الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى الدستور الجديد : العلاج على نفقة الدولة «هبة» تعطى بشهادة فقر!




دستور مصر المقبل يواجه العديد من الأزمات بداية من تشكيل أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور مرورًا بمواده، حيث تعالت الأصوات المحذرة من انحراف الدستور بعيدًا عن الوسطية وسيطرة فصيل بعينه عليه، بل امتد الأمر إلى الانسحاب من اللجنة ورفع العديد من الدعاوى القضائية لبطلانه وأثيرت أخيرًا العديد من المخاوف تجاه مواد الصحة والسكان وباب الحقوق والحريات، العديد من القوى السياسية اتهمت لجنة الدستور بأنها تركت المواطنين فريسة سهلة أمام رجال الأعمال فى مواد الصحة والسكان وقيدت الحريات العامة بدعوى الالتزام الدينى بل إنها أرادت تقييد حرية المرأة، والعودة بها مرة أخرى للخلف من أجل محاربة قوانين سوزان مبارك على حد زعمهم أو مخالفة الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر فى الحريات للشريعة الإسلامية.
 
والمطلع على مواد الدستور فيما يتعلق بمواد حق الصحة والسكن، يشترط حصول المواطن عليهما أن يمتلك شهادة فقر مما يعود بنا لعصر الملكية و«الباشوات» حتى يتمكن من إقناع المسئولين بعدم قدرته على توفير المال اللازم لعلاجه، وذلك لأن الدولة لن تتكفل إلا بمن تراه غير قادر من وجهه نظر المسئولين، وللأسف سيعيق ذلك مساعى عديدة لخصخصة القطاع ودخول رءوس الأموال لتهميش دور الدولة وترك المواطن «البسيط» فريسة لهم.
 
ولعل مواد الحق فى السكن ليست أحسن حظًا من الحق فى الصحة، فهى الأخرى تجرى داخل «التأسيسية» مساعى للتلاعب بها بحيث تصبح الحق فى المسكن وليس السكن والفارق كبير بينهما فلا تلزم الدولة إلا بتوفير «أربع حيطان» ولا يهم ملاءمتهم للمواطن أو كون المسكن آدميا ويراعى حقوق الإنسان، وأيضًا سيكون النصيب الأكبر للقطاع الخاص وسيقتصر دور الدولة على الرقابة والإدارة، فالتأسيسية ترى أن تلك الحقوق «حشو» زائد والدولة ليست ولى أمر المواطن.
 
مما دفعنا نسعى للوصول إلى المواد المتعلقة بالحق فى السكن والصحة للوقوف على مدى صحة تلك المخاوف، وقال عمر عبدالهادى، عضو اللجنة التأسيسية للدستور، إن من يفجرون البلبلة حول مواد الدستور يريدون فقط «الشو الإعلامى والبلبلة» وهم أناس قليلون، فالدولة لن تترك المواطن ومازالت المواد محل النقاش الجماهيرى والإعلامى.
 
وأشار إلى أن المادة رقم 28 بالدستور المقترح وتتضمن الحق فى السكن وتنص على تكفل الدولة المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحى والكساء وهى حقوق مكفولة تلتزم الدولة بالعمل على توفيرها للمواطن، أما بالنسبة للصحة فى المادة 32 من الدستور تنص على أن الصحة الجسدية والنفسية حق مكفول لكل مواطن وتوفر الدولة خدمات الرعاية والتأمين الصحى للمواطنين وفقًا لنظام صحى موحد ويحظر حرمان أى شخص من العلاج لأى سبب فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، وتشرف الدولة على المؤسسات الصحية وتراقب جميع المواد والإجراءات والمنتجات والرعاية المتعلقة بالصحة وتتيح للنقابات الطبية ومنظمات المجتمع المدنى المعنية دورًا فعالاً للإشراف والرقابة الصحية.
 
وحول ما إذا كانت الدولة ستتخلى عن دورها وتقتصر على الإشراف والرقابة والإدارة وهو ما يفتح الباب أمام القطاع الخاص «للتوغل» داخل كيانات الدولة أكد: «المواد مازالت محل النقاش وتلك المواد قابلة للتغيير إذا ما طالبت المنظمات المجتمعية بذلك وأمامنا شهران للانتهاء من الدستور، ولكن بالنقاش وليس بـ«الشوشرة» والبلبلة التى تعوق عمل اللجنة».
 
