الأحد 26 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روزاليوسف» مائة عام من «شباب الصحافة»

قليلون هم من يميزون طريقهم فى الحياة ومهما تلاعبت أمواجها بأرواحهم وأرزاقهم يتشبثون بأحلامهم حتى الرمق الأخير.. وهى خلقت لتكون محاربة لم ترتد درعًا تقيها ضربات القدر بل تلقتها بصدر رحب وابتسامة بشوشة ولم تمسك رمحًا ولاسيفًا للدفاع عن أحلامها وإنما مجرد قلم تخط به على الورق بيد طفل صغير مرتعشة نال قدرًا بسيطًا من التعليم.. ألقت بها أمواج الحياة إلى ميناء الإسكندرية بلا عائلة أو مأوى هى من اختارت الهوية والعقيدة وساحة معركتها مع الحياة، فكانت فارسًا فى زى امرأة أو كما يقول المثل الدارج «امرأة بمائة رجل»..إنها «برنار الشرق» روزاليوسف.  



 

فاطمة اليوسف مواليد بيروت عام 1897، من أب مسلم تركى الأصل هو محيى الدين اليوسف، كان تاجرا اضطر للسفر من بيروت وترك ابنته التى توفيت أمها عقب ولادتها فى رعاية أسرة مسيحية كانت تدللها باسم روز، وعندما انقطعت أخبار الأب تبنت العائلة الطفلة الصغيرة وأخفت عنها حقيقة عائلتها، غير أنها علمت بالحقيقة عندما أكملت عامها العاشر حيث رحبت الأسرة التى عاشت بينها بسفرها مع صديق للأسرة إلى أمريكا. وقتها أبدت روز الصغيرة اندهاشها من سهولة تفريط أسرتها فيها بهذا الشكل، فقررت مربيتها أن تطلعها على حقيقة أصلها وأن تخبرها بأنها مسلمة وليست مسيحية وأن اسمها هو فاطمة وليس روز. فوافقت روز ظاهريًا على السفر مع صديق العائلة. وفى الإسكندرية، التى رست فيها السفينة التى كانا يركبانها، غافلته روز وهبطت فى المدينة المصرية. اكتشفها الفنان عزيز عيد، وهو الذى أخذ بيدها فى دنيا الفن وبدأت العمل ككومبارس حتى سنحت لها الفرصة واختارها عزيز عيد لدور سيدة عجوز رفضته كل ممثلات الفرقة. وقد أدت دورها بعبقرية لاقت استحسانًا كبيرًا من الجمهور. كان انتماؤها لفرقتى عزيز عيد وفرقة عكاشة تمهيدًا جميلًا لكل ما بنته روز اليوسف بعد ذلك. أدت أدورًا كبيرة على المسرح كما أدت أيضًا مقطوعات موسيقية مع محمد عبدالقدوس لتتعرف على المخرج المسرحى اسكنر فرحو الذى علمها التمثيل وضمها إلى أسرته. ثم انتقلت روز اليوسف من الإسكندرية إلى القاهرة وعملت بفرقها المسرحية، فالتحقت بفرقة جورج أبيض عندما كونها عام 1912، وتألقت روز اليوسف أثناء عملها مع يوسف وهبى بعد أن كون فرقه رمسيس عام 1923، وكانت بطلة الفرقة. وبلغت ذروة المجد عندما مثلت دور مارجريت جوتيه فى رواية غادة الكاميليا ونالت لقب (برنار الشرق).  تركت فرقة رمسيس بعد خلاف مع يوسف وهبى فاعتزلت التمثيل واتجهت إلى الصحافة.. ومن هنا كانت البداية الحقيقية لامرأة قررت أن تغرد خارج السرب، فكونها امرأة جميلة وممثلة متوجة بموهبة يشهد لها الجميع أمر لم يرض طموحها لم يشبع نهم امرأة فى أن تترك بصمتها على الحياة ولا تكون كأى عابر سبيل دون أثر يذكر، فكما قالت فى كتاب «ذكريات» «كلنا سنموت، ولكن هناك فرقًا بين شخص يموت وينتهى، وشخص مثلى يموت ولكن يظل حيًا بسيرته وحياته».

