الثلاثاء 4 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رموز البطولة ونبض الألحان

رموز البطولة ونبض الألحان

ونحن نحتفل بأعياد النصر، وما حققه جنودنا البواسل فى حرب أكتوبر 1973 من بطولات، نحتفل أيضا بالكتابات التى خلدتها، فكانت بحق ديوان الشعر والنصر، ومن القصائد التى استلهمت لحظات العبور الأولى، ومنها ما كتبته الشاعرة روحية القلينى «1915-1980»، ونكشف فى هذه الإطلالة عن هذه القصيدة الطويلة التى صوَّرت لحظات فارقة، وبيانات النصر فتقول فى قصيدة بعنوان «أم البطل»: «أحضن المذياع يا ابنى طول يومى كى يجيب/ بدموع القلب أدعو لك بالنصر القريب/ أسأل المذياع ظمأى من بيان عاجل/ يُعلن الأنباء عن نصر مبين لا يغيب/ وعن الأبطال أبنائى بساحات الوغى/ لايهابون المنايا لا يخافون الخطوب»، ثم تصف عناصر ومكونات الشخصية المصرية وقد اصطفت الجندى المصرى نموذجا، فتصور عطاءه صنو خصب الأرض، وشهد الارتواء بماء النيل فتقول: «قد رواك النيل من صفو المعانى عِزة/ وحبتك الأرض إقداما بواديك الخصيب/ عبر الماء وليدى فى اقتحام جارف/ واعتلى جدران بارليف فحياه الكثيب/ وسعى للنصر فى سيناء مزهو الخُطى/ يصرع الأعداء بالحرب ولا يخشى اللهيب».



وفى هذه القصيدة الكثير من سمات شعر روحية القلينى من صدق العاطفة، والارتباط بقضايا الوطن، فالشاعرة تصف أيضا فى قصيدتها «أم البطل» مشاعر الزوجة التى تنتظر فى صبر وفخر عودة زوجها المقاتل على الجبهة فتقول: «أنت قد أوصيتنى فى الفجر من قبل النوى/ قائلا: صبرا بحق الدم فى الوادى الخصيب/ تاركا لى طفلك الغالى حبيبا من حبيب/ هو فى عينى ضياء وهو فى قلبى وجيب»، وتتطور القصيدة فترصد بطولته فى رحلة زمنية كاملة من ذهابه على الجبهة إلى تحقيق النصر، بل والاستشهاد فى سبيل الوطن فتقسم الشاعرة بروح الشهيد الذى ضرب أروع أمثلة البطولة للشعوب: «قدم الروح لمصر عن رضاء وغدا/ بالشباب الغض بالآمال بالعمر الرطب/ بالذى قد خط بالإيمان فى تاريخنا/ قصة النصر شموخا وجلالا للشعوب».

فلقد أصبح الجندى المصرى رمزا للبطولة والفداء، وقد نُشرت هذه القصيدة فى كتاب عن ملحمة العبور، مع قصائد سبعين شاعرا جمعها عبدالفتاح شلبى شيخ الزّجالين فى كتاب صدر عام 1974.

وقد ازدان الكتاب بقصيدة «أم البطل» لروحية القلينى التى يوافق هذا الشهر الذكرى الخامسة والأربعين لرحيل هذه الشاعرة المبدعة، فقد أصدرت تسعة دواوين شعرية وهى: «الحب والوفاء»، وهمسة الروح»، و«أنغام حالمة»، و«عبير قلب»، و«ابتهالات قلب»، و«لك أنت»، و«عطر الإيمان»، وحنين إلى»، و«رحيق الذكريات»، ومن أعذب القصائد التى كتبتها فى حب الوطن قصيدتها التى تقول فيها: «وطنى لحبك قد وهبت حياتى/ ولمجدك الغالى أكرس ذاتى/ فأنا وأولادى ومالى والمنى/ رهن الإشارة نبذل المهجات/ أنا لا أحب سواك يشغل خاطرى/ لك ما مضى بل حاضره والآتى/ وطنى عشقت هلاله ونجومه/ وعشقت فيه ترقرق النسمات».

وقد أوردها الشاعر إسماعيل بريك فى مدونته، وكذلك ما كتبته عن مدينة «دسوق» موطن ميلادها فى مقالة بعنوان: «مجموعة قصائد شعرية تحمل أفراحى وأتراحى وهموم الحياة اليومية»، وتقول شاعرتنا فى محبة «دسوق» وأهلها: «رفعتم عاليا رأسى وإنى/ على الأيام لن أنسى جميلا/ دسوق لأنها روحى فداء/ سأعمل ما حييت لها طويلا/ ففيها إخوتى وتراب أهلى/ وغير «دسوق» لن أرضى بديلا».

