الإفتاء تواكب تحديات الواقع والـ AI وتواجه التطرف
«ميثاق الفتوى والكرامة الإنسانية».. وثيقة أخلاقية ترسخ المبادئ والقيم الشرعية والمهنية
أشرف أبو الريش
على مدار يومين ناقش علماء الإفتاء حول العالم الإسلامى قضايا الفتوى وتصديها لتحديات العصر بالندوة الدولية الثانية والتى نظمتها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم تحت مظلة دار الإفتاء المصرية بعنوان «الفتوى وقضايا الواقع الإنسانى نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة» بمشاركة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، وحضور كبير من العلماء والمفتين من مختلف دول العالم إلى جانب نخبة من الوزراء وكبار رجال الدولة المصرية والمؤسسات الدينية فى العالم وأقيمت تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى.
ناقش العلماء العديد من القضايا ليعلن فضيلة المفتى الدكتور نظير محمد عياد مفتى الديار المصرية ما خلصوا إليه من توصيات، مشددا على ضرورة أن تشتبك الفتوى مع مستجدات الواقع والتركيز على دورها فى بناء الإنسان والأوطان ومواجهة التطرف بشقيه الدينى والإلحادى، معلنا عن مبادرات وتطبيقات لتقديم الفتوى الصحيحة المدققة عبر أنظمة الذكاء الاصطناعى لمواكبة التطورات التكنولوجية.
المفتى أكد أهمية أن تعزز الفتوى التنمية وترسخ لقيم حقوق الإنسان، وشدد على أهمية دعم القضية الفلسطينية من خلال الدولة المصرية والمؤسسات الدينية، مثمنًا دور الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الحفاظ على القضية الفلسطينية.
وشدد المشاركون على ضرورة مواكبة الفتوى لمستجدات العصر والتأكيد على أهمية الفتوى للقضايا الإنسانية فى ظل عالم تتصاعد فيه التحديات غير المسبوقة من أزمات ونزاعات مسلحة وكوارث طبيعية وأوبئة عالمية، وإلحاد دينى وتطرف فكرى، وما تفرضه من مسائل ملحة تستوجب اجتهادًا فقهيًّا رشيدًا يستوعب مستجدات العصر بحكمة وبصيرة.
وأعلن فضيلة المفتى عن أبرز نتائج ومخرجات الندوة، التى تمثلت فى إصدار «ميثاق الفتوى والكرامة الإنسانية»، وهو بمثابة وثيقة أخلاقية ترسخ المبادئ والقيم الشرعية والمهنية التى ينبغى أن تلتزم بها جهات الإفتاء.
كما أعلن عن إصدار «دليل الفتوى المعاصرة فى القضايا الإنسانية» ضمن مخرجات الندوة، وهو إصدار موسع يشمل دراساتٍ وفتاوى معاصرةً حول أبرز القضايا الإنسانية فى عالمنا جمعت بين الأصالة والمعاصرة، فضلًا عن إطلاق مبادرات تنفيذية وتطبيقية، تمثلت فى «فتوى AI»، وهو نموذج إفتائى لدار الإفتاء المصرية وأحد أهم المخرجات، لاستخدامه الذكاء الاصطناعى فى تحليل الأسئلة وتقديم الفتوى الشرعية الدقيقة، ويمثل نقلةً فى تطوير المنظومة الإفتائية وتعزيز حضورها.
كما لفت فضيلته النظر إلى «منصة الفتوى من أجل الإنسانية»، وهى بمثابة منصة رقمية عالمية متعددة اللغات تتيح تبادل الخبرات والاجتهادات بين المفتين، ويمكن أن توفر المنصة تطبيقًا ذكيًّا يتفاعل مع الأسئلة الطارئة ويقدم إجابات سريعةً موثوقةً، هذا بالإضافة إلى «بنك الفتاوى التنموية العالمى»، وهى قاعدة بيانات رقمية مركزية تجمع الفتاوى المعتمدة الصادرة حول القضايا التنموية والإنسانية من مختلف دُور الإفتاء؛ ليكون مرجعًا عالميًّا لأفضل الممارسات الإفتائية.