 

 

 

 

ذكــريـــات روزا

 

فى إحدى جلساتها مع عدد من الأصدقاء فى محل حلوانى «كساب» موقع سينما ديانا الآن تطرق النقاش عن الفن وقضاياه واحتياج الفنانين إلى صحافة فنية محترمة ونقد فنى قائم على أسس ومعايير تقود إلى نهضة حقيقية للفن والارتقاء به، فلماذا لا يوجد منبر صحفى فنى محترم يقف فى وجه المجلات التى تتغذى على جسد الفنانين، وتعيش كالنباتات الطفيلية عليه، «على حد تعبيرها فى المذكرات، ومن أدرى منها بذلك وهى ممثلة وتتعرض لتعقب ونقد هذا النوع من المجلات» فصمتت لحظة ثم قالت لزملائها: «لماذا لا أصدر مجلة فنية؟»، كانت فكرة مجنونة بالنسبة لأصدقائها إلا أنه بمجرد النظر إلى عينيها ستجد رغبة جادة للتنفيذ لا التفكير وحسب ثم سألت صديقها «إبراهيم خليل» الذى كان يعمل فى جريدة «البلاغ»، وعلى علاقة نسب بصاحبها عبدالقادر حمزة: كم يتكلف إصدار ثلاثة آلاف نسخة من مجلة «ملزمتين على ورق أنيق؟»، فأخرج ورقة وقلم وأجرى حسبة بسيطة، ثم رد عليها قائلًا: «12 جنيهًا، وإذا بيعت كل النسخ سيكون صافى الربح فى العدد الواحد خمسة جنيهات»، وهنا تشجعت روزاليوسف وشعرت أن الأمر ممكن جدًا قائلة فى مذكراتها: «بدا لى الأمر قريبًا ممكنًا، فالمبلغ ليس باهظًا كما كنت أتوهم، والثرى الوحيد فينا هو أحمد حسن الذى كان يملك بضعة قراريط، يبيع منها كل حين قيراطًا ينفق منه بسخاء، ويبدو فى مظهر الوجهاء، فهو يستطيع أن يمول العدد الأول، إن صحت حسبة إبراهيم خليل». فسألت زملاءها بجدية: «ماذا نسمى المجلة؟» وهو السؤال الذى رد عليه الزملاء بالعديد من المقترحات بالأسماء الأدبية والعلمية والفكاهية، وللمرة الثانية فاجأتهم باقتراح غريب وهو: «لماذا لا نسميها روزاليوسف؟»، وكانت جادة فى الاقتراح أيضًا، فهذا الاسم اشتهرت به وعرفه الناس، وهو اسم عزيز عليها جدًا لدرجة أنها تقول فى مذكراتها «ذكريات، أحب أن أضع هذا الاسم على عمل كبير أقدمه إلى هؤلاء الناس الذين تعلقوا بى»، لكن يبدو أن كثيرا من الزملاء لم يؤيدوا هذا إلا أنهم لم يجدوا مفرًا من الموافقة، وانتهت الجلسة وهنا تقول روزا فى مذكراتها: «أغلب الظن أن كل واحد من الزملاء ترك الفكرة عند باب المحل، معتقدًا أنها لا تعدو بعض أحاديث المجالس، أما أنا فقضيت ليلتى ساهرة، منتبهة الأعصاب، تعصف بى المشاعر المتفاوتة وتخطف الآمال فى صدرى كالبروق، ومع الصباح الباكر كنت فى مكتب إبراهيم خليل بجريدة «البلاغ»، املأ استمارة رسمية بطلب رخصة، ثم فى وزارة الداخلية لأقدم الاستمارة بنفسى بين الدهشة البالغة للموظفين، وفى نفس اليوم بدأت أتصل بأول المحررين الذين سيشتركون معى ومنهم الصديق محمد التابعى الذى كان موظفًا فى مجلس النواب، ويكتب النقد الفنى لجريدة الأهرام وعلمت أنه فى الإسكندرية- وكان الوقت صيفًا- فاتصلت به تليفونيًا أدعوه للحضور للاشتراك فى تحرير مجلة «روزاليوسف»، وبالطبع لم يصدق التابعى ما يقال وظن أن روزاليوسف تسخر منه وشك أنها تدبر له «مقلب»، وبدأ يحاورها ويجادلها فى الأمر ومدى جديته حتى وجد نفسه أمام ضرورة النزول إلى القاهرة ليشهد حقيقة الأمر بأم عينه، لكن روزاليوسف كانت أكثر حماسًا من انتظار التابعى وحتى من انتظار صدور ترخيص وزارة الداخلية لإصدار المجلة فبدأت تذيع خبر صدور مجلة روزاليوسف الفنية، وتقول فاطمة اليوسف»: إن هذا الموقف لم يمر بسلام فقد تم استدعاؤها من محمد بك مسعود مدير المطبوعات وسألها عن نشر الخبر، وكيف أذيع نبأ إصدار المجلة قبل صدور تراخيص الداخلية، وهنا ردت عليه قائلة: «إننى غير مسئولة عن تلكؤ الوزارة فى منح التراخيص»، بعدها بأسبوع صدر الترخيص من وزارة الداخلية بإصدار المجلة وكانت البداية.

