د.حسام عطا
صفحات منسية من الثقافة المصرية
أهدانى الكاتب المسرحى سليم كتشنر كتابه الجديد المعنون بصفحات منسية فى الثقافة المصرية.
وهو كتاب يتحدث عن مصر القديمة أصل الحضارة الإنسانية، وعن نظام التعليم المصرى والذى كان نظاماً يتوخى السرية ولم يفتح أبوابه للإغريق القدماء لتلقى العلوم إلا بعد قرابة خمسة آلاف سنة على دخول الإغريق مصر، فأسرار الحضارة المصرية كانت عهداً مرتبطاً بالتعبد والحفاظ على السرية.
ولعل تلك الصفة هى ما حفظت للحضارة المصرية خصوصيتها وتفردها وسحر الغموض الذى يصاحبها فى كل ظهور لها عبر الأزمنة والأماكن.
وسليم كتشنر فنان مصرى ويحمل إخلاصاً للتراث القبطى المسيحى المصرى، وهو فى كتابه يحدثنا عن الصلات الوثيقة بين مصر القديمة والأديان السماوية عبر رصد للطقس والشعيرة.
وهو فى هذا يعدد عدداً من الأصول المصرية القديمة لعدد من الأعياد القبطية المسيحية مثل عيد «ليلة النقطة» وأصله عيد ليلة دموع إيزيس، وهو العيد الذى يرقب فيضان النيل السنوى.
وبينما يقدم الكتاب قراءة عميقة لظلال الإبداع الجماعى المصرى منذ مصر القديمة إلى الآن، فهو يضىء كثيراً من عادات أهل مصر المعاصرة ويردها إلى أصلها المصرى القديم.
ويخصص الكتاب إشارات للجماعة المسيحية الأولى من أقباط مصر فى العام الستين تقريباً من ميلاد السيد المسيح، وكيف اتخذوا لأنفسهم ألحاناً مصرية قديمة موروثة وضعوا عليها النصوص المسيحية وأن أسلوب الغناء وترديد الكورس المعاصر فى الموسيقى الكنسية هو أسلوب مصرى قديم، ولذلك تبقى الموسيقى الكنسية القديمة هى مفتاح فهم الموسيقى المصرية القديمة، وهو حقًا أمر يستحق الإشادة وكمسلم قبطى أتأمل مع الكتاب مجدداً معجزة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية فى الحفاظ على الألحان القبطية التى تسلمتها من الآباء الأولين، إذ يقف العالم مندهشاً عن سر الحفاظ على تلك النغمات قبل التدوين للموسيقى وهذا التراث المصرى القديم يظل حياً بخصوصية مصرية لمستها بتجربتى الشخصية فى أديرة الجنوب المصرية.
وهو زخم موسيقى مدهش متصل بالتأكيد بالغناء الشعبى الإسلامى، بل هى ذات صلة أيضاً بالمتداول حتى الآن فى فرق الموسيقى العربية.
ويعرج الكتاب على أصل تسمية المدن المصرية الباقى للآن ويردها لأصلها المصرى القديم فى تجوال كاتب مبدع يلجأ لأدوات البحث العلمى السلس وفى لغة عربية بسيطة ويمكن أن تصل بوضوح للجمهور العام.
ثم يذهب لاهتمام خاص بالأدب القبطى المسيحى، ويعيد تعريفه عبر اللغة المصرية القديمة ليرصد تحولا لها من الهيروغليفية إلى الديموطيقية إلى القبطية، ويشير إلى أسبقية اللغة القبطية على الديانة المسيحية.
ويتتبع الكاتب تغير اللسان المصرى إلى العربية مع مرسوم عبد الله بن عبد الملك فى عام 706م بإحلال العربية محل القبطية فى المكاتبات الرسمية.
وينتصر الكاتب لصفحات المسيحية الأرثوذكسية التاريخية فى مصر ويرصد تفاعلها السهل المشترك مع الإسلام وثقافة الإسكندرية القديمة ذات الطابع المتعدد، وتجلى ذلك فى الثقافة الشعبية المصرية، وفى الكتاب تعبير عن خبرة خاصة لكاتبه يرصد ويجدد صفحات يراها منسية فى الثقافة المصرية.
وإذ يتزامن صدور الكتاب عن الهيئة العامة لقصور الثقافة مع احتفالات مصر بالمتحف المصرى الكبير قرأت الكتاب الذى أدعو للاستمتاع به لأنه وبحق يربط ربطاً إبداعياً بين الحضارة المصرية القديمة والمصريين المعاصرين، الذين استطاعوا وبحق جعل العالم كله يرنو إلى مصر ومتحفها الكبير، وحضارتها التى أهدت للإنسانية العلوم والفنون والعدالة.






