السبت 22 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أدب الطفل فى ثلاجة الدعم

أدب الطفل  فى ثلاجة الدعم
أدب الطفل فى ثلاجة الدعم




تحقيق - مروة مظلوم

غلاف مبهج وأوراق بيضاء تلونها أحبار وشخصيات، لغتها كالرموز فى عقل الطفل الصغير، مع الوقت يفك شفرتها لكنه لن يجعلها عائقاً فى قصته.. أراد أن يحكى للدمى أسرار تلك الشخصيات الملونة.. أن يحركها  بخياله من ثباتها وصمتها.. أن يخلق لها عالماً موازياً يشبه عالمه الصغير ونصاً مغايراً للنص الأصلى وربما سيناريو مختلف تماما يحوى القيم التى تغرسها فيه أمه.. وحكاوى الجدة وحزم الأب وشدته..  إنه الكتاب يا سادة ذلك الصامت المتكلم، حروف بكماء تدفع الحجر للنطق بكلمات مفهومة.. تحرك الجبال والخيال.. تهب للحيوانات ألسنة ينطقون بها فينشرون الحكمة، يحكى لها ويقوم معها بمغامرات صانعاً قصته هو.
ذلك العالم الخيالى الذى يصنعه الكتاب لأطفالنا.. ابتعدت خطواته عنه حتى ضل الطريق إليه أو ضللنا الطريق إليه فى متاهة الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية وأفلام الكارتون المدبلجة، وأفكار لا تشبه أفكارنا وعوالم لاتنتمى لثقافتنا.. فى الوقت الذى يسعى فيه الغرب إلى ربط أجياله القادمة بالكتاب الورقى.. أضعنا نحن أجيالنا على صفحات التواصل الاجتماعى..  ابتعدنا كثيراً فأضعنا بداية الطريق.. فى تحقيقنا هذا نفتش عن أسباب مانحن فيه نبحث عن العلاج والدواء.
■ مخيلة الورق أعمق من وحدة الألومنيوم
«فى ألمانيا قرروا منع أطفالهم من التعامل مع الآى باد أكثر من ساعتين فى اليوم» هكذا بدأت الكاتبة أمل فرح مدير تحرير إصدارات ديزنى بالعربية وناشيونال جيوجرافيك.. حديثها عن أدب الطفل فى الغرب وتابعت» هناك سعى دائم  لربط  الطفل بالكتاب فهو كمحتوى ورقى أهم لمخيلة أطفالهم من وحدة الألومنيوم المصنوع منها الأيباد وأجهزة المحمول والكمبيوتر أو ما يسمونه «ثقافة الديجيتال، التى تعطل مخيلة الطفل من التفاعل مع المحتوى المقدم وإثرائه بأفكار جديدة من ابتكاره هو.. إنها تعطل بداخله العبقرى الصغير».
تحدثنا أمل عن طبيعة المحتوى المقدم فى إصدارات ديزنى بالعربية فتقول «لانستطيع أن نطلق عليها منتج غربى فعالم ديزنى تخطى ثقافته الأصلية والمنتج المتداول تم تمصيره ليناسب ثقافة العرب فما يقدم لأطفال الشرق متخلف تماماً عن المتداول فى أوروبا وأمريكا «بطوط «وميكى» يناقشون حياتهم بما يلائم الطفل العربى وتفاصيل حياته ومصطلحاته.
■ قرار الاختيار والشراء للأبوين
ترى أمل أن مشكلة كتب ومجلات الأطفال المصرية ليست مشكلة إنتاج فعلى مستوى الكتابة والرسم مصر لاتفتقر لكُتاب أو فنانين ولاتخلو قائمة جوائز عالمية من أسمائهم، لكن الإنتاج قليل وموجه لمتلقى واحد ألا وهو الطفل دون مراعاة أن هناك متلقى آخر يتخذ قرار الشراء وهو الأبوين فما يقنع الصغار ليس بالضرورة يقنع الكبار فدائماً ما يبحثون عن المنفعة المباشرة من المطبوعة سواء مجلة أو كتابًا فنيًا ترفيهى فضلا عن تصديرهم لقنوات الرسوم المتحركة لإلهاء أطفالهم أطول فترة ممكنة اعتقاداً منهم بأنها تقدم لهم ما يحتاجونه من مضمون ثقافى أما الكتاب فهو عبء على ميزانية الأسرة بينما هو فى الحقيقة قد يوفر عليهم دورات التنمية البشرية التى يحتاجونها فى المستقبل لإعدادهم وتهيئتهم لمواجهة الحياة.
تضيف «فرح» أن كتاب الأطفال دوره أكبر من حدود التسلية وملء وقت الفراغ فهو بمثابة إعدادا نموذج إيجابى يمكنه مواجهة وجدل كل الأفكار الشاذة التى تنتشر فى المجتمع سواء على المستوى الدينى أو الأخلاقى  والقيمى وثقافتنا العربية تحتوى على نماذج للتنمية البشرية تلائمنا  وتلائم مجتمعاتنا، عكس النماذج المترجمة  التى يستعين بها الشباب فتفشل لأنها لاتلائم أسلوب حياتهم ولاتتفق مع سلوكيات الشرقيين وعاداتهم.
■ غياب روح المنافسة
أما الشاعر أشرف عامر وكيل وزارة الثقافة والرئيس السابق للمركز القومى لثقافة الطفل يرى  أن الإشكالية اعترافنا بحاجتنا للمسابقات الأدبية التى تكرم وتحفز المبدعين سواء الأطفال أو كتاب الأطفال، فمجال المنافسة يخلق المزيد من المبدعين سواء الكتاب الكبار أو إبداع من طفل لطفل وهو مايجب أن نتمناه إلى جانب أجهزة الدولة والوزارات المعنية بالثقافة والتعليم العالى والأوقاف لدعم كتاب الطفل وتبنى إبداعات الجيل بأكمله، فالدور غير قاصر على الدولة وحدها، وهناك مسابقة كبيرة لكتاب الطفل يتم الإعداد لها باسم «سهير القلماوي» باعتبارها أكثر من أثرى مجال الكتابة للأطفال وستدخل حيز التنفيذ مع بداية العام الجديد.
يضيف «عامر»: وزارة الثقافة بجميع هيئاتها تحاول فى  ظل الظروف الحالية أن يكون لها نشاط نوعى للأطفال فهناك 12 مسابقة متنوعة عالمية لأدب الطفل وهناك مجلة قطر الندى وسلاسل خاصة منها التى جار النبى الحلو.. فضلاً عن  20 كتابًا تصدر برعاية لجنة ثقافة الطفل التى ترأسها فاطمة المعدول..  باختصار الدور قومى ويجب أن يشارك فيه الجميع.
■   الطفل يهتم بتفاصيل شخصيات الكوميكس  
أكثر ما يجذب الطفل للكتاب رسومه.. ورسوم الأطفال تحتاج لأفكار خارج الصندوق فهى لا تعترف بوجوده أصلا، لا تلائمها التقليدية فهى تنبض بالحياة لتثير خياله وتنتقل إليه المعانى على لسان شخصياتها سواء كانت حيوانات  أو أشياء يتفاعل معها قبل قراءة الحوار يقول الفنان التشكيلى ياسر جعيصة رسام الأطفال أن كل تفصيلة صغيرة فى رسوم الأطفال محسوبة فعين الطفل الواعى لا تفلت الأخطاء أبداً الألوان الحركة الملابس كل شيء يدقق فيه وأحيانا ما يلجأ لإعادة رسم الشخصية بيده ومن أكثر شخصياته التى أثرت فى الأطفال شخصية بطل قصة «سنة فى قنا» والتى دخلت فى القائمة القصيرة لجائزة الاتصالات بالإمارات.
■  «نونة» فتاة عصرية فى رداء شرقى  
وعن تجربته كرئيس تحرير لمجلة نونة قبل توقفها عن الإصدار يقول جعيصة «مجلة نونة   كانت تجربة فريدة من نوعها ضمت 30 رساما و10 من كتاب السيناريو فضلاً عن إدارييها كانت تنافس فى مضمونها وإمكانياتها الفنية مجلة باسم التى تصدر فى السعودية، شخصية نونة هى فكرة الفنانة حنان ترك وابتكار الفنانة نهى إبراهيم، كان لها فريق كامل من الرسامين والكتاب يتابع مغامراتها، صدرت بتكلفة شهرية 70 ألف جنيه للعدد الواحد لذلك لم تستمر طويلاً لأن حنان أرادت تقديمها بإمكانيات ومستوى فائق الجودة ولأنها لم يتوفر لها الدعم الكافى من المعلنين أو الرعاة لم يكتب لها الاستمرار.. وهذا هو حال مجلات الأطفال فى مصر إذا لم يتوفر لها دعم واهتمام من الدولة المعلنين لن تظهر بشكل يدعم تميزها ومضمونها الثقافى.
