الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روزاليوسف» فى مراكز الإخصاب الإصطناعى: «تجـارة النطـاف» يجرمهـا الشـرع ولا يعرفها القانون

«روزاليوسف» فى مراكز الإخصاب الإصطناعى: «تجـارة النطـاف»  يجرمهـا الشـرع ولا يعرفها القانون
«روزاليوسف» فى مراكز الإخصاب الإصطناعى: «تجـارة النطـاف» يجرمهـا الشـرع ولا يعرفها القانون




تحقيق: سمر حسن - محمد السيد

جاءت «أمل» القاهرة نازحة من محافظة الدقهلية، تبحث بنهم عن مستأجر لرحمها النشط، فقد توفى زوجها بعد زيجة دامت ما يزيد على 10 سنوات، لم يترك لها أى دخل مادى للعيش، فكّرت فى البحث عن وظيفة تمكنها من الحياة لكنها فشلت فى شق طريقها فى «هذا الزمن الصعب» ـ على حد تعبيرها ـ سمعت فى الإعلام عن أشخاص وأسر فى حاجة إلى أرحام يستخدمونها فى إنجاب طفل لهم، وأن تلك العملية مضمونة، ولا يقدم عليها سوى المقتدرون، فقررت أن تعرض رحمها للإيجار، من أجل أن تعيش.

تلك الرواية حكتها لنا «أمل ف. ع»، أرملة، تملك من عمرها 34 سنة، كانت تسرد قصة تأجير رحمها وعلى وجهها تقاسيم الحزن.
سردت «أمل» حكايتها لنا منذ أن كانت صغيرة قائلة: «نشأت فى ظروف اجتماعية ومعيشية شاقة، زوج أمى كان يعاملنى بمنتهى القسوة، فهو يعتبرنى بمثابة همّ فوق رأسه، كنت بمثابة خادمة لأسرتى، تجرعت الألم، والمرارة العلقم، حتى بلغت 12 سنة.
تقدم للزواج منى رجل يفوقنى بـ50 سنة، وافقت أمى على الزيجة منصاعة لضغط زوجها».
«أمل» أضافت: «عشت 15 سنة متواصلة فى عذاب، إلى أن توفى زوجى، ولم يترك لى جنيهًا واحدًا أنفق منه على نفسى، فاضطرت للعمل، وكانت المهن المتاحة لى شاقة للغاية، لعدم حصولى على شهادة تعليمية، فتعرضت لأسوأ المخاطر ـ سواء على حياتى أو على شرفى ـ إلى أن سمعت عن «تأجير الأرحام» فى إحدى القنوات، فاتجهت إلى القاهرة باحثة عن مستأجر لرحمى لأستجلب مالا استطيع العيش منه».
ترى «أمل» (مثل كثيرون غيرها) أن هذا الفعل لا يعد «حراما»، بل هى على يقين أنها: «تفعل الخير، وستنال الثواب من الله، كونها تساعد أبوين عاجزين عن الخلفة، لإنجاب طفل يكون لهما عونًا وسندًا فى كبرهما، وفى المقابل يغدقون عليها ببعض الأموال، مكافأة لها» على حد قولها.
«أمل» تابعت: «أعلن عن تأجير رحمى، لأجد ما أُنفق به على نفسى، وحفاظًا على شرفى».
طلبت «أمل» منا أن ننشر لها إعلان لتأجير رحمها، مع عدم نشر بياناتها الشخصية، خوفًا من الفضائح وسط أهل قريتها، فقط طلبت أن نشر رقم الهاتف مرفق بالإعلان، لتسهيل التواصل معها».
