بعد اتفاق شرم الشيخ.. انتعاشة متوقعة للاقتصاد المصرى
هيثم يونس
بعد عامين من التوترات الإقليمية التى ألقت بظلالها الثقيلة على المنطقة، أعاد اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الهدوء إلى الشرق الأوسط، مانحًا مصر مساحة جديدة للتحرك الاقتصادى بثقة واستقرار. وبينما ركزت الأنظار على الجهود الدبلوماسية التى قادتها القاهرة لإنهاء الأزمة فى غزة، بدأت التوقعات الاقتصادية تتحرك فى الاتجاه الإيجابى، مع تدفقات استثمارية متوقعة وعودة الثقة الدولية فى الاقتصاد المصرى.
عودة مصر إلى خريطة الفرص الاقتصادية
أكد خبراء الاقتصاد أن مصر أصبحت المستفيد الأكبر إقليميًا من اتفاق شرم الشيخ، ليس فقط لدورها كوسيط محورى، بل لأن الاستقرار الأمنى والسياسى أعاد فتح أبواب كانت مغلقة أمام الاستثمار والسياحة والتجارة الدولية.
مع توقف العمليات العسكرية فى غزة وعودة الحركة التجارية إلى طبيعتها، بدأت مصر تجنى أولى ثمار هذا الهدوء، سواء من خلال تعافى إيرادات قناة السويس، أو تدفق رءوس الأموال الأجنبية، أو تحسن تقييم المؤسسات الدولية لأداء الاقتصاد الوطنى.
قناة السويس محرك رئيسى للتجارة العالمية
من أبرز المؤشرات على التحسن السريع فى النشاط الاقتصادى، الارتفاع الكبير فى عدد السفن العابرة لقناة السويس بعد استقرار الملاحة فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، فقد قفز عدد السفن من نحو 30 سفينة يوميًا خلال ذروة التوترات العسكرية إلى حوالى 80 سفينة يوميًا بعد توقيع الاتفاق، ما انعكس مباشرة على قناة السويس التى استعادت نشاطها تدريجيًا.
أشارت تقديرات خبراء الاقتصاد إلى أن الإيرادات اليومية للقناة ارتفعت بنسبة تفوق 150% خلال الأسبوع الأول بعد الاتفاق، مدفوعة بعودة خطوط الملاحة الآسيوية لاستخدام القناة بدلًا من الطرق البديلة حول رأس الرجاء الصالح، ما وفر مليارات الدولارات لشركات النقل العالمية، وعزز مكانة مصر الاستراتيجية كممر رئيسى للتجارة الدولية.
استثمارات أجنبية وثقة دولية متجددة
فى خطوة وصفت بأنها شهادة ثقة عالمية فى الاقتصاد المصرى، رفعت وكالة ستاندرد آند بورز (S&P) التصنيف الائتمانى لمصر من مستوى «-B» إلى مستوى «B»، مع تثبيت النظرة المستقبلية عند «مستقرة».
وأوضحت الوكالة فى تقريرها أن القرار يعكس التحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى والنمو، وزيادة تدفقات النقد الأجنبى، وتراجع الضغوط التمويلية بعد الإصلاحات التى نفذتها الحكومة المصرية خلال الـ18 شهرًا الماضية. وأضاف التقرير أن هذه الإصلاحات شملت: توسيع قاعدة الإيرادات العامة، تحسين إدارة الدين العام، وتحرير سعر الصرف بما يعكس أوضاع السوق الحقيقية.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة من شأنها تنشيط الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة مع استقرار الأوضاع الأمنية فى سيناء ومحيط قناة السويس، ما يعزز جاذبية مصر للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.
الحجوزات شهدت ارتفاعًا كبيرًا
الرسالة الأهم التى خرجت من اتفاق شرم الشيخ لم تكن سياسية فقط، بل أمنية بامتياز. فقد أدت عودة الوفود الدولية والبعثات الدبلوماسية والسياح إلى المدينة خلال أيام الاتفاق إلى زيادة الثقة فى المقصد السياحى المصرى بعد فترة من التوترات الإقليمية.
أكد خبراء السياحة، أن الحجوزات الفندقية فى شرم الشيخ والغردقة والقاهرة شهدت ارتفاعًا قياسيًا تجاوز 40% خلال أسبوع واحد من توقيع الاتفاق، مع عودة الطلب القوى من الأسواق الأوروبية والخليجية. ويتوقع أن يشهد موسم الشتاء المقبل طفرة غير مسبوقة فى حركة السياحة، مدفوعة بحملات ترويجية دولية تحت شعار: «مصر.. وجهة الأمان والاستثمار».
ويرى الخبراء أن استعادة الاستقرار الإقليمى ستعيد رسم خريطة المقاصد السياحية فى الشرق الأوسط، لتصبح مصر الوجهة الأولى للمسافرين الباحثين عن الاستقرار والخدمات المتكاملة.
