
د.عزة بدر
قمر وألماظ على المَيّة
لم تزل كتابات المرأة المصرية المبدعة فى تطورها تحتاج للكشف عن مصادر هذا الإبداع، واتجاهاته، ليأخذ مكانته فى تأريخ الأدب العربى المعاصر.
وتعد الأعمال الأدبية التى سجلت بحروف من نور انتصارات أكتوبر 1973 أحد تجليات الإبداع المصرى بصفة عامة، وإبداع المرأة المصرية بصفة خاصة.
ومن أهم الشاعرات اللواتى كتبن الأغنية الوطنية الشاعرة نبيلة قنديل، ومن أهم الأغنيات التى أبدعتها: «أم البطل»، و«رايحين رايحين.. شايلين فى إيدنا سلاح».
وهذه الأغنية كانت من أهم الأغنيات أثناء حرب الاستنزاف، وأذيعت فى نهاية فيلم «العصفور» الذى عُرض عام 1972، وكان الفيلم من إخراج يوسف شاهين، ولحن الأغنية الموسيقار على إسماعيل، ثم صارت هذه الأغنية من الأغنيات المؤثرة مع غيرها من أغنيات النصر فى أكتوبر 1973.
وكان الزوجان نبيلة قنديل وعلى إسماعيل قد حققا تطورًا كبيرًا فى مجال كتابة وتلحين الأغنية المصرية، هى بكلماتها، وهو بألحانه.
وقد عَبَّرت أغنية «رايحين.. رايحين شايلين فى إيدنا سلاح» عن روح الإصرار، والرغبة فى التضحية والفداء حتى تحقق النصر، وقد تميزت كلمات هذه الأغنية بشحنات عاطفية ودلالية مزجت بين التغنى بعشق الوطن، وتدفق المشاعر التى جعلت من كل أفراد المجتمع المصرى جنودًا مقاتلين فى معركة النصر فتقول الشاعرة: «رايحين رايحين/ شايلين فى إيدنا سلاح/ راجعين راجعين/ رافعين رايات النصر/ سالمين سالمين/ حالفين بعهد الله/ نادرين نادرين/ واهبين حايتنا لمصر/ باسمك يا بلدى/ حلفنا يا بلدى/ جيشك وشعبك يرد التحدى/ أرضك وزرعك/ شمسك وقمرك/ شعرك ونغمك/ نيلك وهرمك/ بدمى أفادى وأصد الأعادى/ وأفدى بروحى عيونك يا مصر».
أما أغنية «أم البطل» التى أبدعتها شاعرتنا بروح الأمومة ومشاعر أم البطل التى اعتبرت يوم عُرس ابنها يوم حارب وانتصر.
الغنائية والإيقاع السريع حاملًا خطى الجندى القوية معبرًا عن عشقه للأرض فتقول الشاعرة: «ابنى حبيبى يا نور عينى/ بيضربوا بيك المثل/ كل الحبايب بتهنينى/ طبعًا ما أنا أم البطل/ يامصر/ ولدى الحُر/ اتربى وشبع من خيرك/ اتقوى من عظمة شمسك/ اتعلم على إيد أحرارك/ اتسلح بإيمانه واسمك/ شد الرحال شق الرمال/ هز الجبال عدى المحال/ زرع العلم طرح الأمل/ وبقيت أنا أم البطل».
كما عبرت الشاعرة عن تضامن الدول العربية حتى تحقيق النصر، وهو ما وصفته الشاعرة ببلاغة التكثيف: «وقفة رجال».
للعالم وصلت أخباره/ وشجاعته/ وتحريره لأرضه/ اتلموا أخواته وأعمامه/ من كل بلد عربى جنبه الكل قال باسم النضال/ وقفت رجال صدق اللى قال/ زرعوا العلم طرحوا الأمل/ وبقيت أنا أم البطل».
وقد تغنت شريفة فاضل بهذه الكلمات الرائعة فكانت من أصدق الأغنيات تعبيرًا عن أم الشهيد، ولقد كان ابنها أيضا أحد الجنود المصريين الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن.
ولنبيلة قنديل العديد من الأغنيات الوطنية، التى أفادت فيها من الموروث الشعبى، ويبدو ذلك واضحًا فى أغنيتها «ياطالع الشجرة» فتقول: «يا طالع الشجرة يا شعب يا مجاهد/ المجد بين أياديك/ لك كل يوم نصرة.. والنصر لك شاهد.. ع اللى انبنى بإيديك العزة بتفرش فى طريقنا/ أزهار بساتين حريتنا/ وفرحنا وقطفنا الثمرة.. يا طالع الشجرة».