هذه الحكاية دفعت «روزاليوسف» إلى البحث فى هذا الملف الشائك، لمعرفة مدى انتشار هذه الظاهرة فى المجتمع، وقد خلف التقصى عن اكتشاف سوق كبيرة لـ«تجارة النطاف» يشكل فيها «تأجير الأرحام» ركنًا صغيرًا فى عالم أوسع يعرض فيه بيع وشراء سوائل منوية للرجال، وبويضات لسيدات، من أجل إتمام عمليات للإخصاب الإصطناعى، التى تمكن الزوجين من إنجاب طفل فى رحم طرف ثالث. وهى عملية شديدة الحساسية فى مجتمع مثل المجتمع المصرى.
الإخصاب الصناعى وآلياته
يوجد نوعان من لإخصاب الصناعى، الأول «أسلوب أطفال الأنابيب» وهو عبارة عن وضع البويضة والحيوانات المنوية فى أنبوب، ثم حقنها فى رحم الزوجة. أما النوع الآخر فهو «الحقن المجهرى» وهو عبارة عن حقن البويضة ذاتها بالحيوان المنوى، ثم وضعها فى رحم المرأة، ويعتبر النوع الأخير هو الأكثر فعالية.
وتعتبر مصر من أكثر الدول استخدامًا للحقن المجهرى، بسبب تأخر الإنجاب، وتقول التقارير الطبية أن نسبة النجاح فيها ما بين 35% و40%، وتعتبر هذه النسبة أعلى من المعدل العالمى ذاته.
تتم هذه العملية فى مراكز طبية متخصصة فى علاج العقم وتأخر الإنجاب، تمتلك بنوكا للحيوانات المنوية، تمكن أى رجل من حفظ حيواناته المنوية فيها لحين حاجته إليها.
ونفس الأمر للمرأة فيمكن لأى سيدة اللجوء إلى هذه المراكز لحفظ «بويضاتها» فى تلك البنوك، واللجوء إليها وقت ما أرادت.
تلك البنوك لا تقبل بويضات أو حيونات منوية من متبرعين، فقط المقبلين على هذه المراكز يكون لعلة منها، الاشخاص المصابون بورم، أو المقبلون على تلق علاج كيميائى، وهو الأمر الذى يؤدى إلى تلف البويضة لدى السيدة، ويُميت عمل الخصية عند الرجال، ولا يستطيع كليهما الإنجاب، فيعتمدوا على ما قاموا بحفظه فى البنوك إذا ما ارادوا الإنجاب.
قواعد المراكز الطبية
تجولت «روزاليوسف» فى عدة مراكز متخصصة فى علاج تأخر الإنجاب، للتعرف على طبيعة عملها من خلال العاملين بها.
فوجدنا أن المراكز الطبية فى مصر تحافظ على سمعتها، فهى تمنع تمامًا حقن الحيوانات المنوية من مانحين، سواء بالتبرع، أو بمقابل مادى.
كما أن تلك المراكز تطلب قسيمة الزواج، و«الرقم المنوي» عند إيداع الحيوانات المنوية، أو البويضة، وفى حالة وجود شخص أعزب يريد الحفاظ  على سائله المنوى، يجرى له ذلك من خلال أخذ صورة من رقمه القومى فقط، بالإضافة إلى أوراق أخرى، تتضمن طبيعة البويضة، ومواصفات الحيوان المنوى، وأوراق إضافية مرفق بها تعهد يكتبه الشخص الحافظ، ليكون لكل عينة ملفها الخاص، داخل المركز.
اكتشفت «روزاليوسف» خلال بحثها أن هناك بعض المرضى يذهبون إلى تلك المراكز الطبية أملًا فى الإنجاب، وحين يكتشفون أن بويضاتهم أو حيواناتهم المنوية لا تسمح بإتمام عملية الإخصاب الصناعى، يقترحون إحضار عينة من شخص آخر، وهو ما يرفضه المركز تمامًا.
ولذلك تلزم الرقابة المراكز بأخذ العينة داخل المراكز، وعدم اصطحاب عينات مع المريض من الخارج، فقد حدث أكثر من مرة أن يأتى مريض بعينة من أخيه، أو أحد أقربائه، عقب معرفته باستحالة قدرته على الإنجاب.
