الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كاتب أمريكى: الشباب العربى سيغير الشرق الأوسط فى غفلة من الغرب




لاتزال التحولات، التى تشعل ساحة الشرق الأوسط فى صورة ثورات الربيع العربى، تشغل ذهن العالم ولم تفق بعد الولايات المتحدة والدول الغربية من صدمة زلزال المنطقة السياسى الذى قد تكون فوجئت به – فى بعض الروايات- رغم جيوشها العتيدة من المراقبين والمحللين وعيون رجال مخابراتها ومراكز أبحاثها التى تضرب بيد أخطبوط فى أوصال منطقتنا- شئنا أم أبينا.

وفى أحدث المحاولات الغربية لفك شفرة ديناميكية الربيع العربى وتحولاته ومستقبله، يقدم خوان كول الأكاديمى الأمريكى بجامعة ميتشجان الأمريكية المتخصص فى الشأن الشرق أوسطى وجنوب آسيا، كتابًا عن شباب الربيع العربى ودورهم الحالى والمستقبلى فى تغيير واقع الشرق الأوسط وأنظمته.
وفى كتابه الجديد، العرب الجدد: كيف يغير جيل الألفية الشرق الأوسط، الذى خرج للنور أوائل يوليو الجارى، يقدم خوان كول محاولة طموحة وناجحة إلى حد كبير لتقديم تحليل ديموجرافى واقتصادى واجتماعى لشباب المنطقة علاوة على دور وسائل الإعلام الاجتماعية باعتبارها السلاح الجديد الذى يشهره جيل جديد شجاع ومثقف فى عالم الإنترنت من شباب الشرق الأوسط، لتغيير بلدانهم.
وخوان كول هو أستاذ للتاريخ بجامعة ميتشجان، وشغل فى تسعينيات القرن الماضى منصب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة ميتشجان من مؤلفاته «آيات الله والديمقراطية فى العراق» (2005)، وكتاب «إشراك العالم المسلم» (2009) وكتاب الحركة الاستعمارية والثورة فى الشرق الأوسط: الأصول الاجتماعية والثقافية لحركة عرابى فى مصر (1999).
وقدمت عدة صحف غربية للكتاب منهم صحيفة «كريستيان ساينس مونيتورز» الأمريكية التى قدمت تقريرًا عنه بعنوان «العرب الجدد يتساءلون» من يعيد تشكيل الشرق الأوسط. ويقول جيمس نورتون المعلق فى الصحيفة المتخصص فى قضايا الشرق الأوسط فى معرض تقديمه للكتاب «إن الشباب العربى الذى يتمتع بمعرفة تكنولوجية هو من سيقوم بتغيير الشرق الأوسط أسرع مما قد يلاحظه الغرب».
فى المقدمة يطرح الكاتب خوان كول فكرة مؤداها أننا نجهل الكثير عن اللاعبين الذين حركوا المياه الراكدة فى محيط الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية، وهؤلاء اللاعبون هم الشباب الذين يصفهم خوان كول بمفجرى تحولات دراماتيكية زلزالية فى الثقافة السياسية للمنطقة عبر مقاومة منتظمة.
ويقول كول «يميل المؤرخون إلى الإنجذاب نحو الشخصيات المشهورة فى المجتمع، إلا أن نظرية العظماء سواء كانوا رجالاً أو إناثًا لم يعد لها مكان فى عالم اليوم الرقمى الذى يستطيع فيه الإنترنت تغيير الأنظمة».
ولاهتماماته الأكاديمية وباعتباره من المحللين البارزين فى قضايا الشرق الأوسط فى وسائل الإعلام الأمريكية، عكف بجدية ومثابرة فى الأربع سنوات الماضية على فهم القوة الشابة التى وراء ثورات مصر وليبيا وتونس. ولذا قام برحلات فى تلك الدول ألتقى خلالها عددا من النشطاء ورجل الشارع العادى كما تتبع فى سجل تاريخى ثورات الربيع العربى يومًا بيوم.
ويرى أن هذا الجيل العربى الجديد أكثر تعليما من سابقه، ويعيش فى المدن الحضرية ويتمتع بنزعة عالمية؛ إذ يتشارك مع شباب العالم فى الاهتمامات وشغفهم بنجوم السينما وكرة القدم وصرعات الموضة وسهولة الوصول لتكنولوجيا الإتصالات الحديثة فى ذات الوقت. كما يتمتع بالذكاء تكنولوجيًا.
ويعتبر الكاتب أن جيل الألفية الثالثة فى العالم العربى، الذى الشباب العربى الذى كان له دور فى ثورات الربيع العربى، يعتبر متدينًا معتدلاً لايغلو فى انتمائه الدينى مثل الجيل الذى سبقه بثلاثة عقود.