 

 

 

 

المولود الأول لـ«روزاليوسف»

 

 

اهتمت فاطمة اليوسف بأدق التفاصيل تكلفة المجلة، نوعية الورق، التوزيع وهامش الربح، الترخيص، من يشترك معها فى تحرير المجلة، لكن بقى «المقر»، وهو الأمر الذى اتخذت فيه فاطمة اليوسف قرارًا سريعًا بأن يكون منزلها مقرًا مؤقتًا للمجلة، وكانت تسكن فى شارع جلال بمنزل كان يمتلكه أمير الشعراء أحمد شوقى، وكانت تعيش فى طابق مرتفع ما يعنى أن كل من يشترك فى تحرير المجلة عليه أن يصعد 95 درجة من درجات السلم الطويل قبل أن يصل إلى الإدارة، وهنا تعلق روزاليوسف فى مذكراتها: «بدأنا نعمل لإصدار الأول بكل ما فى أجسادنا وأعصابنا من قوة، حتى انطلق الباعة صباح 26 أكتوبرعام 1925، يصيحون: «روزاليوسف.. روزاليوسف»، وهنا تقول: «بصدور العدد الأول أصبحت المجلة حقيقة واقعة.. أصبحت كائنًا حيًا أحرص عليه، وأقسم على أن يعيش بأى ثمن». مشكلات خارج الحسابات

لكن المشاكل ظهرت سريعًا أمام روزاليوسف وهى المشكلات التى لم تعمل لها حسابًا، ولم تدرك أنها ستلاحقها بعد صدور أول عدد على الفور، وبهذا الحجم، وكانت أولى هذه المشكلات الحسبة التى رسمها «إبراهيم خليل» كانت كالبلاغات الرسمية لا أساس لها من الصحة، والتكاليف تعدت الإثنى عشر جنيهًا بكثير، كما أن المتعهد لا يرد ثمن بيع المجلة إلا بعد أن يتسلم العدد التالى، وهنا تقول روزا: «كنا نحتاج إلى هذا الثمن لكى نصدر العدد الثانى، بعد أن أنفقنا على العدد الأول كل ما نملك وبدا الموقف أول الأمر مشكلة لا تقبل الحل، حتى نبتت فكرة توزيع اشتراكات، وطبعنا الدفاتر بسرعة، وبدأنا التوزيع وكنا نصطدم فى توزيع الاشتراكات بمصاعب كثيرة، فمن الناس من كان يرفض الاشتراك فى مجلة فنية، ومنهم من كان لا يصدق أنها ستوالى الصدور ولن تغلق أبوابها بعد عددين أو ثلاثة، وهنا تذكر روزا فى مذكراتها أنه من بين من عاونها فى توزيع الاشتراكات الدكتور محمد صلاح الدين، والممثل الكبير الأستاذ زكى رستم الذى لم يكن اشتغل بالتمثيل وقتها والآنسة أم كلثوم دفعت اشتراكًا وأخذت بقية الدفتر لتقوم بتوزيعه على أصدقائها، وبعد معاناة توالت الإصدارت وبدأت المجلة فى الانتشار حتى ذاع صيتها وبدأت فى النمو حتى وصلت لما عليه الآن وأصبحت واحدة من أهم المجلات الفنية فى مصر. خرجت أول 10 أعداد من المجلة ما بين مواد تتراوح بين الفن والثقافة والأدب، ولكن لم يلتفت أحد للمجلة. كان الأمر على ما يبدو بحاجة إلى «ثورة»تلفت الأنظار للمجلة، وعبر معادلة أجاد صنعها التابعى، أدخل الصحفى المتمرس المحتوى السياسى للمجلة، وحققت وقتها نجاحًا كبيرًا، لكن الأمر لم يخل من اعتراض المحيطين بصاحبة الفكرة على اسم المجلة، بمن فيهم زوجها آنذاك زكى طليمات، ونصحها بأن تُطلق عليها اسم مجلة (الأدب العالى)، فرفضت، وأصرّت على اسم (روزاليوسف)، لأنها كانت وقتها أشهر ممثلة فى مصر، فلن تحتاج لعمل دعاية لمجلتها، وكانت قد اعتزلت التمثيل قبل تأسيسها المجلة بأشهر قليلة، بعد عملها فى أشهر فرق التمثيل منها فرقة رمسيس وصاحبها الفنان يوسف وهبى، وشركة ترقية التمثيل العربى وصاحبها طلعت حرب.

جريدة روزاليوسف

اختلفت فاطمة اليوسف مع محمد التابعى فاستقل عنها عام 1934، وأخذ معه نجوم مجلة روزاليوسف فى هذا الوقت، منهم على ومصطفى أمين، وجلال الدين الحمامصى، والشاعر سعيد عبده، ورسام الكاريكاتير صاروخان، فاعتقد الناس وقتها أن المجلة قد انتهت، غير أن روزاليوسف لا تيأس أبدًا فقررت إطلاق جريدة يومية إلى جانب المجلة لتُثبت للجميع أن روزاليوسف اسم لا يموت، وصدر أول عدد من الجريدة اليومية فى 25 مارس عام 1935. وطلبت وقتها من الدكتور محمود عزمى أن يترأس تحرير الجريدة، وتشاورت مع (عباس محمود العقاد) ليكتب بها وحدثت بينهما مناقشة شهيرة اعترض فيها العقاد الذى كان يكتب وقتها فى صحيفة «البلاغ» على أن يكتب فى جريدة اسم صاحبتها سيدة، ولكن السيدة العنيدة أقنعته وبعد مشادة مع محمود عزمى أتت بالمناضل السياسى عبدالرحمن بك فهمى ليكون رئيسًا للتحرير، وكان من يكتب فى هذا الوقت لديها نجيب محفوظ الذى كان وقتها شابًا فى عامه الأول بكلية الآداب، وبنت الشاطئ عائشة عبدالرحمن، ووصل توزيع الجريدة فى هذا الوقت إلى 80 ألف نسخة يوميًا، وكانت تحوى صفحة يومية للسينما، وأخرى للإذاعة.

«لو كان يوم السبت رجلًا لقتلته»

كان لروز اليوسف عبارة شهيرة تقول: «لو كان يوم السبت رجلًا لقتلته»، وهو اليوم الذى يُوافق الصدور الأسبوعى للمجلة، وكانت قد اعتادت فى هذا اليوم على تربُص الحكومة بأعداد المجلة بعد وصولها للموزعين لمصادرة الآلاف منها، مما يؤدى لخسارتها الفادحة ما بين تكاليف وطباعة ومُعلنين، وكان هذا ما يدفعها لتأجير تراخيص مجلات بديلة لتضع بها محتويات (روزاليوسف) التى تمت مصادرتها، فصدرت مرة باسم «الصرخة»، ومرة باسم «الرقيب» ومرة باسم «مصر الحرة» ومرة باسم «صدى الحق»، كانت تأبى أن تستسلم لضغوط الحكومة آنذاك التى كانت تعارضها فى انحياز تام لمبادئ المجلة وانتصارها للشعب والوطن. ملاحقة الدولة لاسم «روزاليوسف» ويسجل تاريخ مؤسسة «روزاليوسف»، أنّها فى سنة واحدة خلال عهد رئيس الوزراء المصرى الأسبق، إسماعيل صدقى باشا، أصدرت 4 مجلات، كانت مجلة «الصرخة» أبرزها، والتى صدرت تباعًا من نوفمبر 1930، وحتى العدد 17 فبراير 1931. وكتب الكاتب الكبير رشاد كامل فى مقدمة طبعة توثيقية تحمل عنوان «تراث روزاليوسف- الصرخة: مجلة ضد الاستبداد» جاء فيها: «أصدرت مؤسسة المجلة، أكثر من مطبوعة عقب إغلاق وتعطيل الحكومات المستبدة لمجلة روزاليوسف، وكانت المجلة قد عُطلت وصودرت أكثر من مرة، ففى السنتين الثالثة والرابعة فقط لها صودر 42 عددًا من إجمالى 104 أعداد، غير ما خضعت له من تحقيقات ومحاكمات، وكانت المجلة فى وزارة عبدالخالق ثروت من 25 أبريل 1927، حتى مارس 1928، قد توقفت عن الصدور بسبب مقالات للتابعى ومنها ما كان بعنوان «ملوك وملكات أوروبا تحت جنح الظلام» و«ولى عهد مصر يجرى فى عروقه دم فرنسى» و«مطلقات خديو مصر السابق عباس حلمى الثانى» وتم القبض على التابعى. وبذلك كانت مجلة «الصرخة» هى خط الدفاع الثانى عن مجلة «روزاليوسف» بنقدها السياسى اللاذع. المدرسة الأولى لأباطرة الصحافة المصرية

