الموت يسكن الفاشر.. والنار تحاصر بارا
أمانى عزام
فى عمق الغرب السودانى، حيث تتشابك الرمال بالدموع وتختنق السماء برائحة الحريق، تتواصل المأساة فى مدينتى الفاشر وبارا بلا توقف، ليصبح المشهد «إنسانى فادح» لم يعد يحتاج إلى توصيف أو استعارة؛ فالموت هناك صار حدثًا يوميًا، والنجاة معجزة، الأمر الذى دفع سياسيين سودانيين إلى إرسال صرخة مدوية إلى ضمائر العالم، والمجتمع الدولى والمنظمات الحقوقية، طالبوا خلالها بالتحرك الفورى وعدم الاكتفاء ببيانات الاستنكار، واتخاذ إجراءات حقيقية لحماية المدنيين ووقف آلة القتل.
وتضمن نص الرسالة التى وجهها سياسيون عبر جريدة «روزاليوسف»: «إن السكوت أو التأخير فى اتخاذ قرارات واضحة يُعد شريكًا فى الجريمة، إذ نطالب بتحقيق دولى مستقل وموضوعى فى الانتهاكات الموثقة ضد المدنيين، وفرض عقوبات رادعة على كل من يدعم أو يمول قوات الدعم السريع، والالتزام الكامل بسيادة واستقلال السودان، ورفض أى تدخلات خارجية تهدف إلى تفكيكه أو تقسيمه».
تلك الأزمة، لم تكن وليدة اليوم، بل مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام، حيث تعيش الفاشر حصارًا خانقًا فرضته قوات الدعم السريع، حرم سكانها من الغذاء والدواء والماء والكهرباء، ومع ذلك، فقد صمدت المدينة صمودًا أسطوريًا سطره التاريخ الحديث بأحرفٍ من نور، بعدما واجه رجالها ونساؤها أكثر من 265 هجومًا، كما يروى فتحى حسن عثمان، الكاتب الصحفى وعضو البرلمان السودانى السابق.
قرارات أممية.. بلا حياة
ويقول «عثمان» فى تصريحاته لـ«روزاليوسف»: إن الأمم المتحدة أصدرت قرارين 2736 و2750 يطالبان بفك الحصار والسماح بدخول قوافل الإغاثة لإنقاذ مئات الآلاف من المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، لكن قوات الدعم السريع تجاهلت تلك القرارات، فيما ظل المجتمع الدولى حسب تعبيره ـ «يتفرج على مأساة إنسانية تتفاقم يومًا تلو الآخر»، منوهًا إلى أنه حين اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة، تحول المشهد إلى مجزرة مروعة فى يومين فقط، حيث قُتل أكثر من 2000 شخص، فيما فرّ آخرون لينجون بأعجوبة ويبدأون رحلة نزوح جديدة، يلاحقهم فيها الجوع والمرض والخوف.
ويوجّه «عثمان» نداءً عاجلًا إلى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن والرباعية الدولية، طالب فيه بممارسة أقصى درجات الضغط على قيادة قوات الدعم السريع للسماح لفرق الصليب الأحمر الدولى بدخول المدينة ودفن آلاف الجثث المنتشرة فى الشوارع، وتقديم الإغاثة العاجلة للمدنيين، مؤكدًا أن هذا هو المخرج الإنسانى العاجل والمطلوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح فى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية التى يشهدها السودان فى تاريخه الحديث.
إبادة ومعاناة تفوق الوصف
أما الدكتور أحمد صباح الخير، الأكاديمى والمحلل السياسى السوداني، فيصف المشهد بكلمات موجعة: «ما جرى فى الفاشر وبارا من قتل على الهوية، وإعدامات ميدانية، وقتل للمرضى داخل المستشفيات، وإبادة للفارين من الحرب، يرقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية»، مشيرًا إلى أن إن مشاهد الجثث فى الشوارع، وأصوات الاستغاثة المنقطعة عبر الهاتف، وصرخات الأطفال، تختصر فصولًا من جحيم لا يُحتمل، ارتكبته قوات الدعم السريع بصورة انتقامية ممنهجة. ويؤكد «صباح الخير» أن أهل الفاشر ظلوا محاصرين نحو سنتين يأكلون أوراق الشجر وطعام الحيوانات ليبقوا على قيد الحياة، حتى داهمتهم قوات الدعم السريع لتجهز عليهم فى مشهد يختزل القسوة بأبشع صورها، محذرًا من أن استمرار هذه الجرائم دون رد دولى حازم سيجعل من دارفور ساحة مفتوحة للفوضى والاقتتال، وقد تمتد النيران إلى ولايات السودان الأخرى.
مأساة من الفاشر إلى بارا
الدكتورة شذى عثمان عمر الشريف، مديرة مركز الشريف للدراسات والإعلام والتدريب، تشدد فى تصريحاتها لـ«روزاليوسف»، على أن ما يجرى فى الفاشر وبارا ليس مجرد صراع مسلح، بل جرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، قائلة: «نحن أمام عمليات قتل وتشريد واغتصاب وحرق قرى واستهداف متعمد للمرافق الصحية».






