الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الإرهاب» لم يمنع «السيناوية» من عادات وتقاليد «رمضان»

«الإرهاب» لم يمنع «السيناوية» من عادات وتقاليد «رمضان»
«الإرهاب» لم يمنع «السيناوية» من عادات وتقاليد «رمضان»




شمال سيناء - مسعد رضوان


يرتبط شهر «رمضان» فى سيناء برباط مقدس، حيث يجله الجميع ويستعد لاستقباله قبل موعده بشهور طويلة، وهناك حرص من أبناء سيناء على صيام النوافل يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع علاوة على الثلاثة أيام القمرية فى منتصف كل شهر عربى وغيرها، وذلك تكريما لشهر رمضان، إلا أنه وفى خلال السنوات الأخيرة، وعقب عام 1973 ازداد تقدير واهتمام أبناء سيناء بشهر رمضان بصفة خاصة، لأنه الشهر الذى شهدت فيه سيناء عبور قواتنا المسلحة إلى الضفة الشرقية لقناة السويس فى العاشر من رمضان العظيم.
ويرتبط شهر رمضان المبارك بمجموعة من العادات والتقاليد المتوارثة منذ آلاف السنين، التى ارتبطت بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة الموجودة فى سيناء ومنها تعليق الزينات ورفع الأعلام البيضاء للتعبير عن الفرحة باستقبال شهر رمضان، وتستعد القبائل والعائلات بتوفير بلح التمر المصنع محليا، وتجهيز المقاعد والدواوين لاستقبال السهرات الرمضانية وتبادل الزيارات بين القبائل والعائلات.
ويستقبل أبناء سيناء مقدم شهر رمضان بنحر الذبائح فى الأيام الأولى، وفى النصف الأخير يتبادل كل فرد من القبيلة أو العائلة نحر ذبيحته لوجه الله تعالى لإطعام باقى أفراد القبيلة أو العائلة وكل من فى المجلس من ضيوف وعابرى سبيل، وتسمى هذه العملية بـ«الرحمات»، فضلا عن أن هناك بعض العادات والتقاليد الرمضانية التى لا تزال سائدة حتى اليوم فى البادية العربية، هى الإفطار الجماعى لمعظم أفراد القبيلة والعائلات المتفرعة عنها فى مقاعد ودواوين القبائل والعائلات والمجالس «المكان المعتاد لجلوس رجال القبيلة فى الأوقات العادية».
ويحرص كل فرد طوال رمضان على إحضار إفطاره، ويضع كل منهم الأطباق التى أحضرها على مائدة كبيرة فتتشكل فى النهاية أطباقا متنوعة من مختلف أصناف الطعام والمذاق وعند أذان المغرب يقومون للصلاة بعد توزيع التمر والمياه والعصائر ثم يقبلون على المائدة فيأكل كل فرد من جميع الأطباق الموجودة دون تفرقة، وغالبا ما يبدأ تجهيز مجلس الإفطار عقب صلاة العصر، حيث يتوافد جميع رجال وشباب القبيلة ويصطحبون معهم أطفالهم لتعويدهم على العادات والتقاليد السائدة ثم يتم التجهيز للإفطار والشاى والقهوة حتى يحين موعد أذان المغرب.
وتأتى الفطائر السيناوية على رأس قائمة الإفطار اليومية سواء فى صورة فتة يضاف عليها الأرز والشوربة واللحم أو منفردة، ناهيك أنه فى تلك اللحظات يتم ترقب أى عابر سبيل أو مار على المجلس لدعوته للإفطار، وبعد الإفطار تترك المائدة ولا يرفع عنها الطعام حتى بعد صلاة التراويح تحسبا لوصول أى ضيف أو عابر سبيل أو مار على الطريق ولم يفطر.
وبعد صلاة التراويح تبدأ السهرات الرمضانية بنفس المقاعد والدواوين ومجالس العائلات يتسامرون ويتناولون الشاى والقهوة إلى جانب الحلوى الرمضانية من كنافة وقطايف، ويستمر السهر ومناقشة بعض الأمور الحياتية اليومية علاوة على الدينية حتى ساعات متأخرة من الليل، وقبل موعد السحور يتجه كل منهم إلى منزله لإيقاظ أهله وتناول طعام السحور معهم، ثم يخرج إلى المسجد لصلاة الفجر فى بداية يوم جديد من الشهر الكريم بعاداته.
يقول ماهر بدوى، عضو أحد لجان فض المنازعات بالقضاء العرفى: إن جلسات القضاء العرفى لا تعقد فى رمضان احتراما لهذا الشهر المقدس، ويتم تأجيل أى جلسة للقضاء العرفى إلى ما بعد عيد الفطر المبارك وأنه إذا ما حدث خلاف بين قبيلتين أو عائلتين من قبيلة واحدة أو أفراد يتم تحديد هدنة فيما بينهم لحين انتهاء شهر رمضان.
