الجمعة 21 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سلاح التجويع

سلاح التجويع

على بعد 40 كيلو مترًا، من مدينة القدس، عُقد مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة فى غزة رفيع المستوى بمنطقة البحر الميت بالأردن، الثلاثاء بدعوة مصرية أردنية بمشاركة الأمم المُتحدة.



المؤتمر ثلاثى الرئاسة، دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله الثانى ملك الأردن وأنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، سعيًا لحشد الجهود الدولية لاستجابة إنسانية طارئة، لانتشال الشعب الفلسطينى من مخالب الموت والدمار الذى خلف أزمة إنسانية غير مسبوقة.

وما بين قمة القاهرة للسلام السبت ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣، ومؤتمر البحر الميت ١١ يونيو الجارى، مواجهات مصرية دبلوماسية باسلة لإبطال مفعول أحد أخطر الأسلحة الصهيونية، المستخدمة لتحقيق الهدف الرئيسى للمحتل الغاصب للأرض الفلسطينية. 

هذا السلاح الأخطر، تحدث عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل وضوح، «سلاح التجويع والحصار»، لجعل قطاع غزة «غير قابل للحياة»، لتحقيق الهدف الرئيسى وهو تهجير قسرى للشعب الفلسطينى من أرضه وتصفية القضية.

لذا، يخوض نتنياهو وعصابته المتطرفة، حرب إبادة وصفها الرئيس السيسى بـ«انتقامية، تدميرية، ضد القطاع، وأبنائه، وبنيته التحتية، ومنظومته الطبية».

حرب تستهدف قتل كافة سُبل الحياة، بالتزامن مع قتل المدنيين والأطفال والأطقم الطبية والإغاثية حتى العاملين بالمنظمات الدولية.

يرتكب الاحتلال جرائمه، يسحق بآلته التدميرية القوانين والمواثيق الدولية والمعايير الإنسانية والأخلاقية، ففى البيان الختامى أعرب رؤساء المؤتمر، عن قلقهم البالغ إزاء الخسائر الفادحة فى صفوف المدنيين، وإعاقة المحتل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين تتزايد حاجتهم إلى الدعم والمساعدة.

أدان رؤساء المؤتمر فى بيانهم الختامى، الهجوم على الإنسان والبنيان، ٢٥٠ هجومًا على مدارس وكالة الأمم المتحدة للإغاثة، والمبانى التى تؤوى النازحين وقتل ما لا يقل عن ١٩٣ من موظفى الأونروا وما لا يقل عن ١٣٥ من أطفالهم.

نحو ٣٠ ألف شهيد فلسطينى، ٨٠ ألف جريح، و٥٠ ألف طفل رضيع يعانون نقص الغذاء والدواء، بحسب الأمين للأمم المتحدة، يستشهد الأطفال الرضع جوعًا لعجز أسرهم عن العثور على عبوة لبن الأطفال.

جدد الرئيس السيسى فى كلمته تحذير مصر من خطورة الحرب وتبعاتها، والتداعيات الجسيمة للعمليات الإسرائيلية فى مدينة رفح الفلسطينية، وتعمد الاحتلال إعاقة التدفقات الإغاثية التى كانت تدخل القطاع بشكل رئيسى من معبر رفح.

شدد الرئيس السيسى من جديد على أن الحلول العسكرية والأمنية لن تحمل لمنطقتنا إلا مزيدًا من الاضطراب والدماء، مؤكدًا أن السبيل الوحيد يكمن فى العلاج الجذرى للصراع، لإحلال الأمن والسلام والاستقرار والتعايش فى المنطقة، وهذا العلاج الجذرى هو حل الدولتين ومنح الشعب الفلسطينى حقه المشروع فى دولته المستقلة.

تلك الدولة المستقلة، ترى مصر أنها يجب أن تكون قابلة للحياة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وأن تحظى بعضوية كاملة فى الأمم المتحدة.

موقف ثابت ورؤية ثاقبة 

إن المدقق فى تطورات الأحداث والتعاطى المصرى معها، يكتشف أن موقف مصر من القضية الفلسطينة ثابت، ورؤيتها ثاقبة، وقراءتها للأسباب والأهداف والأسلحة المستخدمة والعلاجات الجذرية المناسبة واضحة.

فمنذ اللحظات الأولى لاندلاع العدوان الأخير على قطاع غزة، حذرت مصر من اجتزاء القضية من سياقها، فجذور الصراع وأسبابه أبعد من أحداث ٧ أكتوبر الماضى، وواهم سياسيًا من يظن أن الوضع القائم قابل للاستمرار.

أكد الرئيس السيسى فى قمة القاهرة للسلام أكتوبر ٢٠٢٣، على أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث وفى كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبدًا.

راهنت مصر فى كلمتها فى قمة القاهرة للسلام على صمود الشعب الفلسطينى، وقال الرئيس بلسان مصرى مُبين: «يخطئ فى فهم طبيعة الشعب الفلسطينى، من يظن أن هذا الشعب الأبيّ الصامد راغب فى مغادرة أرضه حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال أو القصف». 

وقد أثبتت الشهور الثمانية التى شهدت ارتكاب الاحتلال لجرائم حرب وإبادة جماعية، أن شعب فلسطين صامد فى مواجهة حصار القتل والتجويع والترويع، بقى شعب فلسطين غارسًا جذوره فى أرضه متشبثًا بها، بينما تهاوت معايير العدالة الدولية والضمير الإنسانى والثقة فى كل قيم المجتمع الدولى.

أثبتت الأيام والآلام صدق الرؤية المصرية، فبدأ العالم يعترف بحق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة التى طالما طالبت بها مصر، وأكدت أنه لا سبيل لتحقيق الاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط بدونها.