روزاليوسف كانت المدرسة الأولى لأباطرة الصحافة فى مصر بسبب طبيعتها الشابة والمتمردة، استهوت المجلة النجوم الجدد فى ساحة الصحافة، وكانوا وقتها لا يزالون فى بداياتهم الأولى عندما لمحت فيهم روزاليوسف مُبكرًا لمعة التفوق الصحفى، ومنهم الأخوان على ومصطفى أمين، الذين عيّنتهم روز اليوسف براتب ثمانية جنيهات، ومحمد حسنين هيكل الذى عينته بـ15 جنيهًا شهريًا، وإحسان عبدالقدوس الذى عمل مُحررًا بالمجلة إلى أن صار رئيسًا لتحريرها.

وتمثل قصة اكتشاف موهبة الراحل أحمد بهاء الدين، حكاية بذاتها، إذ كان يُرسل مقالاته للمجلة بواسطة بواب العمارة التى يقع فيها مقر المجلة، ويوجهه لعناية إحسان عبدالقدوس، واحتفى عبدالقدوس بأول مقال له بعنوان «أموال مصر»، رغم عدم معرفته بشخص بهاء الدين، وبعد أكثر من مقال ناجح كان يُسلمه بنفس الطريقة لبواب العمارة، وطلب إحسان عبدالقدوس من البواب أن يُخبره بطلبه أن يصعد للمجلة، وهو حدث مفصلى غيّر بهاء الدين ووثقه فى إحدى مقالاته كاتبًا عن مكتشفه: «أخذنى من يدى وعرفنى على السيدة روز اليوسف، واستمررت فى الكتابة، وعرضوا على أن أشتغل فى روزاليوسف لكنّى رفضت، فقد كنت وقتها أعمل فى مجلس الدولة ومرشح للسفر إلى فرنسا لدراسة الدكتوراه التى سجلت موضوعها فى جامعة السوربون بباريس، عن مرحلة من تاريخ مصر السياسى، لكن جعلتنى السيدة روز اليوسف أترك كل شىء، وأُعطى حياتى كلّها للفكر والصحافة والكتابة، فقد جرفنى التيار إلى مجرى الصحافة بغير رجعة». وكان هذا اللقاء بداية صعوده داخل «روزاليوسف»، إلى أن صار رئيسًا لتحرير مجلة «صباح الخير»، وكان وقتها أصغر رئيس للتحرير، ومنها إلى مضمار الصحافة المصرية والعربية، ويذكر أنّه صاغ شعار مجلة «صباح الخير»الشهير، وهو«للقلوب الشابة والعقول المتحررة».

كاريكاتير روزا

بصمة تركتها روزاليوسف بلمسة ساحرة متفردة فى عالم الكاريكاتير فهى أول من تبنى مبدعيه من الفنانين الذين وجدوا على صفحاتها متنفسًا ومساحة حرية لا نظير لها احتضنت مواهبهم وإبداعهم فكانت المدرسة الأولى للكاريكاتير.. من أعلامها آنذاك الفنان الأرمنى الأصل صاروخان فقد كانت مجلة (المُصور) فى هذا الوقت متفوقة فى الصور الفوتوغرافية، ونافستها «روزاليوسف» بفن الكاريكاتير، وكان الرسم فى هذا الوقت أرخص من الصور الفوتوغرافية، فاستعانت فى البداية برسّام الكاريكاتير خوان سانتيز الذى جاء وقتها إلى مصر هربًا من الحرب الأهلية فى إسبانيا، ورسم أيضًا بالمجلة رسام تركى وهو «على رفقى»، وحاز صاروخان الأرمنى على شهرة واسعة، وكانت من أبرز شخصياته شخصية «المصرى أفندى»، الذى عُد من أشهر شخصيات الكاريكاتير فى الصحافة المصرية، وشارك بالعمل الفنان الهولندى بروفيسكى، وقد جلب ذلك قضايا عدة لاحقت المجلة.