الخميس 8 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الناقد الأدبى د.عزوز إسماعيل: التراث هو الإنارة الحقيقية لكل ما هو قادم

 إلى جانب اهتمامه البالغ بالتراث فى اطروحاته النقدية يعتبر د. عزوز إسماعيل من النقاد الحداثيين فى  مصر، وينطلق من رؤية تحديثية تستند إلى وعى جمالى خاص يرفض الجاهز ويعادى التقليد. من أعماله : عتبات النص فى الرواية العربية، الألم فى الرواية العربية، المعجم المفسر لعتبات النصوص.



هنا حوار معه:

■ لك مشروع ثقافى كبير حمل عنوان «عتبات النص» تُوج بالموسوعة الكبرى «المعجم المفسِّر لعتبات

 

النصوص».. ماذا تعنى بهذا المشروع الضخم؟

 

- دراسة عتبات النص أصبحت من الأهمية بمكان وقد حاولت إلقاء حجر ضخم فى بحر الدراسات النقدية وإيقاظ الكتاب والنقاد لهذا الدرس النقدى العميق المرتبط بعتبات النص والعلاقة الرابطة بين العتبة والنص، وهل هناك خيط رابط بينهما أى ما الفائدة من أن يصدر لنا يوسف السباعى مثلًا روايته «أرض النفاق» بإهدائها إلى نفسه، قائلًا:«إلى خير من اسْتَحَقَ الإهداءَ إلى أحبِّ النَّاسِ إلى نفْسِى وأقربهم إلى قلبى إلى يُوسُف السِّباعي، ولو قلت غيرَ هذا لكنتُ شيخَ المُنافقين من أرضِ النِّفاق.. يُوسُف السِّباعِي. فهل هذا شيء عابر لا نلتفت إليه فى الدراسات الحديثة؟» بل علينا أن ندرك قيمة ذلك الإهداء باعتباره هو النص الموازى الداخلى وهناك عتبات تعتبر نصوصًا خارجية مثل ما يقوله المؤلف عن عمله وما يكتب عن العمل من دراسات ومقالات هى نصوص موازية وعتبات نصية..

 

■ كيف استخرجت أصول «عتبات النص» من التراث، بالرغم من عدم وجود كتب بالشكل المعتاد فى العصور القديمة؟

 

- المهمة كانت صعبة جدًا ولكن كنت متيقنًا من أنه من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل لقد أخذت وقتًا طويلًا وسنوات صعبة باحثًا وقارئًا فى كتب التراث والشذرات هنا وهناك عن عتبات النص وقد وجدت بين طيات التراث من تناول تلك القضايا ولكن بطريقة غير منهجية وما يهمنى أن التراث فيه ما أبحث عنه، وقد استندت إلى التراث العربى العظيم فى انطلاقتى نحو دراسة العتبات، للتَّدْلِيْلِ عَلَى احْتِفَاءِ العَرَبِ قَدِيْمًا بِعَتَبَاتِ النُّصوصِ، فإذا كان الغرب قد أولى عتبات النُّصوص اهتمامًا فى نهاية القرن الماضي، فإنَّ النَّقد العربى القديم وتراثنا العظيم هو أوُّل ما وضع بذرة العتبات، حيث تناولها كثيرٌ من النُّقاد، وقد كان تناولهم لها من ناحية تبادل المراسلات كما هو الحال عند ابن الأثير فى كتابه «المثل السَّائر فى أدب الكاتب والشَّاعر»، وأبى القاسم الكُلاعى الأشبيلى فى كتابه «أحكام صنعة الكلام» . وتناول الجاحظ بعض العتبات من ناحية أدب الكتابة، فهو يؤكِّد على أهمية الابتداء «الاستهلال» بقوله «إنَّ لابتداءِ الكلامِ فتنةً وعُجْبًا «وهو ينبِّـه أيضًا عن المؤلفات، حيث يقول «وينبغى لمن كتب كتابًا ألَّا يكتبه إلا على أنَّ الناس كلَّهم له أعداء، وكلَّهم عالم بالأمور وكلَّهم متفرغ له»، يحثُّ الجاحظ الكتَّابَ على التدقيق فى الكتابة ومراعاة كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فيها، وقام عبد الله بن أبى الإصبع بالكتابة عن العتبات فى كتابين له وهما من الكتب النادرة الأول «الخواطر السَّوانح فى أسرار الفواتح»، والثانى «تحرير التَّحبير فى صناعة الشِّعر والنَّثر» وهو من الأهمية بمكان، حيث قسَّمه إلى أبوابٍ تتناول بدايات العتبات فى النَّقد، نحو باب حسن الابتداءات. باب الكتابة. باب الإشارة. باب التَّذييل. باب حسن النسق. باب رد الأعجاز على الصُّدور. باب الإمضاء. باب حسن الخاتمة، وهو ما يؤكِّـدُ على اهتمام النَّقد القديم بعتبات الكتابة.

