من رأس الحكمة إلى علم الروم.. 65 مليار دولار ترسم ملامح عاصمة المتوسط
الساحل الشمالى قبلة الاستثمار الأجنبى الجديد
هيثم يونس
يشهد الساحل الشمالى واحدة من أكبر الطفرات التنموية والاستثمارية فى تاريخ المنطقة، حيث تتحول تلك الشواطئ الممتدة على البحر المتوسط من مجرد مقصد صيفى للنخبة إلى منطقة جذب استثمارى وسياحى عالمى ترسم خريطة جديدة للاقتصاد المصرى خلال العقد المقبل.
من رأس الحكمة إلى علم الروم والعلمين الجديدة، يتشكل مشروع قومى عملاق تتجاوز استثماراته 65 مليار دولار، تقوده الدولة المصرية بالشراكة مع كبرى الشركات العالمية، فى إطار خطة طموحة لتوطين 40 مليون مواطن على امتداد الساحل حتى عام 2050.
تراجع الدولار
فيما أسهم تدفق الاستثمارات الأجنبية الضخمة بمشروعات الساحل الشمالى، خاصة رأس الحكمة والعلمين الجديدة، فى زيادة المعروض من العملة الصعبة داخل السوق المصرية.
أدى ذلك إلى تراجع سعر الدولار من 50 إلى نحو 47 جنيهًا خلال الأسابيع الأخيرة، مما انعكس على تحسن الثقة فى الاقتصاد المصرى وتزايد التوقعات بمزيد من الاستقرار النقدى مع استمرار تدفق رءوس الأموال الأجنبية.

الاحتياطى الأجنبى
وأظهرت بيانات البنك المركزى ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبى بنحو 538 مليون دولار خلال أكتوبر ٢٠٢٥ ليصل إلى مستوى قياسى بلغ 50.1 مليار دولار.
وجاء هذا الارتفاع استمرارًا للزخم الإيجابى الذى بدأ منذ صفقة رأس الحكمة فى فبراير 2024، حيث عزز الاحتياطى بنحو 14.5 مليار دولار خلال آخر 21 شهرًا، مما وفر غطاءً نقديًا قويًا ودعمًا مباشرًا لاستقرار سعر الصرف.
مركز عالمى للاستثمار
لسنوات طويلة، ظل الساحل الشمالى حبيس موسمه الصيفى القصير، لا يتجاوز نشاطه بضعة أشهر سنويًا، لكن رؤية الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة أعادت تعريف المنطقة بالكامل.
وبفضل ذلك تحولت المدن الجديدة مثل العلمين الجديدة ورأس الحكمة إلى مشروعات متكاملة، تجمع بين السياحة والاستثمار والسكن الدائم والخدمات الإدارية والطبية والتعليمية، بما يجعل الساحل الشمالى وجهة مستدامة للحياة والعمل والاستثمار على مدار العام.
رأس الحكمة
يرى خبراء الاقتصاد أن منطقة رأس الحكمة تتربع على قمة المشاريع العملاقة التى ستغير وجه الساحل الشمالى خلال السنوات المقبلة بقيمة 35 مليار دولار.
ويُنتظر أن تتحول رأس الحكمة إلى مدينة عالمية على الطراز المتوسطى، تضم مناطق مالية وسكنية وسياحية وموانئ ذكية ومنشآت تعليمية وصحية متقدمة، بما يضعها فى مصاف المدن الذكية الحديثة مثل نيوم السعودية ودبى مارينا وبرشلونة الساحلية.
كما تستهدف المدينة جذب استثمارات مباشرة من شركات عقارية وسياحية كبرى، ما يجعلها قوة اقتصادية جديدة على شاطئ المتوسط. وحجم الاستثمارات التى ستجذبها خلال فترة تنفيذ المشروع نحو ١٨٠ مليار دولار.
وتشير التقديرات إلى أن المشروع سيوفر مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويضيف عشرات المليارات من الدولارات إلى الناتج المحلى خلال مراحل التنفيذ والتشغيل.
