السبت 1 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قبل إدخال تعديلات جديدة

حوار رفيع المستوى بين السلطات حول «الدستور الثانى»

فى أولى جلسات دور الانعقاد السادس، مطلع أكتوبر المقبل، يترقب مجلس النواب مشهدًا سياسيًا ودستوريًا استثنائيًا، حيث يناقش الاعتراض الرئاسى على تعديلات قانون الإجراءات الجنائية.



الاعتراض جاء استنادًا إلى المادة (123) من الدستور، التى تمنح رئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وهو ما مارسه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إطار حرصه على أن يخرج القانون الجديد فى أبهى صوره، نموذجًا يحتذى فى الدقة التشريعية وصون حقوق الإنسان.

مجلس النواب بدوره أدرج رسالة الرئيس على جدول أعمال جلسته الأولى، مستندًا إلى نص المادة (274/ فقرة 1) من لائحته الداخلية، التى تحدد موعد الدعوة للانعقاد قبل يوم الخميس الأول من أكتوبر.

وبناءً عليه، تقرر أن تكون الجلسة يوم الأربعاء 1 أكتوبر 2025، بحضور الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، لإلقاء بيان يوضح أبعاد الاعتراض والملفات محل المراجعة.

ماذا طلب الرئيس؟

التوجيهات الرئاسية جاءت واضحة، تدعو إلى زيادة بدائل الحبس الاحتياطى للحد من اللجوء إليه، وضمان صياغة نصوص القانون بعبارات لا تحتمل تعدد التفسيرات ولا تثير إشكاليات عند التطبيق، فضلًا عن منح الوزارات والجهات المختصة الوقت الكافى للتعامل مع الآليات المستحدثة، بما يضمن تطبيقًا دقيقًا وسلسًا يحقق العدالة الناجزة فى إطار من الدستور والقانون.

الرئيس حرص فى رسالته على الإشادة بما أنجزه البرلمان فى مشروع القانون، من تنظيمات تُطرح لأول مرة، مثل منع المتهمين من السفر ووضعهم على قوائم ترقب الوصول، والتعويض المادى عن الحبس الاحتياطى فى حالات محددة مع تقليص مدده، إلى جانب التحقيق والمحاكمة عن بُعد باستخدام التكنولوجيا، وحماية الشهود، وتعزيز التعاون القضائى الدولي، فضلًا عن التعديلات الجوهرية على النصوص القائمة.

مجلس النواب استقبل الرسالة الرئاسية بروح تقدير، مؤكدًا أن الاعتراض لم يأتِ إلا بحس وطنى عميق وبصيرة دستورية نافذة، تمثل أرقى صور ممارسة الصلاحيات، وتجسد وعيًا استثنائيًا بقدسية العدالة الجنائية وأهميتها فى صون السلم العام وحماية المجتمع.

 وأوضح النواب أن الاعتراض الرشيد من الرئيس أضاف بُعدًا من الدقة والاكتمال، وأرسى نموذجًا للشراكة الرفيعة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث تتلاقى الإرادات جميعها على صيانة حقوق الشعب وترسيخ هيبة القانون.

وبالفعل، يستعد البرلمان لتشكيل لجنة خاصة برئاسة وكيل المجلس، لمراجعة المواد محل الاعتراض، وفى مقدمتها نصوص الحبس الاحتياطى وبدائله، بما يتماشى مع التوجيهات الرئاسية.

ممارسة ديمقراطية

المستشار محمود فوزى، وزير الشئون النيابية والقانونية للتواصل السياسى، قال: إن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإعادة قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب لمراجعة بعض مواده يمثل ممارسة ديمقراطية راسخة فى الحياة البرلمانية المصرية.

وأوضح الوزير أن هذه هى المرة الرابعة التى يُعاد فيها قانون من الرئيس إلى البرلمان، حيث حدث ذلك مرتين فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومرتين فى عهد الرئيس السيسى: الأولى مع قانون التجارب السريرية، والثانية مع قانون الإجراءات الجنائية.

فوزى أشار إلى أن عملية التشريع فى مصر تشترك فيها أكثر من مؤسسة؛ تبدأ بالحكومة أو النواب كجهة اقتراح، مرورًا بالبرلمان كجهة مناقشة وإقرار، وصولًا إلى الرئيس باعتباره رأس الدولة الذى يملك حق الإصدار أو الاعتراض على القوانين. 

