الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرئاسى الليبى.. شرعية منقوصة وسيطرة ميليشياوية

مجلس اختطاف ليبيا

لم تكن ليبيا قبل العام 2011 فى موقع جيّد على مؤشرات الفساد التى تصدرها المراكز وهيئات البحوث العالمية، حتى ما قبل «17 فبراير» كانت هناك تجاوزات كثيرة فى عدد من المجالات الاقتصادية كان التعامل الرسمى معها مهادنا، لكن ما يمكن أن نسمّيه «الطامة الكبرى» فى ليبيا بدأ بعد أحداث 2011، حينما تولى السلطة مجلس رئاسى فاسد بقيادة فايز السراج الذى تحكم فى مفاصل العاصمة طرابلس وسط غياب تام لسيادة الدولة أمام سيطرة الميليشيات والتى أول ما وضعت أمام أعينها مقدرات البلاد المالية والنفطية لتبدأ مرحلة ممنهجة من الفساد جعلها فى أسوأ سلالم الفساد فى العالم. «حماة للفساد ودعاة لتقسيم الوطن».. تلك هى الصفات التى سيذكرها التاريخ لأعوان السراج ومجلسه الرئاسى الفاسد غير المتوافق بين أعضائه الذى لم ينل الثقة قانونيا، والذى سرق مقدرات الشعب الليبى لعرقلة سيطرة الجيش على العاصمة من خلال إغراء الميليشيات بالأموال حتى تستمر فى القتال إلى صفه.



 

من هو المجلس الرئاسى؟

 

ما نعلمه هو أن ذلك المجلس يتكون من 9 أشخاص، أين هؤلاء الآن؟ بهذه الجملة شخص المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية ما يسمى المجلس الرئاسى الليبى برئاسة فايز السراج الذى تسيطر عليه وعلى رئيسه مجموعة من الميليشيات الإرهابية المسلحة، وهو الأمر الذى يضرب شرعيته فى الصميم بل وضع سمعة الدولة الليبية على المحك بسبب عجزه المستمر عن حمايتها من الإرهاب الميليشياوى وذيوله.  ووفق الاتفاق السياسى الموقع فى الصخيرات المغربية فى 17 ديسمبر 2015م والذى أشرفت عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا، بقيادة الألمانى مارتن كوبلر هو مؤسسة تنفيذية تضم جميع أطراف الصراع فى ليبيا ومهامه رئاسة الدولة بصفة مشتركة، وضمان قيادة القوات المسلحة الليبية. ويتشكل المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى الليبية من 9 أعضاء، من بينهم رئيس وخمسة نواب له وثلاثة وزراء، كل واحد منهم من الجهات الثلاثة فى ليبيا، طرابلس وبرقة وفزان، وفيما يلى أسماؤهم: ■ فايز السراج رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق  ■ أحمد معيتيق نائب رئيس الوزراء عن (المنطقة الغربية) ■ فتحى المجبرى نائب رئيس الوزراء عن (المنطقة الشرقية) منشق ■ على القطرانى نائب رئيس الوزراء عن (المنطقة الشرقية) منشق ■ موسى الكونى نائب رئيس الوزراء عن (المنطقة الجنوبية) منشق ■ عبدالسلام كاجمان نائب رئيس الوزراء عن (المنطقة الجنوبية) ■ عمر الاسود وزير دولة عن (المنطقة الغربية) منشق ■ محمد عمارى زايد وزير دولة عن (المنطقة الشرقية) ■ احمد المهدى وزير دولة عن (المنطقة الجنوبية) تلك هى القائمة الأولى للمجلس الرئاسى الليبى قبل أن تضرب التصدعات والانشقاقات كيانه، فانشق عنهم فتحى المجبرى، وعلى القطرانى، وموسى الكونى، وعمر الأسود، فأصبح المجلس مكونا من رئيس «فايز السراج» ونائبين «أحمد معيتيق، وعبدالسلام جاكمان، ووزيرين هم « محمد عمارى، وأحمد المهدى»، وحتى تلك القائمة لم تستمر طويلا فبعد الانشقاقات جاءت التصدعات والخلافات تهدد السراج بفقدان ما تبقى من حلفائه، فانحاز معيتيق وكاجمان لجبهة المجبرى المنشق، بينما ظل «المهدى» بعيدًا عن القرار السياسى باعتباره وزيرًا مفوضًا مهتمًا بملف المجتمع المدنى والمصالحة. 

 

زلزال الانشقاقات

«انشقاق القطرانى»

كانت أول صدمة تعرض لها السراج على يد نائبه «على القطرانى»، وهو أحد النواب الثلاثة الممثلين لإقليم برقة فى المجلس، كان علق عضويته منذ أوائل العام 2016، حيث أكّد انحيازه لعملية الكرامة التى أطلقها الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر منذ منتصف مايو 2014 فى مواجهة الجماعات المتشددة. وكانت استقالته أول مؤشر على تصدع هذا الكيان السياسى، ويرجع سبب استقالته إلى نفوذ الميليشيات وتحكمها فى قرارات المجلس الرئاسى، الذى أصبح أمامها أداة ضعيفة راضخة تمكنها من الترهيب والسطو والسيطرة على موارد الدولة وثروات الشعب، كما وصل نفوذهم لآبار النفط والمصرف المركزى. السبب الثانى كان ولازال غرور السراج وتفرده بممارسة اختصاصات المجلس بشكل مطلق من دون حسيب أو رقيب بتحريض ودفع من الميليشيات المسلّحة التى تحكم قبضتها بقوة السلاح على جميع مرافق العاصمة طرابلس، ما يعتبر خرقًا للاتفاق السياسى الذى بنى عليه تشكيل المجلس الرئاسي.