الحكومة تواصل برنامج الإصلاح
على الصعيد الداخلى، تواصل الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الوطنى الذى يركز على: تحفيز النمو الصناعى والزراعى، وتوسيع قاعدة الصادرات ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة فى المناطق الريفية فمنذ بداية العام، تم إطلاق أكثر من 200 مشروع إنتاجى جديد ضمن مبادرة «ابدأ»، إلى جانب تسهيلات غير مسبوقة للمستثمرين المحليين والأجانب عبر خريطة استثمارية إلكترونية موحدة، وإجراءات لتبسيط تراخيص الأنشطة الصناعية. كما تعمل الدولة على زيادة الإنتاج المحلى من السلع الاستراتيجية لتقليل فاتورة الاستيراد، وتعزيز الاحتياطى النقدى الذى تجاوز مؤخرًا 45 مليار دولار وفقًا للبنك المركزى المصرى.
مصر مركز إقليمى للطاقة والنقل الدولي
إلى جانب المكاسب المالية المباشرة، يفتح اتفاق شرم الشيخ الباب أمام تعزيز الدور الإقليمى لمصر كمركز للطاقة والنقل الدولى، وبفضل الاستقرار الأمنى والسياسى، حيث تستأنف شركات النفط والغاز العالمية عمليات البحث والإنتاج فى شرق المتوسط، كما تستعد القاهرة لاستضافة قمة الطاقة المستدامة 2026، التى ستجمع كبرى شركات الطاقة العالمية لمناقشة مستقبل الغاز الأخضر والهيدروجين فى المنطقة.
ويؤكد الخبراء أن هذا التحول سيجعل مصر نقطة ارتكاز رئيسية فى منظومة إمدادات الطاقة العالمية، خاصة مع خطط الربط الكهربائى مع السعودية واليونان وإيطاليا.
رؤية مستقبلية للاقتصاد المصرى
ما بعد اتفاق شرم الشيخ ليس مجرد مرحلة «هدوء مؤقت»، بل بداية دورة اقتصادية جديدة لمصر والمنطقة بأكملها. وبينما تتجه الأنظار نحو استدامة الهدوء الأمنى، تتحرك عجلة الاقتصاد المصرى بسرعة نحو التعافى، مدفوعة بعوامل متشابكة، أهمها: استقرار سياسى، ثقة دولية، انتعاش فى التجارة، وتدفقات استثمارية متوقعة.
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى: إن وقف الحرب على غزة سيؤثر إيجابيًا على الاقتصاد المصرى والدول المجاورة، مشيرًا إلى أن الحرب المستمرة لمدة عامين أدت إلى توقف التجارة، وتراجع إيرادات قناة السويس بنحو 7 مليارات دولار خلال عام 2024، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا وارتفاع تكلفة الشحن والنقل، ما تسبب فى زيادة أسعار السلع ومعدلات التضخم، بما فى ذلك أسعار الذهب.
وأضاف: إن وقف الحرب سيسهم فى عودة حركة الملاحة البحرية لقناة السويس إلى معدلاتها الطبيعية، وزيادة الثقة فى ممرات الشحن عبر البحر الأحمر، ما يعزز إيرادات القناة ويخفض تكاليف التأمين على السفن، ويؤثر إيجابيًا على الأسعار العالمية للسلع ويحد من التضخم الإقليمي.
وأشار إلى أن استقرار الوضع الأمنى يعزز الاستثمار فى سيناء ويشجع إقامة مشروعات أجنبية ومحلية، ويسهم فى تقليل الإنفاق على دعم اللاجئين، ما يخفف الضغط على الموازنة العامة، ويعيد النشاط السياحى لمصر إلى ذروته، خاصة فى المناطق الساحلية مثل شرم الشيخ والغردقة.
وأوضح أن إعادة الإعمار فى غزة بعد وقف إطلاق النار ستتيح للشركات المصرية العاملة فى قطاع المقاولات زيادة نشاطها، إضافة إلى تعزيز صادرات مواد البناء، ما ينشط الاقتصاد الوطني. كما أشار إلى ارتفاع سعر السندات المصرية المقومة بالدولار فى الأسواق العالمية نتيجة انخفاض مخاطر الائتمان.
وأكد محمد البهواشى، الخبير الاقتصادى، أن اتفاق شرم الشيخ يمثل نقطة تحول مؤثرة فى مسار الاقتصاد المصرى، مشيرًا إلى أن التهدئة ستنعكس إيجابيًا على قطاع السياحة، خاصة مع اقتراب افتتاح المتحف المصرى الكبير، ما سيجذب سياحًا من مختلف أنحاء العالم.
كما أكد الدكتور حسام هزاع والخبير السياحى محمد كارم أن مصر ما زالت تُصنف من قبل دول العالم كوجهة آمنة، وأن اتفاق شرم الشيخ عزز الثقة الدولية، مع توقع زيادة أعداد السائحين القادمين من أوروبا وأمريكا الشمالية ودول الخليج، ورفع الإيرادات السياحية لتتجاوز 17 مليار دولار خلال عام 2025، محققًا أحد أفضل مواسم السياحة فى التاريخ الحديث.
وأشار إلى أن شرم الشيخ أصبحت منصة دبلوماسية وسياحية عالمية، يمكن استثمارها للترويج لسياحة المؤتمرات والسياحة السياسية، مع توقع استمرار الانتعاش السياحى المستدام خلال الفترة المقبلة.