وأطلقت الشاعرة لموهبتها العنان لتصف مشاعرها، وقصائدها الوجدانية ومنها ما وجد طريقه إلى الغناء، فشدت سعاد محمد بقصيدتها «أتحبنى حقا؟» ولحنها أحمد صدقى، وتقول كلماتها: «أتحبنى حقا؟/ وتصدق فى هواك وفى وفاك/ وتود لو أقضى الحياة كما تحب على رُباك/ وتغار لو حدَّثت فى ود وفى همس سواك/ وتقول لى وإلىّ تهفو فى حنين مقلتاك/ لم أهو غيرك/ كل ما أبغيه فى الدنيا رضاك».

وقد اشتهرت شاعرتنا باسم شاعرة الحب والتصوف، ومن أبدع ما كتبت كما أرى: رباعياتها الشعرية فى ديوانها «حنين إلى..» حيث قدمت فى هذا الديوان سونيتات تشبه شعر الهايكو اليابانى، تختزل فيها نهر المعانى إلى مقطوعات غنائية رقراقة، صافية المعنى وتلتقط فيها لحظات تبلورها بالكلمات فتبدو كقطع من بللور، من كل زاوية تضىء، فتقول واصفة انتظار الحبيب: «عليه أغار على الرغم منى/ وأشقى أنا بين حبى وظنى/ وأعلم أنى أطيل التجنى/ ولكن أجن إذا غاب عنى».

وفى مقطوعة أخرى تمزج شاعرتنا بين الأمومة والحب، وكأن الحبيب طفلها، فتقدم لنا صورة خالصة للحب فى أصفى معانيه فتقول: «ليتنى أم وما فى عالمى طفل سواك/ وعلى صدرى تغفو يا حبيبى مقلتاك/ وأغنى يا حبيبى لك أحلام صباك/ وأرى البسمة سكرى حملتها شفتاك».

وتبدع الشاعرة فى وصف مشاعر المرأة فتعبِّر عنها بكل صدق فتقول عن لحظة الوهم، وقد مزجتها بطعم الحقيقة وشهد الخيال فتقول فى رباعية شعرية «انزع الدبلة حتى لا أرى هول الحقيقة/ ثم دعنى فى خيالاتى ولو حتى دقيقة/ أنت لى وحدك على رغم الوثيقة/ على عينيك جواب أننى وحدى الرفيقة».

وكان السفر والارتحال من مصادر إلهامها فقد سافرت إلى العراق، وعملت مديرة لمدرسة فى الموصل الثانوية، كما سافرت إلى تونس كشاعرة مشاركة فى مؤتمر أدبى، وقد ألهمتها لحظات السفر فتقول فى قصيدة بعنوان: «فى المطار»: «سألتك عن موعد الطائرة/ وفى مقلتى دمعة حائرة/ فقلت: سأرحل فى العاشرة/ وأترك رغم الهوى «القاهرة» فأسرعت نحو المطار البعيد/ تظللنى ليلة ماطرة/ وما عاقنى عاصفات الرياح/ ولا غنيمة فى الدُجى هادرة/ ولا لحظة الصمت عند الفراق».

وتبلغ القصيدة ذروتها الفنية، فتجمع بين المتناقضات، وترصد لحظات مهمة فى قصة حب فتقول: «وهِمْتُ وفى القلب نور ونار/ وفَرَّق بيني وبين الوصول/ دقائق خمس قبيل الرحيل/ بقلبى عليه وشوقى إليه/ وقصتنا فى هوانا تطول/ وضعت اليدين على الوجنتين ورحت بكل ضياعى أقول: «سأصحب صبرى وأشرب دمعى فليل الفراق طويل طويل/ إلى أن يعود حبيبى لدربى/ يجدد عهد هوانا الجميل».

لقد أخلصت روحية القلينى للشعر والكتابة، وصار قلمها الصديق الصدوق، التى تُسر إليه بعالمها الداخلى، وهذا شعرها الحلو رحيق زهرة برية فاغمة العطر، وإلى القلم الذى خَطَّ أشعارها تقول الشاعرة تحت عنوان «نجوى قلم»: «أنت الوحيد الذى أزجيك أشجانى فتحفظ السر فى عمق وإيمان/ أنت الصديق الذى أشكو له ألمى/ أذيع سرى من بعد كتمانى/ أثبك الكلمة البيضاء صادقة/ لا زيف فيها ولا الألوان بهتان/ وتنقل الشوق للأوراق فى ثقة/ فتقرأ الناس أفراحى وأحزانى/ تحنو عليه يدى اليمنى فتلثمها/ أما يسارى ففيها نبض ألحانى».