص عظماء فشلوا مرات كثيرة قبل أن ينجحوا. مثل توماس إديسون مثلاً الذى أخفق آلاف المرات قبل أن يضيء العالم بالمصباح. والنبى محمد ﷺ نفسه واجه الرفض والسخرية والحصار والهجرة، لكنه لم يستسلم حتى بلغ رسالته..

فالفشل ليس عيبًا، بل هو وقود للنجاح إذا تعلمنا منه.

هاوية الإدمان: من أسر العادة إلى طريق الحرية

من أخطر صور السقوط فى عصرنا الحديث الإدمان بصورة المتعددة التى لا تنتهى مثل: إدمان الدخان. وإدمان المخدرات.وإدمان الميديا والشاشات.وإدمان الشهوات أو العادات السيئة.

كلها أشكال من القيود التى تستنزف العمر وتفقد الإنسان عزيمته، بل تدمر صحته ونفسيته. قال تعالى محذرًا: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. 

والخروج من الإدمان ليس وهمًا. بل يبدأ بالوعى بأن ما يُظن لذة هو سمّ، وما يُظن راحة هو قيد. 

ثم بخطوات عملية: طلب المساعدة مع  تغيير البيئة، واختيار  صحبة صالحة، واستبدال العادة الضارة بأخرى نافعة. وهذه هى القاعدة الذهبية التى وضعها النبى ﷺ  حين قال: “إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يُعطه” [رواه الطبراني].وكذلك التحرر من الإدمان: بالمجاهدة والاعتياد، وبالصبر والتكرار.

خطوات عملية للنهوض

١- التعلق بالله: الإيمان أن هناك ربًا رحيمًا يغفر ويمدّك بالقوة.

٢- الذكر والاستغفار: قال تعالى﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

٣- الصلاة فى وقتها: فهى تنهى عن الفحشاء والمنكر.

٤- الصحبة الصالحة: “المرء على دين خليله”.

٥-. تدرج التغيير: لا تقفز، بل ضع أهدافًا صغيرة قابلة للتحقيق.

٦-البدائل الصحية: رياضة، علم، هوايات نافعة.

٧- الأعمال الصغيرة المستمرة: يقول النبى الكريم “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” [رواه البخاري].

العلاج النفسى الحديث والدين

علم النفس الحديث يوصى بأساليب مثل: التدرج فى التغيير.

وتحديد أهداف صغيرة. والحوار الإيجابى مع الذات. والدعم الاجتماعي. وهذا يتفق تمامًا مع منهج الإسلام فى التربية؛ حيث قال النبى ﷺ: “إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا” [رواه البخاري].

ختامًا،،، 

من الانكسار يولد النهوض فالسقوط ليس عارًا، واليأس ليس قدرًا، بل الحياة رحلة بين عثرات ونهوض، بين ضعف وقوة. والله أرحم بعباده من أمهاتهم بهم، فلا يغلق باب التوبة أبدًا.

فلنرفع شعار: لن نيأس.. لن نستسلم.. سنعود إلى الله وننهض مهما تعثرنا.

اللهم يا من بيده قلوب العباد، ويا من رحمته وسعت كل شيء، اجعلنا من التوابين المتطهرين، ومن الذين إذا أذنبوا استغفروا، وإذا أسرفوا على أنفسهم لم يقنطوا من رحمتك. اللهم ارزقنا قوة على مجاهدة النفس، وعزيمة على ترك المعاصي، وثباتًا على الطاعة. يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، واغفر لنا ما مضى وما هو آت، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.