السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر تغرق فى بحر العنف





 رغم انسحاب ممثلى القوى المدنية من اللجنة التأسيسية للدستور وما اعقبه من مظاهرات تتزايد حدتها يومياً، إلا أن مؤسسة الرئاسة تقود تيار الإسلام السياسى للمضى قدما دون الالتفات إلى مطالب المعارضين، نحو إجراء استفتاء شعبى على مواد الدستور يوم 15 ديسمبر الجارى. الرئيس مرسى رفض مطالب بعض المحيطين به بتخفيف حدة التصعيد وفى المقابل تسعى القوى المدنية بكل قوتها إلى اجبار الرئيس على إلغاء الإعلان الدستورى وتعطيل الاستفتاء على الدستور لحين التوافق حوله، ومع تصاعد حدة الاحداث واصرار الطرفين على عدم التراجع يبقى التساؤل حول مستقبل البلاد وهل نصل إلى الاستفتاء على الدستور أم لا ملحاً.. وما سيناريوهات سير الأحداث إذا ما وصلنا للاستفتاء وتم قبول الدستور والموافقة الشعبية على تمريره، وإذا ما تم رفض الدستور فما الوضع ووقتها والحلول المطروحة.. «روزاليوسف» سألت عددا من السياسيين والقانونيين فى محاولة لاستشراف مستقبل الأحداث فى ظل التصعيد الراهن.
الدم قادم قادم

فى البداية يوضح عبد الغفار شكر، نائب المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن العجلة فى الانتهاء من مسودة الدستور رغم أن الرئيس منح اللجنة مهلة شهرين عبر الإعلان الدستورى أدت لحدوث انقسام بين جموع الشعب المصرى، مشيرا إلى أن الاستفتاء ليس هو الطريق لانهاء هذا الانقسام فتمرير الدستور يعنى أن يظل الانقسام قائما والمعارضة مشتعلة وحينها سيتم تشكيل حكومة جديدة من أغلبية الإخوان والتيار الإسلامى لأنه طبقا لمواد مسودة الدستور يحصل حزب الأغلبية بالبرلمان على أغلب المقاعد الوزارية، ويستمر الصراع حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويضيف شكر: إذا تم رفض الدستور الجديد من قبل أغلبية الشعب فهذا يعنى تشكيل جمعية تأسيسية جديدة بالانتخاب المباشر من قبل الشعب وأيضا سيظل الصراع دائراً، لأن رفض الدستور لن يرضى القوى الإسلامية التى ترى فيه تطبيقاً لشرع الله وخلاصاً من القوى الليبرالية التى لا تتفق ومطالبهم، وفى كلتا الحالتين على الرئيس أن يسعى لايجاد حل للانقسام والعنف المتوقع حدوثه.

الدستور قضية نخبة

محمد سامى، رئيس حزب الكرامة، يتوقع أن تسير الأمور مثلما سارت عليه باستفتاء 19 مارس حيث تصور الأمور على أنه تصويت بين اختيارين «اللجنة والنار» وبالتالى احتمالات حصول الدستور على أغلبية الأصوات بالموافقة هو الاحتمال الأكبر، وإذا صدر كذلك سيكون أمراً واقعاً أمام القوى الليبرالية وعليهم أن يتقبلوا الأمر الواقع وأن يكون الاعتراض فى صورة سلمية، أما حصول الدستور على الرفض بالأغلبية فهذا سيؤدى بنا إلى الرجوع للوراء والبدء من نقطة الصفر حيث بداية مرحلة انتقالية أخرى ربما تكون أشد خطورة من التى قبلها فقد تعددت القوى السياسية وتعددت اتجاهاتها وبالتالى سيشتد الصراع وسيدخل المواطن طرفاً رغماً عنه وسيستمر العمل بالاعلان الدستورى وبالتالى احتكار السلطة التنفيدية والتشريعية بيد الرئيس وتقليص دور السلطة القضائية.