ويضيف مسلم الحوص، خبير التراث والقضاء العرفى: إن مجالس البشع «لحس النار» تتوقف أيضا فى شهر رمضان، ويتوقف عمل المبشع طوال الشهر لكريم احتراما وتقديرا لهذا الشهر العظيم، منوها إلى أنه لا تختلف العادات والتقاليد الرمضانية فى سيناء سواء فى البادية أو الحضر فالكل يحرص عليها، وإن كانت هناك بعض العادات والتقاليد التى اندثرت بفعل الزمن والتقدم الحديث، منها: الاعتماد على أذان المغرب فى المساجد كموعد للإفطار، وكذا الاعلان عن وقت الإمساك قبل أذان الفجر.
ويتذكر أبناء العريش مدفع رمضان الشهير بالحاجة فاطمة، الذى جاء مع السلطان التركى سليمان القانونى عام 1560، وظل يؤدى دوره من أعلى تبة بقلعة العريش حتى قبل الاحتلال الإسرائيلى لسيناء عام 1967، أما المسحراتى فلا يزال يؤدى دوره حتى الآن، وإن اختلفت وسائله وأدواته فى التنبيه ودعوة المواطنين إلى السحور، فضلا عن تذكر أبناء البادية وقت استدلالهم على مواعيد الإفطار والسحور بحركتى الشمس والنجوم، حيث لم يكن موجودا لديهم مذياع أو تليفزيون أو كهرباء.
لذلك كانوا يستدلون على موعد أذان المغرب بمراقبة الشمس بالعين المجردة والاستدلال على وقت الغروب فيفطرون، وكانوا يستدلون على مواعيد السحور والإمساك بمراقبة حركة النجوم وتحديد موعد أذان الفجر، كما كانوا يحددون وجباتهم فى رمضان لتتمشى مع الظروف الجوية والمناخية ودرجة حرارة الجو، وبما يقيهم العطش والبرد أو الحر فى النهار، ففى الشتاء والخريف يعتمدون فى أكلاتهم على الأغذية الجافة التى تعطى الطاقة مثل العدس، وفى الصيف على عجر البطيخ «البطيخ الصغير فى مراحل نموه الأولى»، وفى الربيع كانوا يعتمدون على لبن الماعز وهكذا.
وقبل حوالى 20 عاما أو يزيد لم تكن البادية تعرف الكنافة والقطايف فى رمضان، وإنما كانوا يعتمدون على فاكهة الموسم الموجودة من خوخ ومشمش وكنتالوب وبطيخ وتفاح وجوافة وخلافه، أما الآن وطبقا للتطور أصبح طبق القطايف والكنافة لازمة أساسية فى كل مجلس بعد الإفطار وفى السهرات الرمضانية.
وفى الوقت الذى يشتكى فيه معظم المصريين من تأثير الغلاء على عاداتهم الغذائية خلال شهر رمضان فإن الوضع مختلف فى سيناء، فبرغم الغلاء فإنهم لا يستطيعون هجر هذه العادات ومن بينها ولائم الإفطار الجماعى فى الدواوين والمجالس الخاصة بكل قبيلة، وذلك لأنها جزء أصيل من تاريخهم وثقافتهم.
لكن يبدو أن الجزارين هم المستفيدون من ذلك، فقد جاء شهر رمضان بالنسبة لهم، كطوق إنقاذ، بعد حالة من الركود لأزمتهم طوال أشهر العام، حيث إن الجزار بسيناء لا يقتصر دوره وقت الولائم الكبيرة على مجرد ذبح الماشية وتقطيعها، بل يتولى أيضا إعدادها وتجهيزها للطعام، وهو ما يجعل الربح مضاعفا لهم خلال شهر رمضان، حيث تكثر الولائم.
ويؤكد أحد الجزارين فى مدينة العريش عاصمة شمال سيناء، أنهم ينتظرون قدوم شهر رمضان بفارغ الصبر على أمل أن يعوضهم عن قلة العمل فى بقية شهور العام، حيث يبدأ عمله منذ الصباح الباكر حتى موعد الإفطار يوميا، ويحتاج التعاقد مع الجزارين فى شهر رمضان إلى ضرورة الاتفاق معهم قبل موعد الوليمة بـ4 أيام، قائلا: «الشغل فى رمضان كتير، وممكن حد يطلبنى فى يوم أكون مرتبط فيه بموعد مع زبون آخر»، منوها إلى أن تجهيز مكان واسع للعمل فى التقطيع والذبح هو أهم المتطلبات التى يحتاجها الجزارون، وفى المقابل يلتزم الجزار بتوفير أوعية الطهى وتقديمه جاهزا لضيوف الوليمة.
والولائم عادة ما تزداد فى النصف الثانى من شهر رمضان، ويطلقون عليها اسم «رحمة» وتقام بقصد التقرب إلى الله تعالى، وقد اعتاد سكان سيناء الدعوة لها فى أماكن إقامتهم حيث يقسمون المكان إلى قسمين: أحدهما للرجال، والآخر للنساء.
ويعد اللجوء إلى الجزارين من الظواهر الحديثة نسبيا على مجتمع سيناء، فالسيناوى بحكم النشأة والتربية يجيد الذبح والطهى باستخدام نار الحطب، ويبرر أحد أبناء القبائل ظاهرة اللجوء إلى الجزارين بأنها نوع من التغلب على مشكلة ندرة وجود الحطب وغلاء سعره فالجزار يحضر ومعه عدد من أنابيب البوتاجاز وأفران الطهى ويقوم بالذبح والتقطيع والتجهيز.