العلمين الجديدة
منذ انطلاقها قبل سنوات، أصبحت العلمين الجديدة رمزًا لتجربة مصر فى بناء مدن الجيل الرابع.
فالمدينة التى كانت فى بدايتها حلماً عمرانياً أصبحت اليوم مدينة مكتملة الحياة تضم أبراجًا سكنية وسياحية ومناطق استثمارية، ومراكز مؤتمرات وجامعات دولية، فضلاً عن شبكة متطورة من الطرق والخدمات الذكية.
وتعد العلمين الجديدة المحرك الرئيسى لفتح الساحل الشمالى أمام الاستثمارات الأجنبية، حيث ساهمت بنيتها التحتية الحديثة، من محاور وطرق ومطارات، فى جعل المنطقة متصلة بباقى أنحاء الجمهورية، بما يمهد لمرحلة جديدة من التكامل الاقتصادى بين الدلتا والبحر المتوسط.
كما أصبحت المدينة مركزًا رئيسيًا لاستضافة الفعاليات الدولية، ما يمنحها مكانة خاصة فى الترويج لمصر كوجهة سياحية واستثمارية عالمية.
علم الروم
شهدت مصر توقيع اتفاقية شراكة استثمارية كبرى بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وشركة الديار القطرية لتطوير وتنمية منطقة علم الروم بمرسى مطروح على مساحة 4900 فدان، باستثمارات تصل إلى 29.7 مليار دولار.
تشمل الصفقة ثمنًا نقديًا قدره 3.5 مليار دولار ومقابلًا عينيًا بوحدات سكنية تُقدر قيمتها بـ 1.8 مليار دولار، إضافة إلى حصة 15% من أرباح المشروع لصالح الحكومة المصرية. يهدف المشروع إلى إنشاء مدينة عمرانية وسياحية عالمية تضم منتجعات فندقية تتجاوز 4500 غرفة، وبحيرات صناعية، ومراسى بحرية، وخدمات متكاملة، ويوفر أكثر من 250 ألف فرصة عمل، ليصبح أحد أكبر مشاريع تنمية الساحل الشمالى.
البنية التحتية
لا يمكن الحديث عن طفرة الساحل الشمالى دون الإشارة إلى ثورة البنية التحتية التى نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة.
فقد تم إنشاء شبكة طرق ومحاور استراتيجية تربط الساحل بالدلتا والقاهرة الكبرى، مثل طريق «العلمين – وادى النطرون»، ومحور «الضبعة – القاهرة»، إلى جانب تطوير شبكات المياه والكهرباء والصرف والاتصالات الذكية.
كما يجرى تنفيذ خطوط سكة حديد جديدة لربط المدن الساحلية بشبكة القطارات الكهربائية السريعة، ما يجعل التنقل من القاهرة إلى العلمين أو رأس الحكمة لا يتجاوز ساعتين فقط، وهى نقلة نوعية فى مفهوم الربط بين المدن والمراكز السياحية.
وتُعد هذه البنية التحتية الشرط الحاسم لجذب الاستثمار الأجنبى، إذ توفر البيئة اللوجستية المناسبة للمستثمرين وتخفض تكلفة التشغيل والنقل، مما يعزز من تنافسية المنطقة على مستوى الشرق الأوسط.
مساهمة الاقتصاد السياحى
تستهدف الحكومة المصرية رفع مساهمة الساحل الشمالى فى الناتج المحلى السياحى من 25% حاليًا إلى 35% خلال السنوات المقبلة، بفضل الطفرة فى المشروعات الفندقية والمنتجعات السياحية والموانئ الترفيهية.
ويأتى ذلك فى إطار الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2030 التى تركز على تنويع المقاصد وتوزيع الحركة السياحية على مدار العام.