وعلى هامش قمة البحر الميت، أمس الأول عقد الرئيس السيسى ثمانية لقاءات مع قادة وزعماء، جميعهم أكدوا توافقهم مع الرؤية المصرية لحل الدولتين، مشيدين بجهود مصر التفاوضية والسياسية والإغاثية دعمًا للأشقاء وسعيًا لوقف دائم لإطلاق النار.

من بين اللقاءات «بيدرو سانشيز» رئيس وزراء إسبانيا، الذى اتخذ قرارًا تاريخيًا بالاعتراف بدولة فلسطين، والذى أشاد بجهود مصر المستمرة على كافة الأصعدة السياسية والإنسانية والوساطة لوقف إطلاق النار، وكذا لقاء «روبرت جولوب» رئيس وزراء سلوفينيا الذى اعترف بدولة فلسطين. 

فضلًا عن لقاء الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، والملك عبدالله الثانى، وشارل ميشيل رئيس وزراء المجلس الأوروبى وبول كاجامى رئيس رواندا، وما تخلل تلك اللقاءات من بناء لمواقف مشتركة داعية لإنفاذ المساعدات ووقف دائم لإطلاق ودعم حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المُستقلة.

وقف إطلاق النار آتً لا محالة 

وقف إطلاق النار قادم لا محالة، فأمام الصمود الأسطورى للشعب الفلسطينى، وخسائر المحتل سيتوقف إطلاق النار للأسباب التالية:

١- يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، فشعب فلسطين صامد يحتسب قتلاه شهداء أحياء عند ربهم، ومن بقى صامدًا رغم تعاظم الآلام والمعاناة، لكن فى المقابل المحتل يتكبد خسائر بشرية تزايدت أعدادها فى الأيام الأخيرة بما يفوق قدرته على الاحتمال.

٢- خسائر الاحتلال الاقتصادية وتآكل صورته الذهنية حول العالم، وهى التى أنفق على صناعتها مليارات الدولارات وآلاف الأكاذيب، يدفعه للتراجع مع عجزه عن تحقيق أهدافه.

٣- شروخ الجبهة الصهيونية الداخلية، وتزايد الخلافات بين قيادات الحرب، مع ضغوط أسر المحتجزين المطالبين بعودة أبنائهم.

٤- توازنات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وضغوط اللوبى العربى والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية واللوبى الصهيونى على الطرف الآخر، يدفع إدارة بايدن للخروج من المأزق بمبادرة تنقذ بايدن انتخابيًا، وتقدم طوق نجاة يحفظ ماء وجه نتنياهو الذى فشل فى تحقيق أهدافه المعلنة والخفية. 

وربما زيارة أنتونى بلينكن وزير خارجية أمريكا للمنطقة، وهى الثامنة خلال ثمانية أشهر عدوان، لوضع اللمسات الأخيرة على مبادرة أعلنها بايدن منسوبة إلى نتنياهو، تلى الإعلان قرار مجلس الأمن الصادر ١٠ يونيو بوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين.

السلام فى المُستقبل

 ٥٠٠ ألف طفل مهددون 

تحقيق مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لنتائج عملية أصبح ضرورة ملحة، فالبطون الجائعة والأطفال الرضع لن ينتظروا وقف إطلاق النار، لإيجاد ما يسدون به رمقهم للبقاء على قيد الحياة، على الضمير أن يستيقظ قبل أن يفيق على صدمة الارتطام بالهاوية.

لذا، دعا المؤتمر وشدد رؤساء مصر والأردن والأمم المتحدة على معالجة أولويات التعافى المُبكر فى القطاع وهى احتياجات أبسط سُبل الحياة: (المأوى والصحة والتعليم والمياه والصرف الصحى) لإنقاذ ٥٠٠ ألف طفل ما بين الميلاد وسن البلوغ، لأن تهديد حياتهم وصحتهم يهدد السلام فى المُستقبل 

ما بعد العدوان 

اليوم التالى لوقف إطلاق النار، يشغل تفكير كافة الأطراف، ولعل ما نادى به المؤتمر من ضمان الظروف اللازمة لعودة الفلسطينيين المُهجرين فى غزة، وتكثيف الجهود الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وإطلاق مسار صادق لا رجعة فيه عن خيار تنفيذ حل الدولتين.

إن حجم الدمار الذى لحق بالقطاع، يتطلب تكاتفًا دوليًا لإنقاذ شعب فلسطين المهدد بالإبادة، وإعادة الحياة للقطاع، وسط تحذير مهم من تردى الأوضاع فى الضفة الغربية، لما يرتكبه الاحتلال من جرائم فى مقدمتها توسعة الاستيطان.

ويبقى الأهم مواصلة العمل على إنفاذ المساعدات بكميات كافية للقطاع، فهذه هي المواجهة التى لا بديل عنها لإحباط مفعول سلاح التجويع والحصار، ودعم بقاء شعب فلسطين على أرضه.

تلك المساعدات التى حذر الملك عبدالله الثانى ملك الأردن، من أن تخضع لأجندات سياسية فلا يمكن أن تنتظر التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.

نشارك أشقاءنا فى فلسطين آلامهم، ونشاطرهم أحزانهم، فرحة عيد الأضحى منقوصة، نسأل الله أن يربط على قلوب المكلومين منهم، وأن يقوى عزيمة الصامدين، وأن ينهى معاناتهم ويعيد عليهم تلك الأيام المباركة بالخير واليمن والبركات..

كل عام وحضراتكم ومصر وفلسطين وأمتنا العربية والإسلامية بخير.

حفظ الله مصر