الجماعات الأصولية وتدمير العالم

مصطفى أمين
إعداد - مصطفى أمين
العنف.. الإرهاب.. القتل.. السيطرة على الحكم.. كلها مظاهر سادت خلال الـ 14 عاما الماضية وتحديدا منذ سبتمبر 2001 وقت تفجير برج التجارة العالمى.. وزادت التيارات الأصولية والإرهابية والمتطرفة التى ترغب فى إثبات أحقيتها فى فرض معتقداتها وفكرها وأيديولوجياتها على الجميع.. وتحارب من لم ينتم إليها على سبيل التكفير.. ونتناول فى هذه الصفحة 3 دراسات حديثة تسرد الواقع فى 3 نقاط مختلفة أولها «لماذا ينضم الأوروبيون لداعش؟» وتكشف فيها حجم موجة الخوف من المهاجرين لأوروبا، والقلق من العولمة التى تسببت فى انتقال التطرف للأوروبيين.. و«موقع المرأة فى النظام السياسى الإسلامي» وتعرض أمور اً عن تولى المرأة مناصب سياسية من عدمه من منظور أفكار متطرفة مختلفة.. و«ذهنية التكفير.. الأصوليات الإسلامية والعنف المقدس» وتفسر أسباب تنامى ظواهر العنف والإرهاب فى العالم المعاصر.
كانت ظاهرة العنف والإرهاب فى العالم المعاصر، محور كتاب «ذهنية التكفير.. الأصوليات الإسلامية والعنف المقدس» للمؤلف الدكتور حسن حماد والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2015 فى 160 صفحة، حيث بدأت الشرارة الأولى فى تونس، ثم انتقلت إلى بعض الدول العربية، ومن ثم تحولت إلى خريف لبعض هذه الدول بعد أن وصل تيار الإسلام السياسى إلى سدة الحكم، وصولا إلى إعلان تنظيم الدولة «داعش» فى العراق والشام بقيادة «أبوبكر البغدادي».
وجاوب الباحث فيه عن العديد من الأسئلة التى تشغل الرأى العام المحلى والعالمي، والتى تدور حول أسباب تصدر التيار الأصولى المشهد السياسى المعاصر بهذه الصورة المرعبة؟ ولماذا ينشغل العالم بهذا الضجيج أو الصخب الذى لا ينتهى حول الخطر الإسلامي؟ ولماذا لا نجد مثيلا لذلك فى الديانات الأرضية؟.
وأرجع السبب إلى أن الإسلام وغيره من الأصوليات الإبراهيمية الأخرى يضفى دائما على ممارساتها السياسية طابعا جهاديا إرهابيا وتسلطيا، حيث إن كل ديانة تعتقد أنها الديانة الصحيحة على الإطلاق، وينتقل هذا الاعتقاد إلى تلك الفصائل والجماعات التى تنتمى إلى الإسلام وتتخذ من الوهابية مرجعية لها، والإخوان فى مصر والجماعة الإسلامية فى باكستان والقاعدة وداعش بالعراق والمؤسسات الدينية الرسمية بالدول، وكل فرقة تعتقد أنها الناجية، وتعتقد كل منها أن باقى الفرق أقل تدينا وجماعات ضالة تنتمى الى حزب الشيطان.
ويؤكد أن هناك عوامل اقتصادية وسياسية وثقافية ونفسية تقف وراء تزايد ظواهر التطرف والعنف والإرهاب فى واقع الثقافة المصرية، وتساعد على إعادة إنتاج الخطاب المتشدد لجماعات الإسلام السياسي، ويقسم الكاتب تلك العوامل إلى ذاتية وموضوعية، ولخص أولها فى 4 عوامل تتصدرها الأزمة الاقتصادية والخواء السياسى والتى كانت بدايتها مع العهد الساداتى حيث سيطر مناخ الانفتاح الاقتصادى وقتها، فأغلقت المصانع الكبرى أبوابها وتحولت الصناعة إلى المنتجات الاستهلاكية، وتضخم حجم الاقتراض، وزادت معدلات التضخم، وتدنت قيمة الجنيه المصري، وزاد معدل البطالة بين الشباب وتزايدت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتحولت الأحزاب السياسية المعارضة إلى ورقية لصراعها على رضا السلطات، فأصبحت الساحة خالية ومهيأة لاستقبال أى اتجاهات دينية سياسية أو فاشية.
وثانى العوامل الذاتية هى هيمنة السلطة الأبوية وغياب الحرية، وتمتد للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والنخبة والجمهور، والرجل والمرأة، وفى اللغة، والعامل الثالث هو تدنى التعليم، وتفشى الجهل والخرافة، حيث أن النظام التعليمى المتدنى هو المسئول عن اغتراب العلم وانفصاله عن الحياة اليومية للمجتمعات الفقيرة والنامية، فيكون الفرد مؤهلا للإيمان بالخرافة، ورابع العوامل هو تزايد مشاعر اليأس والخوف والتطلع لمجىء المخلص، وتعتبر تلك المشاعر السلبية شرطا أساسيا لترويج الأفكار والمبادئ الفاشية ومنها «الأصوليات الدينية» التى تلعب على مشاعر الجماهير البائسة، وتغازل رغبتها المتأججة للبحث عن مخلص يأخذ بأيديها وينقذها من عثراتها.
أما العوامل الموضوعية للتطرف والتى تنتمى للعالم الخارجى - حسب الكتاب - فهى عادة ما تقع خارج السيطرة فى الدول الفقيرة، فمنها سقوط النظام الشيوعي، والذى كان بمثابة إعادة هيكلة وصياغة للواقع السياسى والاقتصادى والثقافى للعالم، فالتحولات التى أحدثها هذا السقوط لا تقل عن تغييرات الحربين العالميتين الأولى والثانية، فانتعشت كل القوى العنصرية القديمة، وتوارى الصراع السياسى ليتحول إلى صراع بين المسيحيين والمسلمين، أو اليهودية والاسلام، أو الشيعة والسنة.
ومن العوامل الموضوعية الغزو الأمريكى للعراق والذى شكل بداية مرحلة جديدة من تاريخ التطرف والإرهاب، إضافة إلى عولمة الإرهاب بداية من أحداث 11 سبتمبر 2001 وتفجير برج التجارة العالمي، حيث عبرت والتى عبرت عن تحولات عديدة فى أسلوب وأهداف الحركات الأصولية المعاصرة، وهى تحولات تفجر عشرات الأسئلة حول المستقبل المجهول الذى ينتظر العالم، كاتساع نطاق العمليات الإرهابية واجتذاب تنظيماتها لعناصر شبابية جديدة تمثل الجيل الرابع فى الحركات الأصولية، وأكدت هذه الأحداث أن آثار الماضى لم تندثر بعد.
ويتناول الكتاب فى فصله الثانى الأصولية كبنية منتجة للإرهاب ويحاول فيه الاقتراب من العلاقة المتأزمة بين الدين والسياسة فى مصر، من خلال التعرف على فكر جماعات الإسلام السياسي، ورغم أن تعبير «الاسلام السياسي» أجنبي، إلا أنه صالح للاستخدام على صعيد التحليل السياسى والثقافى لتوصيف القوى السياسية التى تتخذ من الإسلام أيديولوجية تتضمن نقدا للمجتمع القائم، وسببا لتحقيق المجتمع المنشود، سواء كان بالعنف أو غيره.
ويرتبط مصطلح «الإسلام السياسي» بظهور جماعة الإخوان فى مصر، والجماعة الإسلامية فى باكستان، ورغم الاختلافات فى بعض الجوانب الفكرية للجماعتين إلا أنهما اشتركا فى عدة أهداف وغايات، منها أن الإسلام هو الأيديولوجية الشاملة للحياة الشخصية والجماعية للدولة والمجتمع، وأن القرآن والسنة وقيم المجتمع الإسلامى الأول هى دستور الحياة اليومية للمسلمين، كما أن الشريعة هى منهج المجتمع الإسلامي، وأن أهم أسباب تراجع المسلمين هى الابتعاد عن الإسلام والاعتماد على الغرب، وأن العودة إلى صحيح الدين هى الطريق الوحيد لاستعادة الهوية والنجاح والقوة والثروة واستحقاق الفوز بالآخرة، وبالتالى يجب تسخير العلم والتكنولوجيا فى إطار إسلامى وليس بالاعتماد على الثقافة الغربية، وذلك لتجنب تغريب وعلمنة المجتمع، وأن الجهاد واجب وفريضة على المستويين الشخصى والمجتمعي، وعلى مستوى الأفكار والعمل وهو السبيل للثورة الإسلامية، ولتحقيق أسلمة ناجحة للمجتمع.
ويتناول الكاتب الطابع العنيف لجماعات الإسلام السياسي، والخصائص الذهنية للعقل الأصولى الذى يقدس الماضى ويتحرق شوقا للعودة لأرحام المرجعية فى الفقه واللغة والأفكار، ويتسم بعداواته للتفكير العلمى وانجذابه للاعقلى والأسطوري، ويعجز عن إدراك أن للحقيقة عدة أوجه وليس وجها واحدا، وفى الفصل الثالث والأخير يتناول الكاتب التحليل النفسى للعنف المقدس، والذى يقوم فيه بمناقشة الأبعاد السيكولوجية للإنسان المتطرف، ويوجزها فى التعصب الشديد والنرجسية والتمحور حول الذات.
ويختتم الكتاب بكلمة أخيرة يقول فيها أن أزمة الإرهابى الأصولى ليست فى امتلاكه لفكرة مطلقة فحسب، بل تكمن فى أنه يريد فرض مسلماته على الآخرين، وأنه لا يطيق أن يحيا فى عالم مختلف، ولا يتحمل وجود حقائق أخرى غير حقيقته فى العالم، فهو ذو ذهنية قمعية مسكونة بهوس الاصطفاء والنقاء والطهر والتحريم والاستعلاء على الآخرين.