ومع اكتمال مشروعات العلمين ورأس الحكمة، سيصبح الساحل الشمالى أكبر وجهة سياحية على البحر المتوسط من حيث الطاقة الفندقية والتنوع الترفيهى، مما يسهم فى رفع عدد الليالى السياحية، وزيادة عائدات مصر من العملة الصعبة.
كما تعمل وزارة السياحة بالتعاون مع القطاع الخاص على إطلاق حملات ترويج عالمية تبرز الوجه الحديث للساحل المصرى، وتستهدف أسواق أوروبا والخليج وآسيا، من خلال الترويج للمشروعات الجديدة كرمز لنهضة مصر الحديثة.
نحو 30 مليون سائح
ضمن رؤية مصر 2030، تستهدف الدولة الوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا، والساحل الشمالى سيكون الركيزة الأساسية لتحقيق هذا الرقم.
فالمشروعات العملاقة مثل «العلمين الجديدة» و«رأس الحكمة» و«علم الروم» تمثل وجهات سياحية متكاملة قادرة على استيعاب ملايين الزوار سنويًا.
ويؤكد الخبراء أن التركيز على السياحة المستدامة والبنية التحتية المتكاملة يجعل الساحل مؤهلاً لاستقطاب شريحة واسعة من السائحين الباحثين عن الرفاهية، والمغامرة، والثقافة، والهدوء فى آنٍ واحد.
كما أن القرب الجغرافى من الأسواق الأوروبية يمنح المنطقة ميزة تنافسية ضخمة مقارنة بمقاصد منافسة فى جنوب أوروبا أو شمال إفريقيا.
وتتجه الدولة أيضًا إلى دمج السياحة الثقافية والترفيهية والبيئية ضمن تجربة واحدة، من خلال تنظيم رحلات تمتد من القاهرة والأهرامات حتى العلمين والساحل الشمالى، ما يطيل مدة إقامة السائح ويرفع متوسط إنفاقه.
توطين 40 مليون مواطن
لا تقتصر رؤية الدولة على الجانب السياحى أو الاستثمارى فقط، بل تمتد إلى هدف استراتيجى أكبر: إعادة توزيع السكان من الوادى والدلتا إلى مناطق أكثر استدامة وحداثة على طول الساحل الشمالى.
وتستهدف الخطة توطين 40 مليون مواطن فى مدن تمتلك بنية تحتية متطورة وفرص عمل متنوعة، بما يخفف الضغط عن المدن القديمة ويفتح آفاقًا لنمو عمرانى متوازن.
وتسعى الحكومة إلى توفير منظومة متكاملة من الخدمات فى هذه المدن، تشمل الإسكان، التعليم، الصحة، والمواصلات العامة، بما يجعل الساحل الشمالى نموذجًا جديدًا للحياة المصرية الحديثة على شاطئ المتوسط.
المستقبل يبدأ من الساحل
بينما تتجه الأنظار نحو البحر المتوسط، يرسم الساحل الشمالى ملامح مصر الجديدة؛ دولة تستثمر فى الإنسان والمكان، وتعيد اكتشاف ثرواتها الطبيعية والبشرية على أسس حديثة. فالمشهد اليوم لا يقتصر على الأبراج والمشروعات الفندقية، بل يتجاوزها إلى رؤية شاملة لبناء اقتصاد مستدام يقوده الاستثمار الأجنبى والقطاع الخاص، ويعزز مكانة مصر كواحدة من أبرز الوجهات الاستثمارية والسياحية فى الشرق الأوسط.
من رأس الحكمة إلى العلمين، ومن الضبعة إلى علم الروم، تمتد شرايين التنمية على ساحل الأمل، لتكتب فصلًا جديدًا من قصة صعود مصر الاقتصادى نحو المستقبل.
يؤكد د. أشرف غراب، الخبير الاقتصادى ونائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، أن الصفقة الاستثمارية القطرية الجديدة لتطوير منطقتى علم الروم وسملا فى الساحل الشمالى الغربى تمثل نقلة نوعية كبرى للاقتصاد المصرى، مشيرًا إلى أنها تأتى على غرار صفقة رأس الحكمة وتُعد استمرارًا لنجاح الحكومة فى جذب الاستثمارات الأجنبية الضخمة.
ويوضح غراب أن الصفقة الموقعة بين شركة «الديار القطرية» وهيئة المجتمعات العمرانية تتضمن تنفيذ مشروع تنمية وتطوير مساحة تبلغ 4900 فدان بمحافظة مطروح، باستثمارات تصل إلى 29.7 مليار دولار، لافتًا إلى أن الهيئة ستحصل على حصة نقدية وعينية من المشروع، ما يعزز موارد الدولة ويدعم خططها للتنمية المستدامة.
ويشير الخبير الاقتصادى إلى أن المشروع الجديد عبارة عن مدينة سياحية متكاملة تضم أنشطة سكنية وترفيهية وخدمات عالمية، تشمل مناطق سكنية راقية، ومجمعات سياحية، وبحيرات صناعية، وملاعب جولف، ومارينا دولية، وميناءين محليين، بما يجعلها واحدة من أكبر المدن الساحلية الحديثة على البحر المتوسط.
ويضيف غراب: إن صفقة علم الروم وسملا تأتى لتؤكد نجاح الدولة المصرية فى ترسيخ موقعها على خريطة الاستثمار العالمية، وتعزز من جاذبية الساحل الشمالى والبحر المتوسط كمركز استراتيجى للاستثمارات العقارية والسياحية الكبرى.
يوضح غراب أن هذه الصفقة تمثل دفعة قوية للبيئة الاستثمارية فى مصر، وتعكس الثقة المتزايدة فى قدرة الاقتصاد الوطنى على تحقيق النمو وجذب رءوس الأموال الأجنبية المباشرة.
ويشير إلى أن المشروع سيسهم فى نقل الخبرات العالمية والتكنولوجيا الحديثة فى مجالات البناء والطاقة، إضافة إلى توفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وتنشيط سوق مواد البناء والمقاولات، ما سيكون له أثر إيجابى مباشر على مستويات المعيشة والنمو الاقتصادى.
يضيف أن تدفق نحو 3.5 مليار دولار إلى الاحتياطى النقدى الأجنبى ضمن المرحلة الأولى من المشروع سيعزز قوة الجنيه المصرى ويُسهم فى تراجع سعر صرف الدولار، مؤكدًا أن هذه التطورات تدعم الاستقرار النقدى والمالى وتؤكد نجاح الدولة فى إدارة ملف الإصلاح الاقتصادى بكفاءة.
يشير الخبير الاقتصادى إلى أن المشروع سيشكل منصة انطلاق لمزيد من المشروعات المستقبلية فى مجالات الطاقة المتجددة والغاز والسياحة البيئية، ما يدعم توجه الدولة نحو تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية.
كما سيسهم المشروع فى تحقيق التنمية المستدامة عبر استغلال موارد البحر المتوسط الطبيعية وتعزيز البنية التحتية بالمنطقة، مما يفتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة فى المشروعات القومية الكبرى ورفع كفاءة الإنتاج فى مختلف المجالات.
يؤكد الخبير الاقتصادى أن توقيع المزيد من الصفقات الاستثمارية الكبرى يمثل رسالة واضحة للعالم بشأن قوة الاقتصاد المصرى واستقراره، وثقة المستثمرين والمؤسسات العربية والأجنبية فى بيئة الاستثمار بمصر.
ويوضح أن هذه الصفقات لا تقتصر فوائدها على زيادة الاحتياطى النقدى واستقرار سعر الصرف، بل تمتد إلى صنع فرص عمل حقيقية للشباب، وخفض معدلات البطالة، وتعزيز قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، بما يرسخ مكانة مصر كـوجهة استثمارية مفضلة فى الشرق الأوسط وإفريقيا.