 

■ تطرقت فى  موسوعتك إلى مصطلحات غامضة، مثل: جيولوجيا النص، وتضاريس النص، وببليوجرافيا النص، كيف جمعت مثل هذه المصطلحات؟ وكيف فسرتها؟ وماذا عن هذا المعجم؟

 

- «المعجم المفسِّر لعتبات النصوص» هو موسوعة فكرية فى الفنون والآداب، يخدم صفوة النقاد والباحثين فى الفنون كافة، فهو يؤكد دور العتبات فى فك شفرات النصوص، بحكم أنها مفاتيح وأيقونات مكثفة لها، من هنا كان المعجم انطلاقة نحو آفاق أرحب فى الفكر والثقافة. إذًا النص الذى أقصده فى «المعجم المفسِّر لعتبات النصوص» هو كل ما يحمل فكرًا فالقصيدة نصٌّ والرواية نص، والمسرحية نص، والقصة القصيرة نص، والمقالة نص، الصورة نص، اللوحة الفنية نص، والنحت نص، والحياة نفسها نص [وما الحياة إلا نصٌّ نحياه، له مقدمةٌ باكية وخاتمةٌ مبكية وما بينهما مجموعة من العتبات] وما المعجم المفسر لعتبات النصوص إلا موسوعة فكرية بها مجموعة ضخمة من المصطلحات كل مصطلح نواة لرسالة علمية ضخمة يختص بها باحث مقتدر بعينه فى المجال نفسه.. وتثار الأسئلة المهمة منه ما الفرق بين المقدمة والتمهيد والمدخل والتوطئة والاستهلال؟. ما الفرق بين التعبير والتحرير والتحبير والإنشاء والتدوين؟ ما الفرق بين الإمضاء والتوقيع. ولماذا من الخطأ أن نقول هذا الإنسان رئيس التحرير؟ والمعجم يجيب فى بعض جزئياته عن ذلك. هذا المعجم مشروع كبير بدأته منذ عشر سنوات وقد انتهيت منه 2018 يهدف إلى تسليط الضوء بقوة على الأشياء التى كانت مهمشة من قبل ولم يلتفت إليها الكثيرون على الرغم أنها أصبحت من صميم الدراسات الإنسانية عامة والفنون والآداب خاصة، تهدف هذه الموسوعة وهذا المعجم الضخم إلى إيقاظ الباحثين فى الفنون كافة للاهتمام بعتبات النصوص وكيف أن تلك العتبات هى مداخل للنص، ولا بد أن يكون هناك رابط بين تلك العتبات والنصوص نفسها.

 

■ هل تخدم «عتبات النص» اتجاهات النقد الأدبى القديمة والحديثة؟

 