ويكمل سامى: المواطن العادى بالنجوع والقرى والمحافظات لا يشغله الصراع على الدستور ومواده ولكن التصويت بالنسبة له سيتم بناءً على مدى قدرة كل طرف على إقناعه وفى النهاية لن تشغله النتيجة بقدر ما سيشغله تأثيرها على لقمة العيش واستقرار البلاد وسيظل الصراع سياسيا وسيفرض الطرف الرابح رؤيته وارادته.

أما نبيل زكى، الكاتب والسياسى فيرى أنه من المفترض أن تقوم القوى الشعبية والثورية بمنع هذا الاستفتاء من الإجراء، وتابع: امامنا حتى 15 من ديسمبر الجارى سنضغط من خلال المظاهرات والعصيان المدنى اعتراضا على ضياع الحقوق والحريات بالدستور الجديد فنحن الآن نواجه تحالفا إخوانيا سلفيا يريد الاستحواذ على السلطة والبلاد، واتمنى أن يتم ايقاف هذا العبث الدستورى والسياسى ولدى أمل أن تنجح المقاومة الشعبية، ونأمل أن يستمر موقف القضاء حيث رفض الاشراف على هذا الاستفتاء.

ويقول د. محمد الجوادى، الباحث السياسى، أنه إذا تم الاجماع على قبول الدستور الجديد فسيتم تشكيل وزارة جديدة من الإخوان والمتعاونين معهم فى تشكيل الدستور واخراج الفلول من الوزارة وايضا د.هشام قنديل الذى يعتقد البعض أنه إخوانى ولكن المشير هو من أتى به، واجراء انتخابات مجلس الشعب ونقل السلطة التشربعية إليه طبقا للدستور الجديد، ويتم بعدها الالتفات للوضع الاقتصادى للبلاد والعمل على حل مشاكل العمال وتدوير عجلة الانتاج وتشيع الاستثمارات وسن التشريعات التى من شأنها تشجيع ذلك وبعدها سيسعى حزب الحرية والعدالة لاعادة الهيكلة والبناء طبقا لمتطلبات المرحلة المقبلة واعادة توزيع ميزانية الدولة.

السيناريو الآخر القائم على رفض الدستور يتمثل - كما يوضح الجوادى - فى إعادة تشكيل التأسيسية مرة أخرى وحدوث مشاكل حول تشكيلها من قبل الرئيس أو بالانتخاب، وبداية مرحلة جديدة من الصراع واستمرار المرحلة الانتقالية والعمل بالاعلان الدستورى وبالتالى صراع السلطة القضائية مع مؤسسة الرئاسة وسيتم تعيين أعضاء الشورى غير المعينين، أما المواطن العادى فربما لا يهتم البعض بالتصويت أو يلجأ للتصويت وفقا لمعتقداته.

ويوضح جمال حنفى، عضو حزب الحرية والعداية، أن الأغلبية من أعضاء التأسيسية وافقت على الدستور، وقال: ممثلى القوى المدنية شاركوا فى المناقشات وحرصوا على عرض وجهات النظر الخاصة بالحريات والقضاة وغيرها واقنعنا بها وللعلم عدد المواد المعترض عليها 11 هى مادة من اجمالى 236 مادة وكان من الممكن حل الأزمة ولكن فوجئنا بالانسحابات المتتالية من التأسيسية واتهامها بالباطل رغم أن جميعهم حضروا جميع الجلسات وتم مناقشة جميع المواد فى حضورهم، وقد دعوناهم أكثر من مرة للعودة ولكن صمموا على موقفهم واحدثوا انقساما بالشارع المصرى ونتوقع رغم تلك الممارسات ان يتم الموافقة الدستور لان جميع الاستطلاعات المعنية برصد الرأى العام أكدت قبول جموع الشعب المصرى للدستور وقرارات الرئيس الأخير ورغبتهم فى انهاء المرحلة الانتقالية والبدء فى بناء مصر الحديثة.