ويشير دكتور محمد حسن خليل، رئيس حركة الحق فى الصحة قائلاً: «لقد قمنا بعمل ورشة عمل من جميع المنظمات والجمعيات العاملة فى مجال الحق فى الصحة وأبرزها حركة الحق فى الصحة وحركة أطباء بلا حدود من أجل وضع توصيات ليتم الأخذ بها عند المواد المتعلقة ببنود الصحة بالدستور وتم تسليمها، ولكن لم يتم الأخذ بها وكانت تشمل توصيات بمسئولية الدولة عن صحة المواطنين من خلال نظام تأمينى شامل، ولكن تم استبدال تلك المادة بأن تتكفل الدولة بعلاج غير القادرين، ومن هنا يتضح أن الدولة تريد أن تتهرب من مسئولية الصحة لجميع المواطنين ويحدد الدستور الجديد بأن مسئوليتها محصورة على غير القادرين فقط، وفقا للإحصائيات الرسمية الذين يبلغ عددهم نحو 17 مليونا ورغم أن أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر طبقًا للاحصائيات العالمية.
 
اتهم «خليل» اللجنة التأسيسية بأنها حولت الحق فى الصحة إلى هبة تعطى لمن يملك شهادة فقر ولم يكتفوا بهذا بل إنهم ذكروا فى المواد الجديدة، أن الفقراء ستكون لهم بطاقات ذكية توفر لهم السلع المدعمة والعلاج المجانى، أما البقية والذين لا يتمكنون من اثبات فقرهم سيكونون فريسة للقطاع الخاص، وكشف خليل عن إنه وللأسف اللجنة تطبق توصيات البنك الدولى، وسياسات وهى اتفاقية الإصلاح الصحى والتى تطالب بخصخصة قطاع الصحة ونقل تبعية المستشفيات والعيادات الشاملة إلى القطاع الخاص، ونقل تبعية الهيئة العامة للتأمين الصحى للشركة القابضة، لتقوم بإدارة المستشفيات والعيادات التابعة للهيئة على أسس اقتصادية وهو ما رفضناه وقمنا برفع دعوى قضائية عام 2007 وحصلنا على حكم ببطلان التنفيذ لأن الدستور كان يتيح ذلك، ولم يتم تمرير المشروع، أما الآن فالسماح بتمرير مواد الدستور على هذا النحو لن يسمح لنا بحماية الصحة من الخصخصة.
 
ويكمل «لهذا قمنا بالاعداد للمؤتمر القومى السادس للدفاع عن حق المواطنين فى الصحة على أن يكون يوم 26 سبتمبر بنقابة الصحفيين، من أجل رفض مواد الدستور ورفض خصخصة الدولة ورفض تحويل الهيئة الحكومية من تأمين اجتماعى مدعوم إلى تأمين صحى تجارى، وللأسف برنامج الرئيس محمد مرسى كان عبارة عن خطوط عريضة ولم يضمن أى مواد أو التزامات صريحة لحماية حق المواطن فى السكن وللأسف نقيب الأطباء كان موقفه سلبيًا للغاية».
 
وتؤكد د. مني رئيس حركة أطباء بلا حقوق، أن دستور 1971 كان ضامنًا لحقوق المصريين أكثر من النصوص المقترحة الآن، وأن تتم صياغة مواد الصحة بالدستور بشكل عام لا يضمن حق المواطنين، وهو ما دفعنا لنطالب بأن يكون هناك نص فى الدستور ينص على أهمية أن تكون المستشفيات «حرمة خاصة» وأن يتم تحصينها من الانفلات الأمنى وكذلك حق العلاج المجانى بأقسام الطوارئ، وبالنسبة للمؤتمر المقترح عقده فهو من أجل توعية المواطنين بأن الدستور يؤثر على حياتهم اليومية ويجب أن يكونوا على وعى ودرجة من المشاركة.
 
وحول موقف النقابة من مواد الصحة بالدستور الجديد يقول دكتور خيرى عبدالدايم نقيب الأطباء وعضو اللجنة التأسيسية للدستور، إن الحديث الآن عن مواد الدستور المتعلقة بالصحة يعتبر من قبيل خلق الصعاب والبلبلة أمام عمل اللجنة وقد قامت الجهات المعنية بحماية الحق فى الصحة بوضع توصيات وقمنا بإرسالها للجنة وجار مناقشتها ولا يمكن أن تتخلى الدولة عن دورها فى حماية حق المواطن فى الصحة.
 
الحق فى السكن بالدستور
 
وتضيف «الطيبى» أن اللجنة تتلاعب فى الألفاظ من خلال وضع لفظ الحق فى المسكن بدلاً من الحق فى السكن، وهناك فرق كبير بينهما لأن الحق فى المسكن يعني أن تلتزم الدولة بتوفير «أربعة حيطان» ولا يهم أن يكون هذا المسكن ملائمًا من النواحى الاجتماعية والثقافية والمهنية وأن يكون مكتمل الخدمات من صرف صحى وكهرباء ومياه ونظافة وغيرها.
 
وتوضح الطيبى تبعات ذلك قائلة: «أن هذا يعنى أن الدولة تتهرب من مسئوليتها تجاه المواطن وتتركه فريسة للقطاع الخاص ومن ثم يصبح الفقراء خارج حساب الدولة، وأن دستور 1971 كان رحيمًا بهم ورغم أن الدولة كانت من المفترض بعد ثورة يناير أن تتقدم فى مجال الحريات إلا أن الواقع يشير لتراجع رهيب، وسيعقب هذا سياسات وتشريعات رأسمالية متوحشة ولن يكون هناك وجود للمشروعات الوطنية وسيتم تحرير أسعار الايجارات لتتشرد 3 ملايين أسرة.
 
وحول ردود الأفعال حول تلك الممارسات من قبل اللجنة التأسيسية للدستور يتحدث دكتور مصطفى الدمرداش، مدير مركز بحوث السكن سابقًا، أن الدولة الآن من الصعب أن تكون ولى أمر المواطن المصرى وأن التنمية العمرانية هى أساس دور الدولة قبل توفير السكن، فقد كانت هناك سياسة خاطئة تتبعها الدولة وهى توفير السكن للمواطن محدود الدخل دون أن يبذل أدنى مجهود وللأسف تم هذا فى أكثر من مكان والدليل مجتمعات 15 مايو والشروق والتجمع والعبور ولم يسكنها المواطنون وقاموا ببيعها أو تأجيرها، لأنها تفتقد الخدمات العمرانية من مدارس ومستشفيات ومواصلات وليست قريبة من أماكن عملهم، لهذا لم يتمكنوا من ترك أماكنهم العشوائية أو غير الآدمية.
 
وفى النهاية يؤكد «الدمرداش» أن الدستور المقبل لا يجب أن نضعه موضع التشكيك والبلبلة وأنه لا وجود للتلاعب بالألفاظ وأن الدولة لن تترك مواطنيها.
 
 
 
ويكمل دكتور محمود عبدالحى، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة، إن الحق فى السكن مبدأ عام بجميع الدول سواء كان مدرجًا بالدستور أم لم يدرج، ولكن فكرة «شقة لكل مواطن، وأن الدولة توفرها بشكل إلزامى، لا يمكن أن تستطيع الدولة تنفيذ ذلك، حتى فى كبرى الدول الرأسمالية تقوم الدولة بنظام السكن المتعدد الأنواع حيث توفير نظام الاستوديو للفرد الواحد ولا تتعدى مساحته الـ40 مترًا ثم الـ60 مترا لحديثى الزواج ولا يوجد تمليك للأفراد فهى وحدات ملك الدولة أو تشرف عليها الدولة ويترك المواطن بمجرد تغيير ظروفه المالية أو العائلية، ويترك الزوجان منزلهما الصغير بمجرد أن يرزقا بمولود لينتقلا لمنزل أوسع وهكذا، وبالتالى ما يجرى بمصر يعد نموذجًا للعشوائية والدولة كانت تقدم حلولا مبتورة وهذا يبرر هجر المواطن لمساكن الدولة التى لا توجد بها تنمية إما لأن العمر الافتراضى لها انتهى لسوء الخدمات بها أو لافتقارها للتنمية فيفكر فى بيعها أو تأجيرها وتخسر الدولة الدعم الذى وفرته للمواطن محدود الدخل.