ويرى كول أن مهارات التعامل بحرفية وذكاء مع وسائل الاتصال الاجتماعية الجديدة مثل تويتر والفيس بوك تضافرت مع  معاناة الشباب العربى من أعلى معدلات بطالة وغياب المشاركة السياسية ومشكلات اجتماعية واقتصادية مزمنة لدفع هؤلاء الشباب نحو والتواصل عبر الإنترنت وتنظيم المظاهرات.
يقرر الكتاب أن آمال الشباب العربى فى تغيير الحياة السياسية، والتأسيس لعملية انتخابية نزيهة وشفافة، لم تؤد إلى صعودهم للسلطة، وذلك لصغر سنهم. وبرر خوان كول ذلك بسيطرة الدولة العميقة والحرس القديم والنخبة القديمة التى تختبئ وراء الإسلام السياسى، على تلك الدول.
كما اصطدمت بواقع الصراعات الطاحنة والقبلية وغياب البوصلة والقيادة والمشكلات الاقتصادية المزمنة واستيلاء قوى معينة على مسار الثورات لأنها ذات انتماء دينى معين، فليبيا على سبيل المثال تعيش حالة من الفوضى واستيلاء المسلحين والقبائل على ثرواتها النفطية.
وفيما يعتبر ضوء آخر النفق، يقدم الكاتب حقائق مهمة أن 370 مليون عربى لا يتجاوز متوسط أعمارهم 25 عامًا وهم من شاركوا بدرجات ملموسة فى ثورات الربيع العربى مما سوف ينعكس على مستقبل تلك المنطقة. ويقول أن من قام بما أطلق عليه «الانتفاضات العربية» هم شباب صغير السن ولد خلال الألفية الثالثة وما زال أمامه ما يكفى من الوقت للنضج، وأنه من السابق لأوانه التنبؤ بمستقبل المنطقة بناء على ذلك.
ويعترف كول أن الثورات لا تتحقق نتائجها إلا بعد عقود من الزمن، مستشهدًا بأمثلة تاريخية عاصرنا بعضها، مثل دور فاتسلاف هافل رئيس التشيك السابق فى مواجهة الدبابات السوفييتية عندما اجتاحت عاصمة  تشيكوسلوفاكيا براغ عام 1968 وهو مازال شابًا يافعاً، وعودته بعد عقود رئيسًا للبلاد بعد انهيار جدار برلين عام  1989.
وتشير صحيفة كريستيان ساينس مونيتورز إلى أن طرح كول لدور الشباب العربى فى التغيير يتميز بروح التفاؤل بصورة اعتبرتها مفاجئة للمراقبين والقراء الغربيين.
إلا أن الصحيفة تقر بأن الكتاب ينفى نظرية الأبيض والأسود فى الصورة الذهنية المسيطرة على وسائل الإعلام الغربية للشباب العرب  ويعارض بحدة على صفحات الكتاب اختزال الميديا الغربية  لهؤلاء الشباب بتصنيفهم فى قوالب جاهزة بأنهم ليبراليون ويميلون للعلمانية أو أنهم شباب تيارات الدينية مثل شباب السلفيين والإخوان وهى نظرة قد تكون صحيحة إلى حد ما فى تونس، حيث تعد حاليًا ساحة للصراع بين شباب العلمانيين والليبراليين وبين المتدينين.
فمن نقاط قوة الكتاب، أن كول يعرض صورة للشباب العربى الجديد باعتبارهم مجموعة مختلفة متنوعة الأطياف غير متجانسة من اليساريين والإسلاميين والمثاليين، البراجماتيين، والراديكاليين ودعاة سلام، وغيرهم، إلا أن ما يجمع بينهم وجعلهم يتوحدون هو معارضتهم للتعذيب والفساد والركود السياسى، لكنه لا يطلق التعميمات عن أذواقهم فى ثقافة البوب​​، والغذاء.
وعبر رحلتنا فى كتاب «العرب الجدد» لخوان كول نستمع لقصص فردية لبعض النشطاء من الشباب العربى الذى ضحى بحياته فى مواجهة أنظمة قمعية. مثل قضية خالد سعيد، الذى تعرض للضرب حتى الموت على يد الشرطة فى عام 2010، وتحويل ملابسات وفاته إلى رمز للأمل عبر صفحات الفيس بوك من خلال صفحة «كلنا خالد سعيد» ويتتبع كول بداية الصفحة باعتبارها صرخة تهدف لوضح حد لمعاملة الشرطة القاسية للمواطنين وتطورها لتصبح منبرًا لتبادل المعلومات بين المشاركين والمعارضة والنشطاء.
كما يعرض لقصة وفاة المدون الإلكترونى التونسى زهير يحياوى باعتبارها نقطة محورية التقى حولها دعاة النزعة الرومانسية والمناهضين للحكم فى تونس.
وأخيرًا لن تنتهى الدراسات والتحليلات عن ثورات الربيع العربى... بل ستشهد الشهور والسنوات القادمة طوفانًا من المحاولات من قبل مراكز الأبحاث الدولية والعربية لفهم أبعادها ومآلها.