الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لعنة الكرسي

لعنة الكرسي
لعنة الكرسي




تحقيق - دعاء محمد
هوس السلطة فى مصر يدفع المسئول عنها إلى الفساد أو الإفساد فى أحيان كثيرة، فهو إما وطنى يعمل لصالح بلده دون شعور بالعظمة والجبروت والكبرياء «وهم قلة»، أو مدع للوطنية ويتظاهر بها من أجل كسب ثقة الجمهور أو القيادة السياسية للحصول على مآرب ومكاسب متنوعة، وعندما يصل للسلطة يظهر وجهه الخفى والحقيقى أمام الجميع، ويبادر إلى تصرفات توقعه فى المحظور، ويبدأ فى التربح والإفساد من وظيفته، وما يدفعه لذلك – حسب خبراء – هو رؤيته الراسخة لعدم المحاسبة فى هذا البلد للمسئولين السابقين الذين انتهجوا نفس المنهج، ولكن تغيرت النظرة مؤخرا بعد القبض على د. صلاح هلال وزير الزراعة فى تهم فساد، مما أثبت أن القيادة السياسية الواعية قادرة على تحمل المسئولية تجاه هذا الشعب وأنه لا أحد فوق القانون.

رصدت «روز اليوسف» آراء بعض المحللين السياسيين والنفسيين والحزبيين عن طبيعة المسئول الحكومى قبل وبعد توليه المنصب فى مصر.
وفى ذات السياق جاء اللواء أشرف توفيق - باحث سياسى - ليوضح أن التحول من منصب لآخر يتسبب فى تغيرات، سواء تمت فى اللاشعور أو بقصد من الشخص نفسه، وأن التغير بالخير أو بالشر متوقف على عناصر التربية والنشأة لدى المسئول، بالإضافة إلى عناصر المساواة والعدالة والديمقراطية المتوفرة لديه.
وأعطى مثلا بالخليفة عمر بن عبدالعزيز، الذى كان ينتمى إلى الأسرة الأموية، وكانت أسرة راغدة المال، وكان لا يأخذ من الدين سوى إقامة الشعائر.
 ولكن حين تولى الخلافة، قرر أن يعيش كما يعيش المواطن الفقير، وبدأ فى توزيع أمواله على الفقراء وعاش حياة متقشفة، لرؤيته بأن الحاكم يجب أن يكون مسئولا وشبيها بالمواطنين، فقامت الخلافة بعمل تغيرات جزرية فى شخصيته ولكن إلى الأفضل.
وقال د. كريم عبد الرازق - أستاذ النظم السياسية بجامعة الاسكندرية - إن هناك بعض الأشخاص الذين يفهمون المنصب بطريقة خاطئة، ويعتقد صاحب المنصب بأنه أعلى من المواطنين بدلا من أنه فى خدمتهم، وهذا يتوقف على استعداد الشخص لهذا المنصب، والخلفية السياسية التى لديه، فالمسئول الذى لديه مهارات سياسية وفنية فى ذات الوقت يستطيع تحقيق أكبر قدر من النجاح بأقل مجهود، بعكس الذى ليس لديه خلفية واستعداد لتولى المنصب.
ومن جانبه شبه د. أحمد عبد الهادى - رئيس حزب شباب مصر - المسئول الحكومى قبل توليه المنصب، بالعروسة التى تتجمل وتتزين من خلال طرح الكثير من النظريات الناجحة، ولكن بعد توليه المسؤلية يصطدم بأرض الواقع الملىء بالمشاكل.
فهناك العديد من الأشخاص الناجحين فى جوانب عمل كثيرة لكن حين توليهم منصب حكومى يفشلون فى أداء واجب المنصب الذى جاء من أجله، وهذا يرجع إلى عدم وجود معايير موضوعية لاختيار المسئولين الحكوميين قبل توليهم مناصبهم، لتأكد من نجاحهم أو فشلهم فى تلك المنصب.
علمًا بأن هناك مسئولين لديهم نظرياتهم وانتماءاتهم الكاملة للوطن، وأثبتوا فاعليتهم فى أماكنهم، وخرجوا من مناصبهم خالين من ذرة غبار، وفى ذات الوقت هناك مسئول فاسد وفاشل ولديه الكثير من المحاسيب، ولهذا يرجع فساد المسئولية الحكومية.
وأكد أن هناك لعنة فى كرسى السلطة أو المناصب الحكومية، لعنة يجب أن يحترس منها كل مسئول فى مصر، وترجع لمواجهة المسئول فى هذا المنصب الكثير من المسئوليات والمعارف والإغراءات والمزايا، وكل ذلك يؤثر فى صاحب المنصب.
العميد محمد الغباشى - مساعد رئيس حزب حماة الوطن - يرى أن المسئول سلاح ذو حدين ممكن أن يفيد منصبه وممكن أن يضره، وهذا لا يتوقف على المسئولين الحكوميين فقط، ولكن ينطبق على جميع أعراف البشر، لذا يجب عمل سيرة ذاتية لكل مسئول حكومى قبل توليه منصبه، لأعمالهم السابقة لمعرفة من خلالها نوعية هذا المسئول، ويؤكد أنه لا يوجد شىء يسمى لعنة الوظيفة لكون الوظيفة لا تستطيع أن تغير إنسانا، مهما كان فيها من إغراءات، فالإنسان القوى مهما كثرت المغريات حوله لا يتأثر بها، بعكس ذى النفس الضعيفة.
د. علاء الغندور - استشارى التأهيل النفسى والسلوكى والفكرى – أشار إلى أن المسئولين ينقسمون إلى فئتين، مسئول وطنى لديه خطة وحلم يريد أن ينفذه، ولكن فى الطريق سيجد من يتصادم معه ويحاول عرقلته، من أجل التخلص من سيطرته، ومسئول يستخدم المصطلحات الوطنية للوصول إلى أغراضه، وبمجرد وصوله إلى المنصب، سيسترجع جميع المشاكل النفسية والإحباطات التى تعرض لها وينجذب وراء المصالح الشخصية وسحر الكرسى الذى وصل إليه.
ويرى الغندور أن أى كرسى له سحر أيا كان المنصب، وللأسف شعب مصر ليس لديه ثقافة تقدير الكراسى بالمعنى المناسب، وضعف نفس المسئول يجعله ضعيف أمام سحر الكرسي، ولا يستطيع مقاومة المغريات التى تواجه، ويجد نفسه فى النهاية لديه فواتير كثيرة يجب أن يسددها، وأشار بالخصوص، إلى أن جميع الوزراء غير مؤهلين من الناحية التربوية والسياسية والخبرة فى طبيعة الوزارة المسئولين عنها، بالإضافة إلى عدم تأهيلهم للمؤتمرات الصحفية والتليفزيونية، فالمسئول لابد أن يواجه جميع الموضوعات الإعلامية بموضوعية ودبلوماسية.
وأوضحت د. فاطمة موسى - أستاذ الطب النفسى بالقصر العينى - أن هناك مجموعة من الصفات يجب أن تتوافر داخل كل مسئول، وتدل هذه الصفات على طبيعة الشخصية، فلابد أن يكون المسئول شخصية طموحه واجتماعيا يستمتع بالتعامل مع جميع المواطنين، ولديه إلى حد ما درجة من الذكاء تؤهله لتولى أى منصب، وشخصيته مسيطرة ولديها نفوذ على العديد من المجموعات، بالإضافة إلى حبه للظهور والشهرة.
ولكن الذى يختلف بين مسئول وآخر هو الضمير، وأن هناك مسئولا جميع الأشخاص لديه سواسية فى مقر عمله، ويتدخل فى جميع المشاكل والأزمات ويحاول حلها، ويوضع خطة لتطوير المكان المسئول عنه، ويكون لديه مفهوم الإحساس بأن المنصب زائل، ويعلم أنه فى هذا المكان ليقدم خدمة أمام الله وسيحاسب عليها، ولكن هناك مسئولا آخر ليس لديه ضمير حي، ويعتبر المنصب مجرد وسيلة لجمع الأموال والشهرة، حيث يبدأ المنصب تكوين لديه حالة من الغرور، ويجعله يتجه إلى الظلم لرؤيته بالتميز عن باقى المواطنين، وهذا الغرور يجعله لا يشعر بزوال هذا المنصب فى أى وقت، لكونه شخصية عظيمة لا يستطيع أحد التغلب عليه.
وأوضح نبيل زكى - المتحدث الرسمى باسم حزب التجمع - أن طبيعة الشخص لا تتغير فى حالة توليه منصباً مهماً، ولكن الاختلاف يكون فى أسلوب المسئول فى الإدارة نفسها، حيث هناك بعض المسئولين الذين لديهم شىء من التفاؤل عند تسلمهم السلطة وقدرتهم على حل الأزمات، ولكن يصدموا بواقع يستطيع أن يغير طموحاته فى التغيير، لأن صعوبة الأزمات والمشاكل التى يواجهها، يصعب فى حلها وزير أوحتى منظومة حكومية بأكملها.
وأكد الخبراء أن الوظائف الحكومية ليست بها تدريب على تحمل المسئولية والمهام، وعدم الاعتماد على التدرج الوظيفى بكفاءة وليس باﻵدمية، مع ضرورة التركيز على مناهج اﻷطفال بالمدارس، لتعليمهم كيفية تحمل مسئولية أى سلطة فى جميع اﻷوقات.

