«الموت أو الجنون» نهاية منقبى الآثار بقنا
حسن الكومى
قنا ـ حسن الكومى
تحولت محافظة قنا، جنوب الصعيد، الى قبلة للباحثين عن الآثار ومطمعاً لكثير من أبناء المحافظة والمحافظات المجاورة بحثا عن الثراء السريع، وهروباً من الفقر المدقع، ما جعلها تحظى بشهرة عالمية فى مجال البحث والتنقيب عن الآثار، حيث إن إحصائية لمنظمة الليبو العالمية للسياحة والآثار، صنفت محافظة قنا كأكبر منطقة فى العالم لتهريب الآثار، بسبب امتلاكها نحو 60 موقعاً أثرياً يمثل مختلف العصور التاريخية الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية، لكن الإهمال وغياب الوعى يعرضون تراثها للنهب والسرقة.
وتكثر عمليات الحفر والتنقيب خلسة بقرى المحافظة، حيث اجتاحت حمى التنقيب قرى المراشدة بمركز الوقف، وكرم عمران، والجبلاو، ودندرة، والطويرات، والترامسة بمركز قنا، وهو بمركز نجح حمادى، والنواهض بأبوتشت، وأسمنت بمركز فقط، وقريتى أبودياب وفاو بمركز دشنا.
ويتخذ المنقبون من «الطرنشات» ستاراً للحفر والتنقيب داخل المنازل بحجة حفر بيارات للصرف، مستغلين فترات الجفاف من كل عام للحفر على مسافة أمتار عميقة، معتمدين على الدجالين والمشعوذين، الأمر الذى تسبب فى تصدع المنازل وتشققها وتعرضها للإنهيار.
بداية يقول حسين عبدالفهيم، موظف: إن هوس التنقيب عن الآثار وحلم العثور على اللقية يسيطر على عقول قطاع كبير من أبناء المحافظة ومن أجل ذلك يحفرون فى منازلهم لأمتار عميقة بحجة حفر طرنشات، فى ظل توقف مشروعات الصرف الصحى، وإهمال الحكومة لها، مستغلين فترات الجفاف فى شهرى ديسمبر ويناير للحفر على مسافات عميقة، ما يتسبب فى تصدع العديد من المنازل وانهيارها.
ويشير عبدالفهيم إلى أن كثرة عمليات الحفر خلسة عززت انتشار جهاز الكشف عن المعادن وأصبح فى متناول كثير من الأهالي، منوها إلى أن أجهزة الأمن تمكنت خلال الفترة الماضية من ضبط تشكيل عصابى مكون من 7 أشخاص يقوده طبيب، وباحث بمركز بحوث الصحراء، وأستاذ جامعى، للتنقيب عن الآثار فى منزل بقرية العليقات بمركز قنا، وعثر بحوزتهم على أدوات التنقيب، بالإضافة إلى جهاز «جى بى أس» المستخدم فى كشف المعادن عبر الأقمار الصناعية.
أما محمد صلاح، طالب جامعى، يقول: الكثير من الشباب تحولت حياتهم إلى جحيم بعدما ضحوا بالغالى والنفيس من أجل العثور على الكنز بعد إيهام الدجالين والمشعوذين لهم واستنزاف جيوبهم بحجة جلب البخور أو ما يسمى بـ«الطقش المغربى»، حيث إنهم يدفعون الأموال بلا وعى فى ظل انتشار الأساطير والروايات عن الكنوز المدفونة فى باطن الأرض، ومنهم من وجد ضالته وتحول إلى دجال ومشعوذ للهروب من شبح البطالة فأصبح يرتدى الثياب والعمم ويمسك المسبحة الطويلة ويتنقل بين القرى لتحديد وكشف أماكن الكنوز.
ويلفت صلاح إلى أن رحلة البحث عن «الوهم» غالبا ما تنتهى بالموت داخل حفرة، إثر انهيارها عليهم بعد الحفر لأمتار عميقة، أو يصابون بالجنون بسبب ما ضحى به من أموال، أو ينتهى به الأمر إلى الوقوع فى أيدى أجهزة الأمن.
ويقول محمد مصطفى، باحث آثرى: إن التنقيب خلسة عن الآثار واللقايا أصبح حلم الثراء السريع الذى يسيطر على عقول الكثير من أهالى قنا، فقيرهم وثريهم على السواء، ما يجعلهم أرض خصبة للنصب والسرقة من قبل الدجالين والمشعوزين الذين يسحرون اعين الناس أو يجلبون بعض الآثار المقلدة ليتمكنوا من استنزاف أموال المغيبين، منوها إلى أن البعثات الأثرية المسئولة عن عمليات التنقيب تستند فى عملها إلى عمل مجسات ومسح طوبوغرافى للمكان المراد التنقيب فيه فى تلال آثرية محددة بها شواهد آثرية.
وينوه مصطفى إلى أن الدجالين يقومون ببعض الحيل لخداع الضحية، حيث يقوم الدجال «الشيخ» ـ عادة ما يكون شابا وافدا من إحدى محافظات الوجه البحرى ، وباتفاق مع أحد أهالى البلدة التى سوف يقصدها، بدفن بعض القطع الأثرية فى حفرة ويردمها فى بيت ذلك الرجل المشارك له فى عملية النصب, ثم يدعو الرجل بعض المواطنين المستهدفين النصب عليهم لحضور استخراج الكنوز من تحت الأرض التى سبق أن دفنها.
ويتابع: بعد مشاهدة الكنوز الوهمية يتهافت ضعاف النفوس إلى بيته كى يستخرج له منه بعض الآثار، من هنا تبدأ عملية السرقة والنصب، حيث يقوم المشعوز بطلب أموال لاستجلاب بعض البخور لتحضير الجان الذى يقوم باستخراج الآثار، وما أن يحصل على الأموال التى تقدر بالآلاف يهرب بها.
ويلفت الباحث الأثرى إلى أن الآثار لا توجد فى الأراضى الطينية المعدة للزراعة، إلا نادرا، حيث توجد الآثار دائما فى الجبانات والتلال الأثرية التى تقوم وزارة الدولة لشئون الآثار بالإشراف عليها، مطالبا بضرورة تغليظ العقوبة على المنقبين خلسة عن الآثار والدجالين والمشعوذين المنتشرين بالمحافظة.
من جانبه كشف مصدر أمنى عن أن مدرية أمن قنا وشرطة السياحة والآثار تتلقى بشكل شهرى مايزيد عن 15 بلاغًا عن عمليات حفر وتنقيب داخل المنازل خلسة، خاصة فى فصل الشتاء، منوها إلى أن المديرية تتعامل مع كل البلاغات بشكل جدى وتتحرك على الفور لإحباط عمليات التنقيب والقبض على المنقبين.