الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الصوم أحب الأعمال إلى الله فى يوم عرفة لغير الحجيج




يتساءل الكثيرون مع وقوف الحجيج على جبل عرفات عن كيفية تحصيل الثواب فى هذا اليوم الذى يباهى الله فيه بعباده، ويغفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، ولقد أكد العلماء أن هناك العديد من الطاعات والأعمال التى يمكن لغير الحاج القيام بها فى هذا اليوم لتحصيل ثواب كبير وعلى رأسها الصوم .
 
فمن جانبه يقول الشيخ محمد حسان الداعية السلفى ان أحب الأعمال يوم عرفة لغير الحاج هو الصيام فقد سئل النبى عن صوم هذا اليوم لغير الحاج فقال بأبى وأمى وروحى انه يكفر السنة الماضية والباقية أى يكفر الذنوب ومن منا لا يحتاج إلى ذلك العرض الكبير من الله بالغفران، فمن لم يقدر له الحج فعليه أن يسعى لتحصيل الثواب بالصوم فى هذا اليوم.
 
وعن فضل يوم عرفة قال حسان: إن النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع قال لقد أتانى جبريل واخبرنى أن الله قد غفر لأهل عرفه وسأل النبى هذا لنا خاصة هل لأنك معنا يارسول الله قال هذا لمن أتى بعدنا إلى يوم القيامة صدق رسول الله، وفى رواية مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:[ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهى بهم الملائكة فيقول جل وعلا:ما أراد هؤلاء].
 
من جانبه يشير د. محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الاسلامية إلى أن فضل يوم عرفة لا يقتصر على الحجاج وإنما يشمل المسلمين جميعا، حيث سن النبى صلى الله عليه وسلم صيام هذا اليوم المبارك لغير الحاج فصيامه يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة مستقبلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده» وقال عبدالله بن عمر رضى الله عنهما عن صوم يوم عرفة: كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدله بصوم سنتين.
 
أضاف أن للدعاء فى يوم عرفة خصوصية زائدة على الدعاء فى غيره من الأوقات، لكثرة ما يجود به الله تعالى على عباده فى هذا اليوم، ولعظيم ما يتفضل به عليهم من إجابة دعائهم، وتحقيق مرادهم، وقبول رجائهم وبلوغ أمانيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير» حتى إن الشيطان ليخنس، فما يرى يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل رحمة الله تعالى وتجاوزه عن ذنوب عباده، وعتقه لرقابهم من النار.
 
وشدد على أن من أعظم الأعمال التى يتقرب بها المسلم لربه تعالى فى يوم عرفة إدخال السرور على المساكين، والسعى فى قضاء حاجات الفقراء والمحتاجين، فهنيئا لمن يقف على عرفات، وهنيئا لمن صام يوم عرفة من غير الحجيج، وهنيئا لمن اغتنم هذه الأيام فى التقرب إلى الله، وسعى فى مرضاة مولاه، فنصب قدميه لله قائما وتصدق وأعطى من ماله باذلا متقربا، وعمر وقته بذكر الله تعالى وبتلاوة كتابه، وبر والديه ووصل أرحامه وصفى قلبه وكظم غيظه وأصلح نفسه، وتجاوز عمن أساء إليه، وسابق إلى خصال الخير، قال الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون).
 
صوم مؤكد
 
من جانبه يوضح الدكتور عبد الفتاح فاروق المشرف العام على تحفيظ القرآن بالجمعية الشرعية أن صيام يوم عرفة مؤكد لغير الحاج لما ثبت عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عن صوم عرفة انه قد يباعدِ بينك وبين النار مئات الأعوام بصوم، هذا اليوم وبقية الأيام: (ما من عبد يصوم يومًا فى سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا.
 
وقال من أراد أن يفعل شيئًا مثل الحجاج ويأخذ ثوابه كاملا فعليه بالصوم يوم عرفة والطاعات والتقرب لله بالصدقات، كما على المضحى ألا يحلق ظفرا اوشعرا مثل الحاج ولو شعرة واحدة، موضحا   أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :( إذا رأيتم هلال ذى الحجة وأراد أحدكم أن يضّحى فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفى رواية ( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحى ) ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدى، فقد قال الله تعالى: ( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وهذا النهى ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر.
 
 وطالب د. فاروق غير الحاج فى تلك الأيام بأن يعيش طاعة الله عمليا بالتوبة والإقلاع عن المعاصى وجميع الذنوب، حيث يترتب على ذلك المغفرة والرحمة، فالمعاصى سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله يغار وغيرة الله أن يأتى المرء ما حرم الله عليه).
 
واستطرد قائلا: من المستحب فى يوم المغفرة « يوم عرفة» حفظ الجوارح عن المحرمات مطلقاً فى هذا اليوم.... ففى الحديث «يوم عرفة، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له» (مسند الإمام أحمد).
 
كما شدد على أهمية الإكثار من شهادة التوحيد بصدق وإخلاص.... ففى الحديث «كان أكثر دعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, بيده الخير وهو على كل شىء قدير)» (مسند الإمام أحمد)، وفى رواية الترمذى «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلى (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)».وايضاكثرة الدعاء بالمغفرة والعتق من النار .... فإنه يُرجى إجابة الدعاء فيه, وكان من دعاء على بن أبى طالب (اللهم اعتق رقبتى من النار وأوسع لى من الرزق الحلال واصرف عنى فسقة الإنس والجان) وليحذر من الذنوب التى تمنع المغفرة والعتق من النار كالكبر والإصرار على المعاصى.
 
وفى سياق متصل قال الدكتور محمد وهدان استاذ بجامعة الازهر أن يوم عرفة يأتى من العشر الأواخر من ذى الحجه الذى اقسم الله بها فى قوله: وليال عشر» وخاصة يوم عرفة لغير الحاج حيث يسوق الله للعباد فى تلك الأيام وفى يوم عرفة خيراتٍ عظيمة وجمع فيها كنوزًا فضيلة حيث قال ان النبى صلى الله عليهِ وسلم قال «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»! قالوا يا رسول الله (ولا الجهاد فى سبيل الله) قال «ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسهِ ومالهِ ثم لم يرجع من ذلك بشىء».
 
وقال وهدان هناك اعمال فى يوم عرفة لغير الحجاج كثيرة منها التبكير للصلاة، حيث يستحب التبكير إلى الفرائض والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، فعن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول{عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك إليه بها درجة، وحط عنك بها خطيئة} [رواه مسلم] وهذا عام فى كل وقت.
 
ويضيف أن الصيام يأتى كذلك من أفضل الاعمال لغير الحجيج فى يوم عرفة لدخوله فى الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبى قالت:{كان رسول الله يصوم تسع ذى الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر}وقال الإمام النووى عن صوم أيام العشر: إنه مستحب استحباباً شديداً. اما التكبير والتهليل والتحميد لما ورد فى حديث ابن عمر السابق: {فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد}.وقال الإمام البخارى رحمه الله (كان ابن عمر وأبو هريرة رضى الله عنهما يخرجان إلى السوق فى أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)وقال أيضاً: (وكان عمر يكبر فى قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً).
 
واختتم وهدان كلامه قائلا: «علينا نحن المسلمين أن نحيى يوم عرفة بالصيام والاعمال الصالحة وكثرة الدعاء التى هُجرت فى هذه الأيام، وتكاد تُنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح.