عصام عبد الجواد
تجربة تستحق التقدير
الحياة فى القرية خاصة إذا كانت هذه القرية تقع فى أقصى الصعيد وبالتحديد قرية فزارة محافظة أسيوط فالأمر صعب جدًا للغاية لكن من نعم الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه القرية من أهم قرى محافظة أسيوط التى كانت تتميز بارتفاع نسبة التعليم فيها بشكل كبير عن القرى المجاورة لها وقد فسر البعض ذلك بسبب وقوعها على خطوط المواصلات الرئيسية سواء طريق القاهرة أسيوط الزراعى أو قطار السكة الحديد.
ومن حسن حظى أننى من مواليد هذه القرية الجميلة التى يتميز أهلها بالأخلاق الرفيعة وارتفاع نسبة التعليم بين أبنائها وارتفاع نسبة الثقافة والتدين، واللافت للنظر كثرة حفظة القرآن الكريم ومن حسن حظى أيضًا أن يكون الكاتب الصحفى الأستاذ عاطف صقر مدير تحرير الأهرام هو أحد أبناء قريتنا والذى يسبقنى فى الدراسة بعدة سنوات وقد أصدر كتابًا يحمل سيرته الذاتية مع عدد كبير من أبناء القرية الأجلاء يحمل عنوان «التفوق تجربتى وآخرين»، وهو فى رأيى من أهم كتب السير الذاتية فى السنوات الأخيرة.
الكتاب يحكى أسباب تفوق الأستاذ عاطف صقر وإحرازه المركز العاشر بين أوائل الثانوية العامة وتعيينه بصحيفة الأهرام وإحرازه جوائز صحفية متميزة ويتناول تفوق جيرانه سواء من أقرانه أو ممن هم كانوا أكبر منه سنًا وحتى من هم أصغر منه سنا وإحرازهم مراكز متقدمة فى السنوات الدراسية على مستوى الجمهورية وحصول عدد منهم على مواقع مهمة فى السلك الجامعى ويسرد قصص نجاح كوادر جامعية بسبب المساندة الأسرية بعد فقد أحد الوالدين أو تحصيل مجموع منخفض فى الثانوية ويعبر عن أثر القيم الإيجابية على الحياة مثل الشكر والاستغفار وينوه إلى أهمية العلاقات مع الآخرين مع عدم إغفال الترويح عن النفس ويذكر تجارب بعض من تفوقوا فى العمل السياسى والاجتماعى ويحكى نموذجًا لمن واجهوا الظروف الصعبة والعراقيل الكبيرة التى واجهتهم من أجل أن يتحدوا الظروف ويصلوا إلى تحقيق أحلامهم وأحلام أسرهم وكان التعليم سلاح هؤلاء الأبطال.
كتاب الأستاذ عاطف صقر هو كتاب من كتب السيرة الذاتية التى تنقلك إلى عصر السبعينيات والثمانينيات، هذه القرية التى كان يعانى فيها أبناء القرى والنجوع أشد المعاناة سواء لعدم وجود كهرباء أو وسائل مواصلات أو حتى وسائل اتصال كما هو اليوم وكيف استطاع هذا الجيل وسط كم المعاناة أن ينجح ويتفوق ويستطيع أن يذاكر دروسه لفترات طويلة على لمبة جاز ويستطيع أن يسير كل يوم لمسافة تبلغ أربعة كيلو مترات من قريته إلى المدينة حيث توجد المدرسة الإعدادية أو الثانوية، وأثناء ذهابه وعودته يتعرض كل يوم لموت محقق سواء تحت عجلات القطار أو فى الترعة التى يجب أن يعبرها ليصل إلى الشط الآخر ليصل إلى الطريق المؤدى إلى المدرسة.
ويرصد أيضا كيف كان حال الأسر فى الريف والعلاقات الاجتماعية المتميزة بين الأهل والجيران والأصدقاء.
لكن من وجهة نظرى أهم ما ذكره الأستاذ عاطف فى كتابه أنه لم يهتم فى كتابه على تفوقه فى الثانوية العامة وحصوله على المركز العاشر على مستوى الجمهورية فقط بل فرد صفحات كثيرة لعدد من أبناء قريتنا الذين تفوقوا وكانت لهم مكانة اجتماعية مرموقة وهو ما لم يحدث من قبل أن يتناول أحد سيرته الذاتية وتفوقه وذكر فى نفس الوقت تفوق أقرانه أو أصدقائه وهو ما فعله عاطف صقر والذى يستحق عليه كل التقدير والاحترام لذلك أدعو كل محبى قراءة السير الذاتية والمذكرات الشخصية أن يقتنوا كتابه «التفوق تجربتى وآخرين».
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا