الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. حبيبان

واحة الإبداع.. حبيبان
واحة الإبداع.. حبيبان




كتبتها - فاتن فاروق عبد المنعم
يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات بريشة الفنان حسنى البنانى

ضع لهما اللون الذى ترغبه حسب ذوقك الشخصى تراهما فيه أمثولة لكل باحث عن الحب، وأضف حولهما ماتشاء مما يجعلهما متميزين فى كل شيء، ارسم بقلمك مدينتهما ولكنهما ليسا فى المدينة الفاضلة، رحابة كونية يستشعرانها فهما لايعيشان فى مكان مؤطر بحدود، مقبلان على العالم بكل مابه من قبح وجمال فبهما من القبح  قدر ما بهما من الجمال، إذا إلتقيا تجلى جمالهما لهما وللعالم وإذا احتجبا عن بعضهما البعض تجلى فيهما القبح، قررا ألا يحتجبا مرة أخرى لتقليص القبح فى المدينة، إلتقيا ليتحديا الغياب وتنقشع غيومه، تشابكت أيديهما فى إصرار لايمكن تجاوزه، أشاحا قبحهما بهدوء فعادا بنفس النظرة الأولى والكلمة الأولى ليصعدا إلى البريق الذى اختفى وأفل فيشعلان جذوته ويتجلى مرة أخرى.
هما من صناع الجمال وناظميه، عادا إلى ألق الإخفاق الأول فيذعنان من جديد كأنهما مقودان إلى حيث هما، يتحاذيان سيرا إئتلاقا جديدا لطائرهما الجميل، يحلق فى فضائهما ينسج حولهما غلالة حريرية الملمس، مخملية الجو وفى طريقهما غير المعبد رأيا مخلوقات تشبه البشر ولكن اللهيب يتصاعد من عيونهم، ويطلقون صيحات قلوبهم المضطرمة فلا يهابانهم بل يزدادان تشبثا ببعضهما البعض ويقرران القفز السريع ليتجاوزنهم ويجتازان اللهيب الذى نالهما من سخونته فينجحان ويصبحان أكثر قوة وارتباطا ببعضهما البعض، يتندران معا ويضحكان معا على ضيق أفقهم ظنا منهم أنهم سيستطيعون النيل منهما.
براق الحب يحملهما إلى حيث يريدان، طوعا يأتمر بأمرهما، يختاران معا المكان اللذان سيحلان فيه ليفيضا على العالم القبيح من أريجهما، مازال طائرهما يحلق حولهما كأنه حارسهما الشخصي، يقودهما إلى سفوح لم تطأها قدم من قبل، يروى لها بأريحية وتروى له بنفس الأريحية، مفردات جديدة لم تطرق من قبل تضاف إلى قاموس اللغة، أى لغة تدهشهما رغم أنهما الناظمان لها، فالمفردات القديمة أصبحت تضيق بما يجيش به صدريهما، فى مملكة العشاق أصبحا ملكين يصوغان ميثاق الدخول إليها وشروط العضوية فيها، فيالها من دنيا جديدة يقتحمان بها الراغبين فيها.
من جديد تبرق تلك الأجساد الملتهبة فيتشبثان ببعضهما مرة أخرى ويقفزان ويتجاوزان نفوسا تضيق بنفسها، اعتادا تجاوزها والعبور إلى بر الأمان فلن يهابانهم مرة أخرى.
فى حضرة سرب مختار من اليمام والقطا حلقا صعودا وهبوطا منتظما كأنها معزوفة موسيقية يجيدان صياغتها، إبطاء وإسراع حسبما يقتضى الحال، عاصفة محملة بنوات مختلفة الألوان أحاطت بهما، يحاولان الإفلات منها فلا يتمكنان ولم يكن أمامهما سوى أن يلقى كل منهما الآخر فى يم موسى حتى يحظيا بالنجاة، لكن اليم كان لجى مليء بالدوامات التى سبحا فيها مختارين، ومن الظلمات التى بعضها فوق بعض أخذ كل منهما يدعو ربه بدعوة ذى النون: «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين».
ومازالا يسبحان وما استطاعت الدومات أن تحجب عنهما صوت أنفاسهما المتلاحقة كأنها الشفرة التى بها يصران على التجاوز والوصول معا إلى بر الأمان، خارت قواهما، أوشكا على الاستسلام، هدأت حركاتهما، أمواج عاتية عالية ظنا أنها النهاية وأنها ستقذف بهما إلى المجهول والذى حتما سيكون يم الهلاك، وقد يبتلعهما حوت لن يلفظهما.
كان الموج فى ظاهره العذاب وفى باطنه الرحمة فقد قذف بهما إلى الشاطيء حيث نور الشمس الذى غاب عنهما كثيرا فاستصعب عليهما النظر إليه من فجاجته، غير مصدقين أنهما تحت الشمس من جديد.
يتنفسان الصعداء، من حولهما الهواء طرى النسمة والشمس شعاعها حانى وهما مبتلين كطفلين خرجا لتوهما من رحم أمهما، يبتسمان لبعضهما البعض رقراقين غير مصدقين ماكانا فيه وما انتهيا إليه، يجاهدان للوقوف، يتكيء كل منهما على الأخر وكأن الأخر عصاه ذات المآرب المتعددة، أخيرا انتصبت قاماتهما، يخطوان الخطو الأول كأنهما يتعلمان السير لأول مرة، متعثرا، متمهلا، فهرولة، وعندها انطلقا مرة أخرى مكتسبين بالتجربة قوة من نوع جديد.