ويوجد رقابة شديدة فى المراكز الموجودة فى القاهرة، ولا تسمح باستخدام الإخصاب الصناعى إلا بين الزوجين، ولكن إن لم تكن منتبها، قد يحضر بعض الرجال عينات من آخرين لحقنها، وقد حدث ذلك بالفعل عندما أتى للمركز رجل مُسن، بصحبة زوجته الثانية، لإيداع سائله المنوى فى البنك، لأنه مُقدم على إجراء عملية جراحية، وبعد 4 أشهر ذهبت الزوجة بمفردها لإجراء عملية الإخصاب الصناعى، وعندما سألها المركز عن زواجها اتضح أنه قد فارق الحياة عقب الجراحة التى أجراها، فرفض المركز إجراء العملية لها، فلو سؤالهم عن زوجها لكانت أجرت السيدة عملية الحقن بالمخالفة للقواعد.
وقد حددت المراكز عدة قواعد منظمة أهمها «إحضار تفويض من الزوج مع زوجته (فى حالة سفره خارج البلاد) والتأكد أنه حى وليس ميتا، فبعض السيدات تلجأ إلى الحقن كحل لمشكلة ما، قد تكون فى الميراث، فإن ثبت للمركز أن زوجها توفى أو طلقها فلا تجرى لها العملية».
ورصدت «روزاليوسف» حالة شكلت لبسًا لدى المركز الطبى الذى سيجرى عملية الإخصاب الصناعى، حيث ذهب رجل وزوجته لأخذ عينة داخل المركز، وبعد استخراج الزوج العينة من الزوج، فارق الحياة بسكتة قلبية، حينها وقع المركز فى حيرة بين إجراء الإخصاب من عدمه.
وعقب سؤاله «دار الإفتاء» عن مدى شرعية الأمر، لم يتم الإخصاب، فقد أكدت الإفتاء أن علاقة الرجل بزوجته تنتهى بالوفاة، فى هذه الحالة يكون الزوج غير قادر على الموافقة أو الاعتراض، وبالتالى يبطل الامر، حتى إذا كان قد أجرى قبل وفاته موافقة على إجراء العملية، تعتبر لاغية بعد موته.
 سوق إلكترونية للتلقيح الصناعى
خلال بحثنا فى هذه القضية اكتشفنا العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات موقع التواصل (أبرزها «فيس بوك») تحوى إعلانات ترويجية لأشخاص يعلنون إمكانياتهم منح المحتاجين بويضة، أو سائل منوى، أو تأجير رحم.
رواد تلك لمنصات الإلكترونية مصريون وعرب سواء كانوا مانحين أو زبائن، من بينهم حوالى 15 مانحًا من محافظة القاهرة وحدها، (حسب المنطقة السكنية لكل شخص) موزعين على أحياء المعادى، والمرج، ومصرالجديدة، وجاردن سيتى. ويوجد لكل مانح ملف خاص به، يحوى بياناته كالاسم، والسن، والجنسية، والديانة، وصورة شخصية، مع إعلانه الالتزام بكتابة المواصفات، إضافة إلى معلومات أخرى حول ثقافته، ومدى رغبته فى السفر، وأحواله الصحية، وإن كان لديه خبرة سابقة فى منح الحيوانات المنوية أو البويضات.
والمفاجأة أن معظمهم لديه خبرات سابقة فى هذا المضمار، وجميعهم على استعداد لبيع سائلهم المنوى، أو بويضاتهم، أو تأجير الرحم، كلًا حسب جنسه.
