الأحد 9 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حضارة ألهمت العالم

أحدث صيحات الموضة فى مصر القديمة

تتجاوز الموضة حدود الزمن، لكنها تجد جذورها الأولى على أرض الفراعنة. ومن بين المعابد والنقوش والكنوز المذهلة، تبرز قصة مصر القديمة كأول من حوّل الجمال إلى لغة وثقافة، فكل لون وحجر ورمز كان يحمل معنى، وكل قطعة زينة كانت تروى حكاية حضارة آمنت بأن الأناقة جزء من الخلود. مصر القديمة تُلهم مصممى العالم



تُعيد الحضارة المصرية القديمة إحياء حضورها فى عالم الموضة كلما أطلق مصممون عالميون مجموعات جديدة مستوحاة من رموزها الخالدة. تفرض الرموز مثل العنخ (رمز الحياة)، وعين حورس (رمز الحماية)، والجعران (رمز التجدد) حضورها فى المجوهرات الحديثة، لتؤكد أن الإلهام المصرى لا يبهت مع الزمن بل يزداد بريقًا.

تقول الدكتورة هبة حسن عامر، المتخصصة فى التاريخ القديم: إن المصريين لم يتعاملوا مع الحُلى كزينة فقط، بل كرموز تحمل طاقة روحية ورسائل عن الحياة والموت والبعث. فاللازورد الأزرق يعكس السماء والأبدية، بينما يجسّد الفيروز الحماية والخصب.

من مقبرة توت عنخ آمون إلى منصات ديور

 منذ اكتشافها عام 1922،  تُشعل مقبرة الملك توت عنخ آمون، موجة من «الهوس بمصر» اجتاحت العالم. تتجدد هذه الموجة مع كل عرض أزياء يستلهم ألوان الذهب والفيروز والكتابات الهيروغليفية. تقدم دور مثل Cartier وBulgari مجوهرات فريدة تمزج بين الرموز الفرعونية والتصميم العصري، مثل بروش Scarab الذى يجمع بين أثر مصرى قديم وحرفية معاصرة.

ولا تتوقف الحكاية عند المجوهرات؛ بل تمتد إلى الأزياء نفسها. تُقدّم دار كريستيان ديور Dior عرضًا أسطوريًا عند سفح الأهرامات، لتُعيد تعريف العلاقة بين الموضة والحضارة المصرية كرمزٍ للأناقة الخالدة التى لا تموت.

عزة فهمي.. أيقونة تجمع التاريخ بالحداثة

المصممة المصرية عزة فهمى تجسد هذا التلاقى بين الماضى والحاضر، إذ تمزج الرموز الفرعونية والعربية فى تصاميمها لتخلق هوية معاصرة من قلب التاريخ. تُقدّم فى مجموعاتها «العنخ» و«عين حورس» بخطوط عربية وزخارف فريدة، لتُحوّل الإرث المصرى إلى موضة عالمية راقية تتحدث بلغة الفن والروح.

بين الإلهام والاقتباس الثقافى

تُثير الموضة المصرية القديمة سؤالاً مهمًا حول حدود الإلهام والاقتباس. فحين يستخدم مصمم رموز الحضارة الفرعونية دون فهم لمعانيها العميقة، يتحول الإبداع إلى استغلال سطحى، لذلك، يدعو الخبراء إلى احترام الرموز التاريخية ودراسة أصولها قبل إعادة توظيفها، ليبقى الجمال متصلاً بجذوره الأصلية لا منقطعًا عنها.

الكتان يروى قصة الهوية المصرية

يُبدع المصرى القديم فى تحويل الكتان إلى أقمشة ناعمة تناسب مناخ البلاد الحار. يزرع النبات بعناية فى دلتا النيل، ويحوّله بمهارة إلى خيوط رفيعة تُنسج على أنوال دقيقة. يُعد فستان طرخان المكتشف جنوب القاهرة - أقدم فستان مفصل فى التاريخ - دليلًا على براعتهم المبكرة فى التصميم والخياطة.

تطوّر الأزياء عبر العصور

تتغيّر الموضة فى مصر القديمة بتغيّر العصور. فى الدولة القديمة تسود البساطة، فيرتدى الرجال «الشنديت» القصير وتكتفى النساء بفساتين بيضاء ضيقة ترمز للنقاء. ثم تتنوّع الأشكال فى الدولة الوسطى، فتظهر الأقمشة المزخرفة والحمالات والأكمام القصيرة.

أما فى الدولة الحديثة، فتبلغ الأناقة ذروتها بظهور الأقمشة الشفافة المطوية والتطريز الذهبى والألوان الزاهية، حيث يُعبّر اللباس عن الطبقة والمكانة الاجتماعية بوضوح.

أزياء تعكس المعتقد والروح

يرتدى الكهنة أردية بيضاء من أنقى أنواع الكتان فى الطقوس المقدسة، ويرمز اللون الأبيض للطهارة الروحية. تُستخدم جلود النمور فى الطقوس الجنائزية كرمز للحماية، بينما يُظهر غطاء الرأس الكحت البعد الدينى والاجتماعى فى الوقت نفسه، سواء ارتداه الملك أو العامل.

الجمال كهوية حضارية

يُكمل المصريون القدماء أناقتهم بالإكسسوارات ومستحضرات التجميل. تُزيّن القلادات العريضة المعروفة بـالأوشِخ أعناق الملوك، وتلمع الأساور والخواتم والخلاخيل على أيدى النساء والرجال. تُصنع الباروكات من الشعر أو الكتان، وتُستخدم مستحضرات الكحل وأحمر الشفاه من معادن طبيعية، لتصبح الزينة مرآة لروح الجمال فى الحياة والموت.

عندما تلتقى مصر باليونان وروما

تتداخل الموضة المصرية مع الطابع الإغريقى والرومانى فى العصور اللاحقة. تظهر التونيك والأوشحة الملونة، وتدخل صبغات الأرجوان النادرة، لكن المصريين يحتفظون بهويتهم المميزة فى استخدام الكتان والزخارف التقليدية. يخلق هذا المزيج طرازًا فريدًا يجمع بين الأصالة والحداثة فى آن واحد.

أناقة لا يبهت بريقها

تُثبت دراسة الملابس المصرية القديمة أن الأزياء كانت لغة بصرية تعبّر عن الهوية والمكانة والعقيدة. من فستان طرخان إلى تيجان كليوباترا، ومن القلادات الملكية إلى عروض ديور الحديثة، تواصل مصر القديمة تعليم العالم أن الجمال الحقيقى لا يُصنع، بل يُخلّد.