- بالتأكيد فكتابى «عتبات النص» عمل نقدى رفيع كما وصفوه، لا توجد رسالة علمية الآن من ماجستير ودكتوراه إلا وتستند إليه نظرًا لمقاربة النصوص وتفسيرها تفسيرًا دقيقًا يعتمد الدرس الأدبى والنقدى المرتبط بالعتبات، وبعد أن خرج هذا الكتاب فى 2013 لا تتخيل كم الأعمال الأدبية بعده وكلها ارتبطت بالعتبات سواء أكان فى الشعر أن فى النثر بأنواعه، وحتى وقتنا الحاضر لا يمر يوم إلا وتأتينى رسائل من كافة أقطار الأمة العربية للسؤال عن الكتاب وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية الكتاب الذى يقع فى أكثر من 500 صفحة.. من هنا نقول إن دراسة عتبات النص فى النصوص القديمة والحديثة من الأهمية بمكان حتى فى تحقيق التراث وهو أمر ذو شأن عظيم، لابد من الاهتمام بعتبات النص فى تحقيق التراث ومعرفة العنوان ودلالاته والفكرة وما يتمخض عنه التذييل وكذلك الهامش وهو أمر فصلته فى «المعجم المفسر لعتبات النصوص».

 

■ الكثير من المبدعين يرفضون محاسبتهم على مستوى أغلفة أعمالهم، خاصة أن دور النشر هى التى تختار الغلاف فى كثير من الأحيان، ما رأيك؟

 

- إشكالية كبيرة جدًا وقد فصلت فيها الأمر بكل جدية فى «المعجم» لأن هناك علاقة وطيدة بين دراسة الفن ودراسة الأدب فى جزئية الغلاف ولكن باختصار نقول: فارق كبير بين أن يقوم الفنان بقراءة العمل والتعبير عنه برسمة الغلاف وهنا تلتقى العلاقة بين الفن والأدب، وبين أن يقوم صاحب دار النشر بوضع غلاف تجارى بعيدًا عن مضمون العمل وهذه كارثة وقد أكدتُ أهمية الغِلافِ فى كتابى «عَتَبَات النَّـصِّ» ذلك أنَّه وبعد أنْ عبَّر الإنسانُ عن نفسه بالرَّسْمِ أو بالتَّصوير أو بالنَّقْشِ أو بالكتابة باتَتْ الحاجةُ ملحَّـةً لأنْ يحفظَ ما دوَّنه، فعمَدَ إلى الغلافِ الذى يحفظ ما بداخله، ورَسْمةَ الغِلاف ما هى إلا تواصلٌ بصرى يترجم واقع العمل الدَّاخلى، وعليه فإنَّ الغلافَ يساعدُنا على فهم جنس العمل، وبيان المقصدية منه على المستوى الفنِّى أو الجمالى، وهو ما يمتلك الخطاب الغلافى فى تبيان العنوان واسم المؤلِّف، ويضمُّ الغُلافُ كذلك فى خطابه كلماتِ النَّاشر، وبعض التَّعليقات، ومن هنا فإنَّ الغِلافَ لا غنى عنه فى الخطاب الأدبى بصفةٍ عامةٍ والغلافى بصفة خاصة، وهو ما يجعلنا نقول إن تعدد الطبعات لعمل واحد مع اختلاف الغلاف يحتاج إلى دراسة بعينها تتناول الفرق بين كل طبعة وطبعة فى الغلاف، فضلًا عن ربط الفن بالأدب وهو بمفرده يحتاج إلى علماء كبار يكتبون فى هذا المجال، وطرح جديد فى عالم الدراسات الإنسانية.

 

■ كتاباتك تشير إلى ميلك الشديد إلى التراث أكثر من الحداثة، هل هذا صحيح؟

 

- ليس كذلك بل أستحضر التراث معى بالضبط مثل الخائف من شيء مجهول ليكون دليلي، والتراث هو الإنارة الحقيقية لكل ما هو قادم ومعظم دراساتى النقدية انطلقت من التراث فى كتابى حول «الشعرية» انطلقت من التراث من عبدالقاهر الجرجانى وغيره الذين تناولوا الشعرية للتدليل على أن التراث حوى ذلك وكتابى «الألم فى الرواية العربية» أيضًا انطلقت من التراث، وغيرها وهذا دليل على أن الخلفية مرتبطة بالتراث فلا يمكن أن أخوض غمار الحداثة وأنا غير مسلح بالتراث لأن الحداثة وما تمخضت عنه من تجليات لها ارتباط بالماضى فالإنسان يولد من أب وأم أى أن هناك ميراثًا وهكذا فى الأدب والفكر والإبداع.