ثم تنتقل برشاقة الكلمات إلى زارع الشجرة بتصف كيف رواها حتى نمت، وازدهرت فروعها، وظللت الجميع فتقول: «يا زارع الشجرة.. رويتها بكفاحك/ واخضرت فى كل أوان/ احرس لنا الشجرة.. واحميها بسلاحك.. دا الكل بيك فرحان/ خليها تفرع وتمد/ دى شجرتك خيرها ما يتعد/ دى كريمة وأصيلة وحرة.. يازارع الشجرة».
وفى انتقالات شعرية أخرى تخاطب حارس الشجرة لتؤكد على ضرورة حراسة المرء ما زرع، والحفاظ عليه فتقول: «يا حارس الشجرة.. سهران بترويها حب وسلام وأمان/ تسلم إيدين حرة.. ورجال بتحميها.. بعزيمة وبإيمان/ وآدى فروعها ملت الدنيا.. طرحت ع الأمة العربية/ عزة ونور ومبادئ حرة.. ياحارس الشجرة».
لقد حملت شاعرتنا فى وجدانها دائمًا حب الأرض والارتباط بها، وتعد أغنيتها «الأرض لو عطشانة» والتى أذيعت فى فيلم «الأرض» عام 1969 من أكثر أغنياتها شهرة، وقد لحنها الموسيقار على إسماعيل، وتقول كلماتها: «الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا.. عهد وعلينا أمانة هتصبح بالخير مليانة.. يا أرض الجدود يا سبب الوجود.. هنوفى العهود.. بروحنا نجود.. وعمرك ما تباتى عطشانة».
وكما استلهمت الشاعرة الموروث الشعبى فى أغنية «يا طالع الشجرة» تستلهم ما وقر من هذا الموروث من ممارسات وطقوس شعبية مثل قولها «الجنة فى أرضنا.. والحنة فى رملنا» فى أغنيتها «حلاوة شمسنا»، فالحنّة طقس شعبى فى الأفراح وفى المآتم، «ليلة الحنة فى الأفراح» وعجن الحناء على شاهد قبر المتوفى، ووضعها أيضا عند قدميه، ونجد هذا فى الموروث الأسوانى وقد تأثرت الشاعرة بهذا الموروث لأن والدتها من عائلة كبيرة فى أسوان.
وقد تميزت الصور الشعرية فى هذه الأغنية فبدت منطلقة ومبهجة فى قولها - واصفة القمر - «قمر بلدنا اللى مفيش زيه/ ولا فيش جماله فى كل الدنيا/ يفرش بساط فضّة من ضيه/ ويبدو الألماظ على المية».
وقد شاركت شاعرتنا زوجها الموسيقار على إسماعيل حلمه فى تجديد الأغنية المصرية لتكون مكثفة لاتزيد مدتها على ثلاث دقائق بالتوزيع الأوركسترالى، فأصبحت أغنية جديدة من حيث الشكل والمضمون، وتكونت فرقة غنائية مصرية عُرفت بالثلاثى المرح، قدمت العديد من أغنيات نبيلة قنديل، بألحان على إسماعيل.
وقد بدأت هذه الفرقة الغنائية فى خمسينيات القرن العشرين.
ومن هذه الأغنيات: «حلاوة شمسنا» و«يالا عندنا رحلة»، كما قدمت الفرقة لشاعرتنا أغنية «افرحوا يا بنات»، و«أهو جه ياولاد»، وهما من الأغنيات الشهيرة عند قدوم شهر رمضان المبارك.
ومن أجمل الأغنيات التى كتبتها شاعرتنا أغنية «رايحة فين يا عروسة»، والتى تغنت بها شادية، وهى أغنية تصور فرحة النصر، وفيها تتجلى قدرة الشاعرة على رسم المشهد الغنائى تعززه لغة الحوار، حيث نستشعر جلجلة موسيقى المفردات، واختيار كلمات الفرح برهافة: «شربات الورد»، و«دوارق من فضة» فتقول: «رايحة فين يا عروسة يا أم توب أخضر/ راحة أجيب الورد وأجيب سكر/ تعملى إيه يا عروسة بالسكر؟/ أعمل شربات ورد مكرر، وأصبه فى دوارق فضة/ وبإيدى أوزعه على الحتة/ ندر عليكى؟/ أيوه عليه/ تسقيه بإيديكى؟/ آه بإيديه/ طب روحى يا عروسة هاتى السكر».
ثم تقسم بليالى الأفراح أن يتحول النصر إلى انتصارات حيث تعلو الرغبة فى البناء والعمل ليكتمل الفرح: «ونبنى وادى النصر عماير/ ويعلى صوت المكن الداير/ وقوام يا عروسة هاتى السكر/ هعمل شربات ورد مكرر».