الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«بين الحبشة والعرب» كتاب يفتش فى التاريخ الإسلامى

«بين الحبشة والعرب» كتاب يفتش فى التاريخ الإسلامى
«بين الحبشة والعرب» كتاب يفتش فى التاريخ الإسلامى




كتب - خالد بيومى


أذن النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة بعد أن اطمأن لحماية النجاشى لهم، فتدفق المسلمون إلى بلاد الحبشة آمنين مطمئنين، وهناك استقر النساء والرجال من المسلمين مع أولادهم، وتنسموا هواء الحرية بعد أن مسهم الضر والجوع فى ديارهم.
وفى هذا الكتاب الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة يرصد المؤلف عبد المجيد عابدين الدور الثقافى واللغوى للمسلمين فى الحبشة. ولا سيما أنه كان يوجد بين المهاجرين إلى الحبشة شعراء أمثال عبد الله بن الحارث، وعثمان بن مظعون، وأغلب الظن أن المسلمين لم يهاجروا إلى الحبشة دفعة واحدة، بل هاجروا على أفواج ودفعات.
ولم يطب لقريش أن ترى هؤلاء المهاجرين يفلتون من أيديهم ويلجأون إلى سند قوى يظاهرونه به، فائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشى بعد وقوع غزوة بدر الكبرى، رجلين جلدين منهم، وان يهدوا للنجاشى هدايا مما يستطرف من متاع مكة وبعثوا عمرو بن العاص الذى كان معروفا بدهائه وسعة حيلته بصحبة عبد الله بن أبى ربيعة التاجر الموسر الذى كان خبيرا بالحبشة وعارفا أهلها.
وكان الغرض من بعثة قريش إحباط أعمال المسلمين فى الحبشة وإقناع النجاشى بالتخلى عنهم، وكان محامى المسلمين بين يدى النجاشى جعفر بن أبى طالب، وقد عرض قضية الإسلام بين يدى النجاشي، وتقريبها إلى ذهن رجل مسيحى مثله.
وكان قصارى جهد عمرو بن العاص أن يتحين الفرص للإيقاع بالمسلمين، فمن ذلك وله يخاطب النجاشي: «إنهم مستكبرون عليك، ولذا لم يحيوك بتحيتك التى يحييك بها الناس وهى السجود»، وقوله أيضا: «إنا كنا نحن وهم على دين واحد، فخالفونا، واتوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن، ولا أنتم، فنريد أن نردهم إليه» ولكن جعفر بن أبى طالب استطاع أن يفند ما وجه إلى المسلمين من التهم، ويجيب على ما خوطب فيه بوضوح وجرأة، مما جعل النجاشى يحكم لهم بقوله: «أبشروا ولا تخافوا، فإنه لا رهبوت اليوم على حزب إبراهيم».
وكان طبيعيا كذلك أن يمدح الحبش، وأن يمحو النظرة العربية القديمة التى كانت تنكر العبيد وتفرق بين الناس باللون والنسب، فجعل التفرقة بينهم على أساس التقوى، فقال: الجنة لمن أطاعني، ولو كان عبدا حبشيا، والنار لمن عصانى ولو كان شريفا قرشيا». كما حبب الناس إلى الحبش فقال صلى الله عليه وسلم: «من أدخل بيته حبشيا أو حبشية أدخل الله بيته بركة».
وقوله: «اتخذوا السودان، فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة: لقمان الحكيم، والنجاشي، وبلال المؤذن».
وما بلغ النبى وفاة النجاشى أمر صحابته بالصلاة عليه بقوله: «اخرجوا فصلوا على أخيكم « فقال المنافقون: «انظروا إلى هذا الذى يصلى على علج لم يره قط، ولم يكن على دينه».
وقد تأثر النبى يصلى الله عليه وسلم، فضلا عن المسلمين والعرب بالحبش فى لغتهم وحضارتهم، حى يذكر الرواة ان النبى قد نطق ببعض الألفاظ الحبشية فى بعض المناسبات كقوله وهو يصف أشراط الساعة: «إن بين يديها فتنة وهرجا» ولم يعرف الصحابة معنى الهرج، فسألوه فقال: هو القتل بلسان الحبش.
والسواد الأعظم من مسلمى الحبشة شافعى المذهب. وللطرق الصوفية فى بلاد الحبشة مكانة خاصة فى نفوس المسلمين وأكثر أهالى الحبشة ينتمون إلى الطريقة القادرية وهى أكثر الطرق ثقافة وتمدناُ فى هذه البلاد.وهناك فرقة الأحمدية أتباع الزعيم المتصوف أحمد بن إدريس الذى توفى فى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وهناك فرقة الصالحية وهم فرع متأخر من الأحمدية، أسسها محمد صالح وكان مقامه بمكة، وقد استطاع أحد رموزها وهو محمد بن عبد الله حسان أن يوطد مكانتها وأن تحتل مركزا قويا بين القبائل، فأسسوا على ضفاف الأنهار جماعات زراعية منظمة، وانتشروا بين القبائل، واتخذوا من نشر الدعوة الصالحية ذريعة إلى تمكين سلطانهم وتعزيز نفوسهم، حتى استطاعوا فى وقت قصير أن يضعوا أيديهم على أغلب المناطق الزراعية فى تلك البقاع، ثم الطريقة الرفاعية التى تسير على نهج السيد أحمد الرفاعى.
وقد قامت فى المناطق الساحلية حركة علمية، فألف علماؤها باللغة العربية كتبا ورسائل، ونظموا قصائد، وأكثرها فى المسائل الصوفية، ومن أهم ما دونوه من رسائل التصوف تلك المجموعة التى جمعها الشيخ عبد الله بن يوسف أحد وطبعها فى القاهرة، وهى تتكون من خمس رسائل منها رسالة عنوانها: «السكين الذابحة على الكلاب النابحة»، وأخرى عنوانها «نصر المؤمنين على المردة الملحدين».
وهناك طائفة من علماء الحبشة ظهرت آثارهم فى العالم الإسلامى بعيدا عن أوطانهم ومنها أسرة الجبرتى المؤرخ الشهير الذى ارتحل من بلاده فى أوائل القرن العاشر، والشيخ عبد الرحمن، وهو الجد السابع للجبرتى المؤرخ الذى سافر إلى الحجاز ومكة لمدة عامين وحضر إلى مصر ودخل الأزهر وجاور بالرواق وتولى شيخا على رواق الحبشة بالجامع الأزهر.