مصر تخترق جدار الصمت العالمى حول ترسانة إسرائيل النووية

نهى حجازى ومحمد السيد
نجحت الدولة المصرية فى تمرير قرار داخل المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يدعو إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل، دون استثناء أى دولة، وذلك فى خطوة جديدة ضمن سياستها الخارجية، وفى إطار المبادرات المستمرة منذ سنوات لدفع المجتمع الدولى نحو التعامل الجاد مع قضايا التسلح النووى فى المنطقة، خاصة مع استمرار إسرائيل فى رفض الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووى وعدم الكشف عن قدراتها العسكرية فى هذا المجال.
“مصر تبذل جهودًا إقليمية حثيثة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية”.. بتلك الكلمات علّق الدكتور محمد عبدالعظيم الشيمى، الأستاذ فى العلاقات الدولية على هذا الملف الشائك، مؤكدًا أن السياسة الخارجية المصرية تركز على حفظ الأمن والاستقرار فى المنطقة بشكل عام، مشيرًا إلى أن التصاعد فى المواقف المختلفة خلال الفترة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى، جعل إسرائيل تتجه نحو تعطيل هذا البرنامج بدلًا من إيقافه بشكل كامل، من خلال ضربات متبادلة تستهدف تأخير التقدم النووى الإيرانى لفترة أطول، منوهًا إلى أن هذا الاتجاه يأتى فى إطار المساعى الأمريكية لدعم التوجه الإسرائيلى، بهدف فرض التفرد الإسرائيلى فى القوة النووية فى المنطقة لزيادة نفوذها.
الشيمى يؤكد فى تصريحاته لـ “روزاليوسف”، أن مصر تتحرك على مبدأ إخلاء المنطقة بالكامل من الأسلحة النووية، وليس التركيز فقط على إيران أو إسرائيل، بل تشمل أيضًا الدول التى قد تسعى لامتلاك هذا السلاح، لما لذلك من تأثير سلبى على استقرار المنطقة، مشددًا على أن هذا التوجه يمثل جزءًا رئيسيًا من مبادئ السياسة الخارجية المصرية، التى تسعى إلى التهدئة وإخراج المنطقة بأكملها من دائرة خطر الأسلحة ذات الدمار الشامل، خاصة النووية، ناهيك عن أن مصر تضغط على جميع الدول، وليس إيران فقط، من أجل إيقاف برامجها النووية، سواء عبر ضغوط دولية أو نووية، لافتًا إلى أن التنفيذ مرتبط بمراجعات اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، التى وقعتها مصر والدول العربية منذ ستينيات القرن الماضى.
وحول الدول التى لم توقع على الاتفاقية فى المنطقة، يؤكد ضرورة أن تكون هناك مراجعات مشروطة تشمل تلك الدول التى لم توقع على الاتفاقية فى المنطقة، حتى تسمح بذلك بوجود حالة من الاستقرار وعدم السماح بسباق نووى جديد، مشيرًا إلى أن هناك سعيًا سعوديًا لعقد اتفاقات عسكرية مع باكستان، الدولة النووية، بهدف تحقيق حالة من التوازن والردع بين دولة غير نووية ودولة نووية إسلامية، موضحًا أن هذه الخطوات قد تتسع لتشمل دولًا عربية أو إفريقية أخرى تسعى لإبرام اتفاقات مع دول نووية مثل الهند، محذرًا من أن هذه التحركات قد تفتح الباب لسباق تسلح نووى جديد فى الشرق الأوسط، ما يعقد المشهد الأمنى والسياسى ويهدد استقرار المنطقة بشكل عام.
الدكتور محمد محمود مهران، الأستاذ فى القانون الدولى العام، يقول: إن اعتماد المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية للقرار المصرى حول إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل بلا استثناء يمثل تحديًا حقيقيًا للعدو الصهيونى أمام الشرعية الدولية، ويفتح هذا القرار المجال لآليات قانونية فعالة للتنفيذ، منوهًا إلى أن القرار يوفر إطارًا قانونيًا ملزمًا يسمح للوكالة الدولية بإجراء تفتيشات إلزامية على المنشآت النووية الإسرائيلية،ويجبر تل أبيب على الكشف عن ترسانتها النووية، فضلًا عن أن عدم امتثال إسرائيل لهذا القرار يؤدى إلى إحالة الملف لمجلس الأمن الدولى، الذى يمكنه فرض عقوبات اقتصادية وسياسية شاملة على الكيان الصهيونى.
ويشير إلى أن القرار يمنح الدول الأعضاء فى الوكالة الفرصة لاتخاذ خطوات فردية تجاه الكيان المحتل، مثل وقف التعاون فى المجال النووى السلمى وحظر نقل التكنولوجيا والمواد النووية إليها، مؤكدًا أن هذه الخطوات سيكون لها تأثير كبير على البرنامج النووى الإسرائيلى، كذلك فإن اعتماد هذا القرار أيضًا يمثل خطوة كبيرة لكسر الحصانة النووية الإسرائيلية التى استمرت لسنوات طويلة، ولأول مرة نجد العدو الإسرائيلى تحت الرقابة الدولية الفعلية، إذ إن هذا القرار يمهد الطريق لنظام أمنى جديد فى الشرق الأوسط يعتمد على الشفافية النووية والمساواة فى الالتزامات الدولية، ويسهم فى تقويض الاحتكار النووى الإسرائيلى فى المنطقة.
“مهران” يؤكد أن القرار يحمل رسالة واضحة للمجتمع الدولى، مفادها أن أمن المنطقة لا يمكن تحقيقه طالما أن دولة الاحتلال تحتكر السلاح النووى دون أى رقابة دولية، مؤكدًا أن هذا التوجه يعكس تغيرًا مهمًا فى المواقف الدولية تجاه البرنامج النووى الإسرائيلى، إذ إن موافقة 120 دولة تعكس إجماعًا دوليًا يعبر عن قلق متزايد من السلوك العدوانى لإسرائيل، الذى تصاعد بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، ويؤكد أن الدول بدأت تدرك أن إسرائيل تستخدم قوتها النووية كوسيلة ضغط وتهديد ضد دول المنطقة، ما يهدد الاستقرار الإقليمى والدولى.
وبشأن الجرائم المروعة التى ترتكبها إسرائيل فى غزة، يشدد على أنها جعلت المجتمع الدولى يدرك أهمية وجود رقابة على الأسلحة الفتاكة، ما أدى إلى زيادة الوعى حول ضرورة نزع السلاح النووى الإسرائيلى، ناهيك عن أن السرعة فى استجابة الوكالة الدولية للطلب المصرى، تعكس إدراكًا دوليًا بأن القضية أصبحت ملحة ولا تحتمل التأجيل، خاصة مع التصعيد الإسرائيلى المستمر، موضحًا أن سرعة الاستجابة تؤكد وجود توافق بين أعضاء الوكالة على أهمية التعامل مع الملف النووى الإسرائيلى، بل تعكس تقديرًا دوليًا للدور المصرى الرائد فى قضايا نزع السلاح النووى، والتزام مصر التاريخى بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، مشددًا على أن الثقة الدولية فى المبادرات المصرية كان لها دور كبير فى ذلك.
أيضًا، يؤكد طارق البرديسى، الخبير فى العلاقات الدولية، أن القرار المصرى بتقديم تقرير لوكالة الطاقة الذرية سنويًا يشكل ضغطًا مستمرًا على إسرائيل، مشيرًا إلى أن هناك ازدواجية المعايير من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية التى لا ترغب فى الضغط على الإسرائيليين، مضيفًا: مصر تستخدم ورقة دبلوماسية قوية تضع إسرائيل فى موقف محرج، وتسعى لجمع الدعم من دول عربية وآسيا وأمريكا اللاتينية والصين وروسيا للضغط على إسرائيل لفتح الأبواب، وذلك رغمًا عما تواجهه مصر من تحديات مثل الحماية الأمريكية، لكنها تواصل جهودها السياسية والدبلوماسية، ضاغطة على إسرائيل لتلبية مطالب المجتمع الدولى، ما يسهم فى تحقيق أهدافها.
ويتابع: اعتماد هذا القرار يعكس دور مصر كزعيمة عالمية والتزامها بقواعد القانون الدولى، ويجب أن يتماشى سلوك الدول مع المعايير الدولية ولا يمكنها التصرف وكأنها بعيدة عن القوانين العالمية، ناهيك عن أن مصر تستخدم الوسائل القانونية لمواجهة إسرائيل، بهدف خضوعها للرقابة الدولية كأى دولة أخرى، داعية المجتمع الدولى للضغط لتحقيق ذلك.
“البرديسى” يشير إلى أن مصر تسعى لأن تكون إسرائيل دولة مثل باقى دول العالم، وقرار اعتماد ذلك بأغلبية ساحقة يعكس رغبتها فى تطبيق الشرعية للجميع، موضحًا أن هذا الإجماع الدولى يعكس توافق الآراء ويؤكد دور مصر كقيادة تسعى لتحقيق الاستقرار والسلام، مضيفًا: مصر تسعى لاستقرار الإقليم وسلامه، وهذا يتطلب من إسرائيل الامتثال للرقابة الدولية وفتح منشآتها لوكالة الطاقة الذرية والانضمام لمعاهدة حظر الانتشار تحت الضغط الدولى.
واعتبر أن استجابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لطلب مصر تعكس تقديرها للقرار المصرى وتبرز أهمية دور مصر فى تعزيز السلم والأمن الإقليمى والعالمى، مشيرًا إلى أن هذه الاستجابة نتيجة لسياسات مصر الخارجية ورغبتها فى إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل التى تهدد الحياة على كوكبنا، خاصة أن مصر أظهرت قيادة فى استشراف المستقبل، حيث استجابت 120 دولة والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل رائع، وهذا يعكس حرصها على التميز والرؤية المستقبلية، وبرغم تأخر العالم أحيانًا، كانت سرعة الاستجابة هذه المرة ملحوظة، لكن الضغط الدبلوماسى يحتاج إلى الاستمرارية لتعزيز القانون والعدالة والسلم والأمان على المصالح الضيقة.