الأربعاء 5 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مشروعات عملاقة خالدة

من الأهرامات إلى الأزهر وقناة السويس والمتحف الكبير

تفتتح مصر بعد غد السبت واحدًا من صروحها الثقافية المتفردة وهو المتحف المصرى الكبير، حيث إن فكرة المتحف كصرح ضخم وعصرى هو امتداد طبيعى لتاريخ مصر العريق فى بناء مشروعات عملاقة تعكس قوة الدولة المصرية وقدرتها على تحقيق إنجازات هندسية ومعمارية مذهلة عبر العصور، وهو ما يؤكده الدكتور أشرف أبو اليزيد رئيس الإدارة المركزية للمتاحف النوعية بوزارة السياحة والآثار فى حديثه إلى «روزاليوسف».



«لقد تركت الدولة المصرية بصفتها أعرق الدول وأطولها استمرارية بصماتها فى مشروعات ضخمة أثّرت فى مسار التاريخ، ففى مصر القديمة تُعدّ الأهرامات، وعلى رأسها الهرم الأكبر، المثال الأكثر وضوحًا على المشروعات القومية العملاقة، فلم تكن الأهرامات مجرد مقابر ملكية، بل كانت تتويجًا لجهد تنظيمى هائل، شارك فيه عشرات الآلاف من العمال المهرة، واستغرق بناؤها عقودًا طويلة، إنها تمثل قمة التخطيط الهندسى والقدرة على حشد الموارد لتحقيق هدف واحد، وربما ليس من قبيل المصادفة أن يكون المتحف المصرى الكبير والأهرامات متجاورين فى منطقة واحدة، ولم لا وهما مشروعان قوميان شاهدان على قوة وعراقة الدولة المصرية عبر التاريح»، قالها أبو اليزيد بفخر.

يضيف  «كما شيدت معبد الكرنك فى الأقصر، هذا المجمع الدينى الهائل الذى يعد أكبر موقع دينى قديم فى العالم، استمر بناؤه لأكثر من ألفى عام، فقد كان كل فرعون يضيف فيه جزءًا جديدًا ليُظهر عظمته ويجعله هذا المقياس الزمنى الطويل والحجم الضخم مثالاً فريدًا على المشروعات التى تتوارثها الأجيال، كما لا يمكننا أن ننسى قناة سنوسرت الثالث التى عرفت باسم سيزوستريس كأول محاولة لربط البحرين الأحمر والأبيض عن طريق النيل، مما يعكس الرؤية المتقدمة التى كان المصريون القدماء يتمتعون بها لتسهيل حركة التجارة واستغلال موارد الدولة الطبيعية وربط مصر بالأقاليم من حولها».

وفى العصر الإسلامى أسس المصريون الجامع الأزهر فى عام 970 م، الذى لم يكن مجرد مسجد، بل أصبح بعد ذلك أقدم جامعة فى العالم،حيث إن مشروعًا بهذا الحجم الروحى والمعمارى والتعليمى لم يهدف فقط لخدمة العبادة، بل كان صرحًا شامخًا للعلم والمعرفة أثّر فى العالم الإسلامى ولا يزال لأكثر من ألف عام، كما بنى صلاح الدين الأيوبى قلعة الجبل على جبل المقطم فى القرن الثانى عشر الميلادى لتكون مركزًا للحكم وحصنًا منيعًا يسيطر على المدينة، إنها ليست مجرد مبنى واحد بل مجمع ضخم من القصور والمساجد والتحصينات التى خدمت كمركز لحكم مصر لأكثر من 700 عام، مما يدل على أهمية المشروع وطول عمره.

وفى العصر الحديث كان حفر قناة السويس أهم ما أنجزته مصر من مشروعات فى القرن التاسع عشر، حيث ربط هذا المشروع الهندسى العملاق البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وغير مسار التجارة العالمية،خاصة أن حفر القناة كان تحديًا هائلاً يتطلب جهودًا بشرية وتكنولوجية ضخمة، وما زلنا نرى أثره الاقتصادى والسياسى قائماً حتى اليوم، كما شيدت مصر السد العالى لترويض نهر النيل فى ستينيات القرن العشرين، كأحد أكبر المشروعات الهندسية فى العالم، مستهدفة التحكم فى فيضان النيل وتوليد الكهرباء وتوفير المياه للزراعة على مدار العام، ولقد أحدث هذا المشروع تحولًا جذريًا فى حياة المصريين واقتصاد الدولة.

أيضاً شيدت مصر صروحًا ثقافية عملاقة أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين تمثلت فى متاحف وطنية تحفظ تراثها وكنوزها، مثل المتحف المصرى ومتحف الفن الإسلامى والمتحف القبطى والمتحف اليونانى الرومانى وغيرها،وأعادت إحياء مكتبة الإسكندرية العريقة لتعيد إشعاعها الحضارى كما كانت قديمًا، تدخل مصر القرن الواحد والعشرين والألفية الجديدة بإهداء العالم متحفين عملاقين، افتتح أولهما المتحف القومى للحضارة المصرية فى عام 2021، واليوم يقف العالم على أطراف أصابعه أمام افتتاح المتحف المصرى الكبير.

سيمثل المتحف نقلة نوعية لمصر، حيث يجمع بين الأبعاد الثقافية والسياحية والاقتصادية، مما يجعله مشروعًا قوميًا مصريًا يضيف كثيرًا للهوية المصرية الحديثة مع غيره من المشروعات الثقافية المصرية الكبرى»، هكذا يختتم رئيس الإدارة المركزية للمتاحف النوعية بوزارة السياحة والآثار حديثه، مؤكداً أن «المتحف المصرى الكبير لن يكون مجرد متحف، بل هو مشروع حضارى وثقافى عملاق، سيكون له تأثير كبير على مصر من عدة جوانب، فمن الناحية الإعلامية يحظى المتحف حتى من قبل افتتاحه بتغطية عالمية غير مسبوقة وستمتد لفترة مقبلة، ما يساعد فى الترويج لمصر كوجهة سياحية فريدة، ومن الناحية السياحية والاقتصادية يتوقع أن يكون المتحف مقصدًا سياحيًا عالميا مثل المتاحف العالمية الكبرى مثل اللوفر والمتحف البريطانى ومتحف المتروبوليتان وغيرها، ما يزيد من أعداد السياح الوافدين إلى مصر بشكل كبير، وسيسهم ذلك فى زيادة إيرادات السياحة وتوفير العديد من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة فى قطاعات السياحة والخدمات والنقل والمقاولات وغيرها.