ويكمل النائب الإخوانى السابق: «لا أتوقع أن يتم رفض الدستور من قبل الشعب ولكن لو حدث ذلك فإننا سنرضخ للإرادة الشعبية ونتقبل حكم الشعب وسيتم إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية والدخول فى دوامة مرحلة انتقالية جديدة وبالتالى عدم الاستقرار على كل نواحى الحياة والخاسر الأكبر هو المواطن الذى ينتظر الحياة الآدمية ويحلم برغيف العيش والعدالة الاجتماعية».

ويعلق صابر عمار، عضو مجلس نقابة المحامين السابق، للأسف حدث انقسام بين الشعب ولن يؤدى الاستفتاء لعلاج هذا الأمر، ولا يوجد مبرر لتمرير مثل هذا الدستور وسط معارضة القوى السياسية والشارع المصرى وإلا لماذا ثرنا على نظام مبارك؟ وتابع عمار: العمل بالدستور الجديد سيخلق ديكتاتورا آخر بقناع دينى وسيؤدى لسيطرة فصيل على الحياة السياسية والاقتصادية وتهميش باقى القوى.

ويوضح عمار أن رفض الدستور فإنه سيكون لصالح البلاد وسينتهى الانقسام ونبدأ مرحلة جديدة ويعى الحزب الحاكم أن هناك جموعاً ترفض سلطته واحتكاره للبلاد وسيكون دلالة على أن الانتخابات البرلمانية الجديدة لن تشهد سيطرة الإسلاميين ولن يكون الرئيس القادم لمصر من التيار الإسلامى، ورفض الدستور الحالى يعنى أن الشعب قد أصبح واعيا بقدر كبير ولم يعد تغريه الشعارات الدينية. ولفت جمال أسعد، المفكر القبطى، إلى أنه من الواضح أن نتيجة الاستفتاء ستكون لصالح القوى الإسلامية فقد استحوذ الإخوان على ثمار الثورة وعقدوا صفقات مع المجلس العسكرى حتى وصلوا للحكم والآن يحشدون المواطنين للتصويت بـ«نعم» على أنها باب الجنة وأن التصويت بـ«لا» تعنى النار وسخروا القنوات الفضائية لذلك وسلطوا شيوخهم للنيل من القامات الإعلامية والسياسية وتشويه الأدباء والفنانين واستغلوا منابر المساجد للدعاية للاستفتاء بأن يتبع المواطنون الشريعة بالموافقة وتاجروا بهموم المواطن واستغلوا الفقر والمرض والجهل من أجل حشدهم وإذا حدث ما يأملون فإن هذا يعنى أن الرئيس أصبح هو الإله والحاكم بأمره وأنه سيتم سد أفواه المعارضة بالإقصاء والسجن وغير ذلك من أساليب وسيمارس الديكتاتورية باسم الشريعة وسيؤكد أن من عارضه فقد عارض الله ووقف أمام الإسلام وللأسف الخطورة الأكبر تكمن فى البرلمان القادم والذى سيتم تمرير قرابة 50 من مواد الدستور فى شكل قوانين ولهذا على القوى المدنية أن تلتفت لتلك المشكلة وتحشد من الآن حتى لا تترك لهم البرلمان بأكمله لتصبح تشريعتنا أقرب لدولة إيران أو السودان وعليهم ألا يتركوا الميدان وأن يظلوا يحشدون ضد الموافقة على الدستور.


أما لو حدث رفض للدستور - كما يوضح أسعد - فإن هذا يعنى أن إرادة الشعب تسير للاتجاه المدنى ورفض التشدد الدينى وبالتالى سيخشى الإخوان أو السلفيون من الاعتراض أو ممارسة العنف أو السعى لإحداث انقسام وسيرضخ الرئيس لإرادة الشعب وسيكون الرئيس القادم لمصر مدنى والبرلمان القادم من الأغلبية المدنية وسينحسر دور الإسلاميين حتى يعود مرة أخرى للدور الدعوى فقط.