سعيد صادق: تهميش القدرات والكفاءات المهنية فساد إدارى

د. سعيد صادق - أستاذ علم اجتماع سياسى - يرى أن هناك أكثر من عامل يؤثر فى سلوك الشخص حين توليه مسئولية منصب حكومى كبير، منها ظروف التربية والنشأة وحالته المادية، فقد يرى المنصب مجرد أموال ومنصب يستغل من أجل تحقيق مصالح وأهداف خاصة؟ وتهميش القدارت والكفاءات المهنية التى تحيط به، وتصعيد عدم الكفاءة، حيث يدير المنصب بنظرة الأشخاص الفاشلة، وهذا يعد من ضمن مشاكل الفساد الإدارى بمصر.
وأشار إلى أن أغلب المسئولين الذين يحكمون مصر، عبارة عن مسئولين تكنوقراط، ففى حالة اختبار أى مسئول منهم فى امتحان سنة أولى سياسة سوف يرسب فيه، لأنهم غير محنكين سياسيًا، وكل ما يشغل بالهم المادة وكيفية الاستفادة فقط، والمسمى المعنوى للمنصب، لذلك يصبح سلوك المسئول لعنة على منصبه، لكونه غير ملم بالمسئولية الموضوعة تحت يده.


الجبالي: فساد مسئولين سابقين وعدم محاسبتهم يدفع الآخرين للفساد
وعبرت د. داليا الجبالى - خبيرة تنمية بشرية - بأن المسئول الحكومى قبل تولى المنصب، كان عبارة عن موظف يخضع لتوجهات رؤسائه فى العمل، ونوعية هذه التوجهات الذى يتعرض لها غير كافية لجعل لديه الخبرة لكونه مسئولا، لذلك يضطر إلى إفراط سلطة أكبر على العاملين معه، ليثبت أنه قادر على المسئولية، وأصبح مسئولا له سلطة ونفوذ، وأشارت إلى أن فرص الفساد فى القطاع الحكومى تنشأ من خلال رؤية المسئول الحكومي، فساد المسئول الذى يسبقه وعدم كشفه ومحاسبته، باﻹضافة إلى وضع تحت يد الكثير من الموظفين مسئولية مشروعات كبرى وقرارات مصيرية، وهم يرون أنفسهم يعيشون بالحد اﻷدنى، مما يؤثر على المسئول ووضعه تحت ضغط نفسى يجعله يلجأ إلى الفساد، خصوصا فى وجود قوانين غير صارمة وتحمل الكثير من الثغرات والاستثناءات.


غطاس : المناصب الحكومية مفسدة ومسئولونا يفتقدون للوعي السياسي
ويؤكد د. سمير غطاس - رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية - أن جميع المسئولين الحكوميين من بعد عام1952، مسئولون تكنوقراط، يفتقرون للحس السياسي، لذلك فى حين تركهم للمنصب لا يتركون أثرا على وجودهم، وأن المسئولين الذين لهم تأثير فى مناصبهم، لا يتعدون أصابع اليد.
فهناك أكثر من 34 وزيرا فى الدولة، لا يعرف المواطنون أسماءهم جميعًا، ويرى أن كراسى المناصب الحكومية فى مصر بها لعنة تصيب المسئول الذى يجلس عليها، حيث أصبح لديه الكثير من السلطات وإمكانية اتخاذ القرارات، علمًا بأن المسئول يتولى منصبه وهو يعلم أنه سيغادره سريعًا، فالتفكير المسيطر عليه جمع أكبر قدر من المال او المكاسب من منصبه، حتى أصبحت المناصب الحكومية مفسدة كبرى.
لذلك لابد على رئيس الوزراء قبل تشكيل الوزارة الجديدة تقديم رؤيته لها، بوضع برنامج يوضح من خلاله أولوياته، وطرق تنفيذها وبأى آليات والفترة الزمنية المستغرقة لتنفيذ هذا البرنامج، مع رسم سياسات للوزارة، لأن غالبية الوزارات بمصر تفتقر للسياسة، وفى حين عدم تقديم برنامج محدد للوزارة قبل توليها المسئولية فلن يحدث أى تغيير، وسوف تكون الوزارة القادمة مثل السابقة.