وبين مفتى الجمهورية أن الورش التفاعلية المشتركة التى شهدتها الندوة تضمنت العديد من النتائج والمقترحات لمشروعات وبرامج تدريبيةً لتعزيز قدرات المفتين، وآليات لإنشاء شبكة تواصل دولية بين دور الإفتاء والمؤسسات الإغاثية لتبادل المعلومات بشكل فورى وقت الأزمات، هذا بالإضافة إلى إطلاق منصات إلكترونية مشتركة لنشر الفتاوى الإنسانية بلغات متعددة، وبرنامج الشراكة بين هيئات الإفتاء ووزارات الصحة، لإطلاق مبادرة «المستشار الشرعى الطبي» بحيث يوجد مستشارون شرعيون فى المستشفيات الكبرى.
وفى ختام أعمال الندوة؛ أعلن فضيلة المفتى مجموعةً من التوصيات والدعوات الأساسية، جاء أبرزها على النحو الآتى:
أولًا: اعتماد المخرجات وتطبيقها فى دور وهيئات الإفتاء فى العالم وإدماجها فى ممارساتها المؤسسية ومناهجها التدريبية.
ثانيًا: الالتزام بالقانون الإنسانى وبحماية المدنيين وقت الحروب والنزاعات، والتنديد بالجرائم والانتهاكات التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، ودعوة المجتمع الدولى إلى التحرك الفورى لوقف نزيف الدم، وضمان إيصال المساعدات، وحماية حقوق المظلومين.
ثالثًا: تؤكِّد الندوة دعمَها الكامل لصمود أهل غزَّة على وجه الخصوص، والشعبِ الفلسطينيِّ بعامَّة، فى مواجهة ما يتعرَّضون له من عدوانٍ متواصل، وتشدد على حقِّهم المشروع، الذى تكفله القوانين والمواثيق الدوليَّة، فى الدفاع عن أرضهم ومقدَّساتهم، ورفض كلِّ محاولات التهجير أو طمس الهويَّة، كما تؤكِّد الندوة تمسُّكَ الشعب الفلسطينى بقضيته العادلة، بوصفها قضيَّةَ حقٍّ تاريخيٍّ وإنسانيٍّ لا يسقط بالتقادم، ودعوتها المجتمع الدولى إلى تحمُّل مسؤوليَّاته الأخلاقيَّة والقانونيَّة تجاه وقف العدوان، وحماية المدنيِّين، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
رابعًا: تؤكد المؤسسة الدينية فى مصر، بأركانها الثلاثة: الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية، دعم موقف الدولة المصرية الراسخ والثابت تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدة حق الشعب الفلسطينى الأصيل وغير القابل للتصرف فى إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على أراضيه المحتلة، وعاصمتها القدس الشريف.
خامسًا: تعزيز التعاون الدولى عبر تبادل الخبرات وإطلاق مبادرات مشتركة فى مجال الإفتاء الإنساني، ومواجهة القضايا المشتركة، كالفقر والأوبئة.
سادسًا: التأكيد على التكامل المؤسسى للإفتاء بين دور وهيئات الإفتاء على المستوى العالمى تحت مظلة الأمانة العامة عبر تبادل الخبرات وتوحيد آليات العمل، وتفعيل المبادرات الإفتائية الدولية كوثيقة التعاون والتكامل الإفتائى.
سابعًا: استثمار التكنولوجيا لتوسيع نطاق خدمة الفتوى عالميًّا، وإطلاق تطبيقات ذكية ومنصات تفاعلية متعددة اللغات.
ثامنًا: تثمين دور «الدبلوماسية الدينية» فى دعم جهود السلام العالمي، وإعلاء قيم التعايش، وتعزيز الهوية الصحيحة.
تاسعًا: تعزيز التعاون بين وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام وبين هيئات الإفتاء لإدراج مفاهيم التسامح والتعايش والأمن الفكرى فى المناهج الدراسية، وتطوير مبادرات إعلامية تخاطب فئات المجتمع -لا سيما الشباب-، لتحصين الأجيال الناشئة من آفات الجهل والتطرف.