ولفت إلى أن المادة (123) من الدستور تمنح رئيس الجمهورية حق الاعتراض خلال 30 يومًا من تسلمه القانون، بحيث يعيده إلى المجلس محددًا المواد المعترض عليها وأسباب الاعتراض، وفى هذه الحالة، يدعو المجلس إلى جلسة عاجلة لتشكيل لجنة برئاسة وكيل مجلس النواب لفحص هذه المواد.

وأكد وزير المجالس النيابية أن «هذه الممارسة الدستورية تعكس حرص الدولة على الحريات والشفافية، وأن ما يجرى فى مصر من مراجعة القوانين يتماشى مع المعايير الديمقراطية المطبقة فى العديد من دول العالم»، موضحًا أن اعتراض الرئيس السيسى على بعض مواد القانون يشير إلى أن كل مؤسسة فى الدولة تمارس دورها باستقلال.

وتابع المستشار فوزى: الرئيس مارس حقه الدستورى بإعادة مشروع القانون إلى البرلمان، ليس انتقاصًا من جهوده، وإنما من أجل مزيد من الحريات والوضوح، خاصة أن المشروع يتكون من نحو 540 مادة تنظم واحدة من أهم القضايا الدستورية فى مصر، وقد تضمن للمرة الأولى تنظيمات متوازنة فى العديد من المجالات.

إعادة القانون ليست سابقة جديدة، بل حراك ديمقراطى صحى يجب الاعتياد عليه، على حد قول «فوزى»، مضيفًا:  «يقوم كل طرف بدوره الكامل فى عملية التشريع».

واستطرد أن مجلس النواب، بصفته صاحب القرار النهائى، سيدعى للانعقاد قبل الخميس الأول من أكتوبر فى دور لاستكمال مدته، على أن يكون مخصصًا لمناقشة القوانين والقرارات الطارئة والعاجلة وذات الأهمية الخاصة فقط. 

وأشار إلى أن مناقشة اعتراض الرئيس تمر بمرحلتين: الأولى عبر اللجنة العامة لمجلس النواب لدراسة أوجه الاعتراض، وفى حال قبولها يتم تشكيل لجنة خاصة لإعادة دراسة النصوص محل الملاحظات فى ضوء المناقشات والمبادئ التى يقرها المجلس.

وشدد الوزير فوزى على أن إعادة القانون تمنح البرلمان فرصة أكبر لإجراء دراسة متأنية للنصوص بما يحقق التوازن المطلوب بين الحريات العامة ومتطلبات العدالة، مؤكدًا أن الخطوة تعكس إرادة سياسية لإقرار قانون أكثر توافقًا وفاعلية وميلًا أكبر للحريات.

تحقيق العدالة الكاملة

من جانبه، قال النائب حسن عمار، عضو مجلس النواب: إن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى ليس مجرد إجراء روتينى، بل هو تأكيد على إيمان القيادة السياسية الراسخ بضرورة تحقيق العدالة الكاملة، وليس مجرد تطبيق القانون بشكل حرفى.

وأكد أن القرار يكشف عن رغبة حقيقية فى تحقيق العدالة، ويبرهن على أن حقوق الإنسان ليست مجرد شعارات، بل جزء لا يتجزأ من الإطار التشريعى للدولة، مشددًا على أن هذا القرار يوازن بين سلطة الدولة فى إنفاذ القانون وحقوق الأفراد الأساسية، ويعزز مبدأ دولة القانون.

مراعاة حقوق المواطنين

بدوره، أكد الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، أن قرار الرئيس يعكس حرص القيادة السياسية على تحقيق العدالة الناجزة فى إطار من الدستور والقانون، مع مراعاة حقوق المواطنين وحماية حرياتهم الأساسية. 

وأشار إلى أن الخطوة تمثل فرصة حقيقية لتدارك بعض المواد الخلافية وصياغتها بدقة ووضوح أكبر.

ولفت محسب إلى أن الرئيس شدد فى قراره على ضرورة إزالة أى غموض فى الصياغة القانونية قد يؤدى إلى تعدد التفسيرات أو يفتح الباب لمشكلات عملية، مؤكدًا أن الوضوح والدقة فى نصوص القوانين الجنائية أمر جوهرى، لأن أى غموض ينعكس مباشرة على استقرار العدالة ويؤثر على حقوق المواطنين، فضلًا عن احتمالية تضارب الأحكام القضائية.