 

«انشقاق الأسود» النائب عمر الأسود المنحدر من مدينة الزنتان انحاز هو الآخر فى نفس توقيت انشقاق القطراني، وللأسباب ذاتها وانحاز أيضا إلى المشير حفتر فى عملية الكرامة لمحاربة الميليشيات المسلحة.

«استقالة الكونى والمجبري» الإقصاء والعزل والتهميش هى الأسباب التى دفعت نائب رئيس المجلس الرئاسى المقاطع موسى الكونى للاستقالة من مجلس السراج، ففى الثانى من يناير 2017 أعلن موسى الكوني، وهو من ممثلى إقليم فزان عن الطوارق، استقالته كنائب رئيس المجلس الرئاسي، واتهم المجلس بالفشل فى القيام بمهامه واستحالة تطبيق الاتفاق السياسى وفشله فى إدارة الدولة وتوحيد مؤسساتها، والاستيلاء على مصادر الدعم بدلا من تقديمه للمناطق التى شهدت حروبًا واشتباكات، وحمل «السراج» المسؤولية عن إهدار المال العام. وفى 18 يوليو 2018 أعلن عضو المجلس الرئاسى فتحى المجبرى، وهو من ممثلى إقليم برقة، انسحابه رسميًا من الحكومة ومجلسها الرئاسي، داعيًا الوزراء الممثلين عن المنطقة الشرقية إلى الاستقالة ومغادرة طرابلس. وطالب كل نواب البرلمان الليبى الداعمين للمجلس الرئاسى، بسحب دعمهم فورًا، معتبرًا أن ما يحدث فى طرابلس هو مسرحية يقوم بها السراج لتنفيذ مخططات تركيا للسيطرة على موارد ليبيا.

«انقلاب معيتيق» ممثل مصراتة، والذى تتراوح علاقاته مع الإخوان بين المودة والعداء، انقلب على رئيسه السراج سياساته التى دمرت مؤسسات الدولة وأعادت الليبيين إلى الصفر، فانضم إلى جبهة المنشق فتحى المجبري، ومن ثم انضم لهم عبد السلام كاجمان، وطالبوا بعزل السراج عن منصبه، وسحب الشرعية من مجلسه. ونشب الخلاف بين رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطني، ونائبيه جاكمان ومعيتيق بعد قرار أعفى بموجبه السراج، رئيس جهاز الرقابة الإدية من منصبه، مكلفا بديلا عنه، فيما يخالف الاتفاق السياسى الليبى، فى مادته الخامسة عشرة، والذى يقضى بالتشاور بين المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب، بشأن تكليف مسؤولى المناصب السيادية، كما ينص على أن إعفاء مسؤولى هذه المناصب، هو من اختصاص مجلس النواب فقط.

«الإرهابى كاجمان» عبد السلام كاجمان المحسوب على الجماعة المقاتلة التى يتزعمها عبد الحكيم بالحاج، وكان له دور كبير فى الدفاع عن الجماعات الإرهابية فى المنطقة الشرقية كمجلس شورى بنغازى وسرايا الدفاع عن بنغازى ومجلس شورى مجاهدى درنة. وكان قد أصدر ضده المدعى العام العسكرى بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية اللواء فرج الصوصاع قرارا عسكريا بضبطه وإحضاره بسبب تورطه فى أعمال متطرفة.

 

مافيا الميليشيات

 

فساد يندى له الجبين.. هذا هو الإنجاز الوحيد الذى استطاع مجلس السراج تحقيقه منذ قدومه إلى منصة الحكم الليبية، فجنوا من جيوب الشعب ثروات طائلة، قاموا باستثمارها خارج ليبيا، وقد أثبت تورط السراج فى الفساد تقريرا لديوان المحاسبة للعام 2018، ما جعل منظمة الشفافية الدولية تصنف ليبيا من أكثر الدول فسادًا فى العالم. وبسبب العجز والتفكك وغياب الشرعية  أصبح المجلس الرئياسى الليبى مجرد «خيال مآتة» لا يرقى لاتخاذ أى قرار، وشكل اختلاف انتماءات الميليشيات حجر الأساس فى فشل الاتفاق السياسى الموقع فى الصخيرات، وأضافت أن تلك الميليشيات والتى تخضع لسلطة المجلس الرئاسى فى طرابلس تحولت من جماعات مسلحة إلى مافيا منظمة تمتلك شبكات تؤثر فى الاقتصاد والأعمال والسياسة. وتوجد أربعة ميليشيات هى الأهم فى طرابلس، هى كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري، وكتيبة النواصى بقيادة عائلة قدور، وقوة الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة، ووحدة أبو سليم التابعة لجهاز الأمن المركزى بقيادة عبدالغنى الككلي. وتعد قوة الردع الخاصة الإرهابية احد اهم الميليشيات الداعمة للمجلس الرئاسى وهى الأكثر تسليحا وعددا ويقودها عبد الرؤوف كارة وهو شيخ سلفى ومقرها داخل مجمع معيتيقة فى الجهة الشمالية الشرقية من طرابلس حيث يوجد المطار الوحيد الذى يعمل فى العاصمة و هى ذات توجه سلفى تتكون من حوالى 1500 جندى وتحل محل الشرطة بالاضافة الى كتيبة النواصى السلفية وتتواجد فى منطقة سوق الجمعة القريبة من مطار معيتيقة، حيث تلعب دورا مهما فى تأمين وحماية مقارِ حكومة الوفاق. يضاف إليهم لواء المحجوب وهو تابع للمجلس العسكرى بمصراتة بالتحديد للبنيان المرصوص ومكلف بحماية مبنى رئاسة الوزراء الواقع بطريق السكة وسط طرابلس وتعد من أحد أبرز الميليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس تتكون من حوالى 1000 عنصر وقائدها مجهول الهوية ولواء الحلبوص الذى قاتل الرئيس الليبى معمر القذافى وتمكن من إخراج كتائبه من مدينة مصراتة قبل أن يُقتل بعد أن أصابته قذيفة هاون، وتعد هذه المجموعة من أقوى الكتائب المسلحة بمدينة مصراتة وأكثرها تجهيزا وتأتمر من القائد بشير عبد اللطيف وتسيطر هذه المجموعة المسلحة التى تتكون من حوالى ألف عنصر على قصور الضيافة وباب بن غشير وصلاح الدين وخلة الفرجان وطريق المطار الدولى والمناطق الجنوبية فى العاصمة. وتعد الجماعات الإسلامية الليبية المقاتلة نموذج للدعم الإرهابى للمجلس الرئاسى حيث تمكّنت من التوسع فى ليبيا وكسبت الكثير من المؤيدين فى طرابلس بعد استفادت من دعم وفتاوى المفتى المعزول الصادق الغريانى وهى تصنف مجموعات متطرفة تتبنى فكر القاعدة ويأتى على رأسها الجماعة الليبية المقاتلة وهى تنظيم مسلح يحمل فكر السلفية الجهادية ويسيطر فى الوقت الحالى على مطار ميعيتيقة العسكرى بالعاصمة طرابلس، يقوده عبدالحكيم بلحاج الذى شارك قبل عودته إلى ليبيا فى المعارك المسلحة فى أفغانستان ضمن تنظيم القاعدة واعتقل سابقا بسجن غوانتانامو بتهمة الإرهاب والحرس الوطنى ومجموعة ميليشيات تابعة للجماعة الإسلامية المقاتلة، ويتولى قيادتها عديد من رموز الجماعة مثل سامى الساعدى وخالد الشريف ومقرها الرئيسى فى سجن الهضبة وبعض المناطق الأخرى القريبة منها. مما سبق نستطيع التأكيد على مجلس السراج الرئاسى مجرد واجهة تسيطر عليها جماعات إرهابية مسلحة، تضرب شرعية وسمعة الدولة الليبية فى الصميم وتضعها كرهينة فى ايدى الإرهاب الميليشياوى وذيوله.

 

مجلس  غير شرعي

 

لم ينجح المجلس الرئاسى خلال ثلاث مناسبات فى تمرير تشكيلات حكومية مقترحة أمام مجلس النواب، لذلك اتجه السراج إلى الاعتماد على وزراء مفوضين غير حاصلين على التزكية البرلمانية، وهو ما يجعل مناهضيه يتهمونه بأنه يعتمد على حكومة غير شرعية وإن كانت حاصلة على الاعتراف الدولي، بينما تواصل الحكومة المؤقتة التى تتخذ من البيضاء (شرق) مقرًا لها، عملها رغم عدم وجود اعتراف دولى بها، ويحصل وزراؤها على ثقة البرلمان، وهى التى تتعامل معها القيادة العامة للجيش، وتسلمها إدارة كل المناطق التى تبسط عليها القوات المسلحة نفوذها بما فى ذلك مناطق الجنوب الغربى وبعض مدن وقرى المنطقة الغربية. وبينما يطلق السراج على نفسه صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، يرفض القائد العام المشير خليفة حفتر والبرلمان الاعتراف بذلك، منطلقين من أن اتفاق الصخيرات يمنح هذه الصفة للمجلس الرئاسى مجتمعًا، وليس لرئيسه، وهو ما لم يتحقق منذ أوائل 2016 عندما قرر النائبان على القطرانى وعمر الأسود تعليق عضويتهما، كما أن حكومة الوفاق تعتبر فاقدة للشرعية نتيجة عدم حصولها على ثقة البرلمان.