(يذكر أن مجلة نونة هى مجلة شهرية كانت موجهة  لمن دون الـ 16«نونة» تحمل اسم الشخصية الرئيسة بها، والتى تشبه حنان ترك تماما فى صورة كرتونية غير أن الأعداد الصادرة منها لم تتجاوز 25 عددًا خلال ثلاث سنوات  ظهرت فيها نونة شخصية عربية  مرتدية الحجاب فى بعض المغامرات وبدونه فى أخرى كانت محاولة لخلق شخصية عربية كـ»فلة» يرتبط بها الأطفال وبمغامراتها وتعبر عن مضمون ثقافى شارف على الاندثار فى عصر الإنترنت، صدرت «نونة» عام 2007 وتوقفت عن الإصدار عام 2010 ).
■   «قطر الندى» تجاهد مع جيل الديجيتال
أما التجربة الثانية فهى تجربة «قطر الندى» وهى لاتزال موجودة على الساحة ولكن ليس بنفس القوة، يروى لنا عبده الزراع رئيس تحرير مجلة «قطر الندى» أن الكتابة للأطفال تحتاج إلى اختيار شخصيات يتمتعون بموهبة استثنائية تمكنهم من التواصل مع مخيلة الطفل التى لاحدود لها، تخاطب مراحل عمرية مختلفة والكتاب والرسامين المصريين يتسمون بهذه الموهبة، خاصة خريجى الفنون الجميلة يهتمون بالألوان الحركة التفاصيل الدقيقة وبالتالى لاتنقصنا الموهبة ولاتنقصنا الخبرة لكن الجودة مع الأسف ترتبط بالإمكانيات المتاحة وهى محدودة للغاية فى كل الإصدارات لتى تقدم للطفل فى مصر والعالم العربى عموما.
يضيف عبده الزراع أن دعم الدولة لمجلة «قطر الندى هو مايضمن استمرار صدورها فمبيعاتها لتغطى أبداً نفقاتها فتكلفة العدد الواحد تصل إلى 7 أو 8 جنيهات بينما تباع فى الأسواق بجنيه واحد وبالتالى هى لا تحقق أى ربح، ربحها الوحيد هو المادة المقدمة للطفل وضمان وصولها لأكبر عدد ممكن، ولقد شهدت بالفعل «قطر الندى» ارتفاعا فى نسبة المبيعات من 92% إلى 98% .
وأكد «الزراع» أن هذا لايمنع أن هناك تقصيرًا فى إصدار مجلات الأطفال مقارنة بتعداد الأطفال فى مصر هناك 30 مليونًا مقابل 4 أو 5 مجلات ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى على الأقل يجب أن يكون هناك 10 مجلات بجودة عالية لتستوعب الفئات العمرية المختلفة  من ناحية ومن ناحية أخرى تنوع فى الموضوعات المقدمة وإعداد مادة تتلائم وأفكار الأطفال مجاراة العصر، لتربطهم بثقافتهم العربية وإشراكهم فى إعدادها وإبراز مواهبهم واكتشافها، بالنسبة للمجلة التى يرأس تحريرها يحاول التواصل مع القراء عبر مواقع التواصل الاجتماعى وهناك أبواب خاصة بالشخصيات المصرية التى أثرت  العلوم الإنسانية فى مصر.
يضيف الزراع أن مجلات الأطفال  تحتاج لتفرغ وثقافة واسعة وهو مايلقى عبئاً كبيراً على صناع مجلات الأطفال  بداية من التعامل مع الكتاب والرسامين واختيار المادة المقدمة، الأمر يبدو صعباً.. لكنه غير مستحيل لمن يؤمن به.