السبت 15 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فوح الطِيب وفلسفة الحب

فوح الطِيب وفلسفة الحب

من الترجمات الأدبية المجهولة فى الأدب العربى ما ترجمته الشاعرة الراحلة نعمت عامر «1922-2006»، شاعرة السويس التى أخلصت للشعر فكتبت أشعارًا وطنية ودينية وعاطفية، وترجمت شعرًا عن أهم شعراء الغرب والشرق، فترجمت عن طاغور وشيلى وهيجو، وغيرهم، وقد أورد أستاذها على محمود بسيونى قصيدة ترجمتها الشاعرة من روائع «شيلى»، والقصيدة عن فلسفة الحب، يقول فيها شيلى كما ترجمته: «قد سرى الجدول الرقيق إلى/ النهر مشوقًا فى فرحة وابتهاج/ وجرى النهر فى انتشاء لبحر/ يتغنى بلجه الرجراج/ فعدا البحر واثبا لمحيط/ فإذا كل قطرة فى امتزاج/ والنسيمات فى انسجام رقيق/ تتناجى فى ألفة وانجذاب/ ليس فى العالم الفسيح انفصال/ بل وصال موطد الأسباب/ فلماذا لا تُمزجين بنفسى/ ليس يُجدى تفرق الأحباب/ انظرى الطود يلثم الأمل حُبا/ مثلما تلثم الزهور الزهورا/ وارقبى الموج بحضن الموج شوقا/ وسنا الشمس يملأ الأرض نورا/ لا ترى وردة تخاصم أخرى/ بل عناق يتيح لثما كثيرا/ قبلات بكثرة أو بقلة/ ضائعات، إذا ضنيت بقبلة»!



وقد ترجمتها الشاعرة بموسيقى وقواف تدفئ أعطاف القصيدة كى تصل إلى قارئها وهى مكتوبة بيد دافئة، ورغم أن الترجمة عادة لا تفى بحق النص الأصلى فى الجمال والموسيقى فإن ترجمة الشاعرة عَبَّرت عن عالم القصيدة، والتى نشرها أستاذها على محمود البسيونى فى مجلة «الأديب» بتاريخ 1 فبراير 1978، فى مقالة بعنوان «نعمت عامر شاعرة الوجدان»، ولكن ظلت بقية ترجمات الشاعرة مجهولة لأنها لم تضمها معا فى كتاب، وهو ما يعزز دور المجلات الأدبية فى حفظ تراث الأدب من إبداع وترجمات، لم تجد طريقها إلى كتب منشورة.

ولنعمت عامر أكثر من ديوان شعرى ومن دواوينها: «أمواج»، و«زهور النصر».

وقدم الشاعر صالح جودت ديوانها الأول «أمواج»، بأبيات شعرية قال فيها: «لا نغم مثل همس الملائك/ أو وشوشاته/ لها صور من دروب الجمال/ ملونة حيّة ناضرة/ وعاصفة تتحدى العواصف/ من مهجة بالهوى عامرة/ أناشيد تُضفى عليها الأنوثة/ ألوانها العذبة الفاخرة».

وقد عاصرت نعمت عامر كبار كتاب عصرها فأهداها أحمد حسن الزيات بعض أعداد مجلة «الرسالة»، ونشر لها بعض القصائد فمدحته فى قصيدة تقول فيها: «يا بلبل الأيك هل يشجيك تغريدى؟/ إذا شدوت وهل يُسبيك ترديدى؟/ لا لا لعمرك إنى لست شاعرة/ مجيدة إنما أصبو لتجويد/ شعرى شعورى ولكن لا يُطاوعنى/ أم لا يُسلم بالإبداع للغيد/ كم ذا تراوغ عند السبك قافية/ نفارها كنفار الظبىّ فى البيد».

وفى القصيدة نفسها تصف الشاعرة أمنياتها بامتلاك ناصية نفح الطيب وهو الشعر كما تراه وتحسه فتقول: «وكم معانٍ كأطياف الربيع نأت/ وأسلست بعد تصويب وتصعيد/ تالله آثاره الغراء ما برحت/ أحرى الكنوز بتمجيد وتخليد/ من لى بنثر كنفح الطِيب ترسله/ يدُ البراءة فى حذق وتنضيد»، وقد أورد على محمود بسيونى هذه القصيدة فى مقالته بمجلة «الأديب».

وقد حرصت الشاعرة على كتابة الأشعار الوطنية، ومما كتبته عن حرب أكتوبر 1973 قصيدة بعنوان: «التهانى للجيوش»، وتقول فيها: «هذه التهانى للجيوش الظافرة/ مسحت هموم الشعب جاءت قادرة/ سينا التى دارت معاركنا بها/ أعداؤنا هُزموا بنار قاهرة».

وقد وجدت هذه القصيدة فى كتاب «ملحمة العبور» لعبدالفتاح شلبى، وقد اهتمت شاعرتنا بالكتابة عن المرأة فى مراحل حياتها المختلفة بنتا، وزوجة، وأمَّا، فكتبت عن حواء المُجاهدة منذ أسماء بنت أبى بكر الصديق «ذات النطاقين»، كما كتبت عن الشخصيات النسائية المؤثرة فى وجدانها فكتبت عن كوكب الشرق أم كلثوم.

كما اهتمت بدراسة أشعار المرأة وخاصة فى مجال الرثاء، فكتبت دراسة بعنوان: «الرثاء فى شعر المرأة»، ومن قصائد الشاعرة نفسها فى رثاء زوجها قصيدة تقول فيها: «شريك العمر يا أمل الحياة/ إليك ومنك موهبتى وذاتى/ فإن جُزت المدى فى الشاعرات/ فأنت العمر فى ماضٍ وآت/ وأنت نجىُّ إلهامى وحسى بناتى أو بنات الشعر عندى لهن على ميثاقى وعهدى»..

كما كتبت الشاعرة أشعارًا دينية عَبَّرت فيها عن إحساسها الدينى العميق، ومن أبياتها فى هذا المجال قولها: «لكم ذُبتُ شوقًا بحب الإله/ بحب عميق بدا من ضياء/ عرفت الطريق فمالى سواه/ وكُلى ابتهال لألقى رضاه».

ونعمت عامر شاعرة السويس التى كتبت الشعر، وترجمت لكبار شعراء الغرب والشرق، وكتبت الدراسات النقدية ظلت دائما على ولعها بعالم الفكر والأدب، وعاشت لتكتب، وقد صوَّرت فى قصيدتها «عرفت الله»، أشواقها للمعرفة ولمتع الفكر والفن فقالت: «أخشى مفارقة الدينا وما غنمتْ/ روحى بأفق النُهى فنا وإحسانا/ أخشى مفارقة الدنيا ولم أرها/ تُزجى الفؤاد متاع الفكر ألوانا»......

من الأهمية بمكان جمع وتوثيق أعمال وترجمات شواعرنا لتتخذ مكانها، ومكانتها فى تيار الأدب العام، وفى تاريخ الأدب، ليكون لنا من هذا التراث ذُخرا وسجلا حافلا بالفكر والإبداع.