إخصاب «ديليفرى»
بدأ عدد من مراكز علاج تأخر الإنجاب الإعلان عن مزاولتها عمليات الإخصاب من مانحين فى بلاد الشرق، خاصة دولة المغرب، نظير مقابل مادى. وقد طورت هذه المراكز من خدمتها وتواجدها بأن فعّلت خدمة «ديليفرى» لمن يرغب فى «الإخصاب» خارج إطار الزواج، وتتيح أيضًا تخزين الحيوانات المنوية من أى مانح، وتحدد هذه المراكز قائمة تشمل الأسعار والمواصفات، وتضمن توضيح التحاليل التى تجرى على المانحين، لضمان سلامة العينة، وخلوها من الأمراض، والتى لا يجتازها سوى شخص واحد فقط، من بين 20 شخصًا لجذب أكبر عدد من الراغبين فى الإنجاب بأى شكل.
أطباء: مريدوها غير أسوياء
دكتور حمدى السيد، نقيب الأطباء الأسبق، قال إن قانون المهنة وآدابها تلتزم تمامًا بتعاليم الإسلام، الذى يحرم بيع أو المتاجرة بالحيوانات المنوية، وغير ذلك من عمليات الإخصاب غير الشرعية، وأكد «السيد» على ضرورة تقديم جميع الأوراق الرسمية الصحيحة، قبل إجراء هذا النوع من العمليات.
أما دكتور أحمد فخرى، أستاذ الطب النفسى، فيرى أن من يُقبل على الإنجاب بالشكل غير شرعى، «غير الأسوياء، يتملكهم حب أنفسهم وتفضيلها فقط» بحسب قوله، مضيفا: «أن بعض الحالات تتبع التقليد الأعمى فى الأمور كلها، مثل «السينجل مازر»، والتى أصبحت موضة شاذة، انتشرت من خلال صفحات «فيسبوك» فلهث عدد كبير وراءها من أجل التقليد الأعمى».
وشدد «فخرى» على: «ضرورة توعية الشباب، وزيادة الوازع الدينى عندهم، علاوة على تأسيس الجيل الجديد على تعاليم الدين الإسلامى الحنيف، ونبذ الأفكار المتطرفة».
«لا يوجد نص قانونى صريح، يُجرم المتاجرة فى السائل المنوى، أو تأجير الأرحام، ولكن من الجانب الشرعى» هكذا قال دكتور سمير رشاد، أستاذ القانون العام، مضيفا: «أن هذا الأمر مرفوض تمامًا، حفاظًا على عدم اختلاط الأنساب، وهذه القضية تدخل تحت بند التكييف القانونى، فهى بمثابة العلاقات الآثمة (الزنا) إلا أن الزنا لا بد من وجود شهود لإثبات الواقعة، وهنا يصعب توقيع وتحديد عقوبة على فاعليها» مشددا على ضرورة سن قوانين لمحاربة «هذه الفاحشة» بحسب تعبيره.
فقهاء وبرلمانيون
أما الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب، وعميد كلية الدراسات الإسلامية السابق، استنكرت دعوات تأجير الأرحام، والمتاجرة بالسائل المنوى للرجال، قائلة: «إن مجامع الفقه الإسلامى فى العالم، أكدت أنها حرام شرعًا ولا تجوز، فلا بد أن يتم الإخصاب بشكل شرعى بين الزوج وزوجته، لذا يجب ردع هذه الدعوات التى تخالف تعاليم الدين الإسلامى وبترها».
الشيخ إسلام النواوى، داعية إسلامى، أكد أن «الأصل فى الزواج هو المودة والرحمة، وأن يقوم على التيسير، لكن بعد أن انتُزعت المودة والرحمة، والمغالاة فى شروط الزواج، انحرف تفكير بعض الشباب، لتطل علينا هذه البدع المحرمة شرعًا» مؤكدًا أنه لا يجوز إجراء عملية إخصاب سوى فى إطارها الشرعى بين الزوج والزوجة.
وأضاف «النواوى»: «أن تأجير الأرحام أشبه بالزنا، ولا يجوز شرعًا، فالأفضل أن يستخدم الزوج الرخص التى منحه الله إياها، والزواج من أخرى بدلًا من هذه الفاحشة».