ويعترض دكتور فريد إسماعيل، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، على رافضى الدستور ويؤكد أن الموافقة عليه خطوة فى طريق الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة وتطهيرها من التابعين للنظام الفاسد والانتهاء من المرحلة الانتقالية، وأنه من المتوقع أن يتم الإجماع على الدستور بالموافقة وإن جميع الاستطلاعات قد أشارت لذلك، وأيضًا المليونيات المؤيدة للرئيس ولقراراته وبالتالى الأغلبية معه وتدعمه.

ويكمل «إسماعيل» أنه إذا رفض الشعب مشروع الدستور فسنوافق على اختيار الشعب وسيظل الرئيس محتفظًا بالإعلان الدستورى وبالتالى استمرار الأزمة مع القضاة والانقسامات والاعتصامات ومزيد من العقبات فى المستقبل.

ويرحب محمود فتحى رئيس حزب الفضيلة بفكرة الاستفتاء وأن يقول الشعب كلمته ويفرض إرادته على الحاكم والقوى السياسية وبالتالى إذا تم قبوله لن يكون هناك عذر للرئيس فى إدارته للبلاد فقد اكتملت كافة مؤسسات الدولة وستكون المعارضة بعد ذلك رشيدة ودون مبالغة أو عنف لأن الشعب قد أعلن كلمته، أما فى حالة الرفض فستتم الاستفادة من المواد المتفق عليها من جموع الجماهير أثناء التفكير لإعداد دستور جديد.

ويشير د. عاطف البنا عضو اللجنة التأسيسية للدستور، إلى أن الموافقة على الدستور تعنى إلغاء جميع الإعلانات الدستورية سواء الصادرة عن المجلس العسكرى أو الرئيس ونقل سلطة التشريع لمجلس الشورى طبقا للدستور الجديد وإجراء انتخابات للبرلمان، وعلى النقيض سيكون الرفض للدستور بمثابة بدء من نقطة الصفر حيث الصراعات على تشكيل التأسيسية وانقسامات القوى المدنية والسياسية والصراع الإسلامى الليبرالى ومن المؤكد أنه لن تتوافق القوى السياسية على شىء ومن ثم الطريق للفوضى والضياع ومزيد من الانهيار للاقتصاد المصرى، ولهذا لا أتمنى أن يتم رفض الدستور.

أما د. شوقى السيد أستاذ القانون الدستورى فيرى أنه يجب عدم القفز على الأحداث فمازال لدينا معضلة بطلان الإعلان الدستورى وحل الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس وعلينا العمل على وقف هذا العبث الدستورى من تمرير دستور بعيد عن الحقوق والحريات، لأنه للاسف بتمرير هذا الدستور سيعنى تمكين الإخوان من حكم مصر وتقسيمها وستمكنهم نصوص الدستور من السيطرة والاستحواذ والاستقواء بالقانون ضد معارضيهم والنيل منهم باسم القانون والشريعة إذا لزم الأمر.

وينتقد أن جميع المواد التى اعترضت عليها المحكمة الدستورية بها انحراف تشريعى وتحقق مصلحة جماعة بعينها وعلى جميع القوى السياسية أن تجتمع على تحقيق احكام المحكمة الدستور وعلى الرئيس تنفيذها وإذا اعترض وجب عزله وحبسه.

وعلى النقيض يرى اللواء نشأت الهلالي، الخبير الأمنى، إن فى تمرير الدستور انهاء لحالة الفوضى والمرحلة الانتقالية وبدء عودة الأمن وتطهير الداخلية ومؤسسات الدولة والعمل على زيادة الاستثمارات، أما فى رفضه فيعنى الفوضى وفقدان المزيد من الاستثمارات ودخول البلاد فى مرحلة تقشف.