الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
العائدون من سوريا

العائدون من سوريا

استطاعت سوريا أو جزء منها خلال السنوات الثمانية الأخيرة أن تتحول إلى بيئة حاضنة للإرهاب والإرهابيين، وربما تفوقت بذلك على أفغانستان خلال عمليات الاستقطاب التى جرت منذ ثمانينيات القرن الماضى تحت مسمى الجهاد، فبعدها وبعد الضربات الموجعة التى تلقاها تنظيم القاعدة هناك، بدأت الهجرة العكسية التى فتحت الأبواب على قضية العائدين من أفغانستان، وما تلاها من عمليات اعتقال ومحاكمات طالت الإرهابيين العائدين أصحاب الأفكار المتشددة، وبعدها مرحلة تنظيف العقول من آثار الفكر الضال، واليوم بات السؤال ملحًا ألا وهو أين العائدون من سوريا؟.



فتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابى ومعه جبهة النصرة وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحزب التركستانى وحراس الدين وغيرهم، يضمون ما يقارب المائة ألف عنصر إرهابى، ينتشرون فى عموم مناط إدلب أو ما تبقى منها ومن محافظتى حلب واللاذقية، بالإضافة طبعا إلي أولئك المتواجدين فى المعسكرات التركية والذين تم نقلهم إلى ليبيا، وبالتالى فإن التفكير والتحضير لمحاسبتهم بات أمرا واقعا بعد التقدم الكبير الذى أحرزه الجيش العربى السورى مؤخرًا من خلال استرداد الأراضى السورية من أصحاب الفكر الإرهابى.

هؤلاء يضاف إليهم آلاف العناصر وعائلاتهم المتواجدين حاليا فى مخيمات الاعتقال بالشمال السورى والتى تخضع لسيطرة التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب وقوات سوريا الديمقراطية، والذين بدورهم يشكلون قنابل موقوتة قد تنفجر بأى وقت وأى مكان، فى ظل حالات إطلاق السراح بعد الوساطات العشائرية وحالات الهروب المتكررة.

مجمع الإرهابيين فى سوريا بات من جميع الجنسيات دون استثناء، وبالتالى فإن المسئولية دولية رغم محاولات العديد من الدول وخصوصا الدول الغربية التنصل من المسئولية من خلال التهرب من المسئولية أو إسقاط الجنسية عن مواطنيها المتورطين بالإرهاب.

إلا أن السؤال هو ما سيقوم به هؤلاء لو قام أردوغان بتهريبهم إلى دولهم كما قام باستقبالهم وإدخالهم إلى الأراضى السورية، كوسيلة ضغط من وسائله الإرهابية المعتادة؟، وذلك فى ظل عدم وجود أى خطوات عملية لاحتواء هذا الخطر ليس فقط عربيًا بل عالميًا، وربما يكون تجهيز سجون خاصة لهؤلاء للتحقيق معهم ومحاكمتهم بمحاكمات عادلة وإيداعهم بمراكز خاصة تحت إشراف مختصين أمنيين ونفسيين هو خير خطوة يجب أن تجرى، وذلك بالتوازى مع خطوات عملية فى منطقة شرق سوريا لإفراغ السجون من عناصر تنظيم داعش وتسليم كل دولة مواطنيها لإجراء اللازم.

مع الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق فقط برجال التنظيمات الإرهابية، بل يتعداه إلى النساء والأطفال، ولا فرق بين الفئات الثلاث بنسبة الخطورة على المجتمعات، بل ربما يكون خطر الأطفال والنساء أخطر من الرجال، كون النساء تحملن بذور الفكر الإرهابى لإنشاء أجيال جديدة، والأطفال يشكلون قنابل موقوتة يتم التحكم بها عن بعد للتحرك فى الوقت المناسب.

مع الإشارة إلى أنه يجب الفصل بين حاملى العقيدة الإرهابية والمغرر بهم، فالنوع الأول يحتاج لتحقيقات أمنية موسعة تتعلق بعمليات التجنيد والانتقال والتنقل والتواصل المستمر للآن وهى الفئة الأشد خطرا، ويوجد فئة المغرر بهم وهى الفئة التى انضمت بسبب الإغراءات المالية والتلاعب بالأفكار الدينية من خلال الفتاوى المعلبة والتى ساهمت الآلة الإعلامية الإخوانية بنشرها على نحو واسع.

الأمر ومن خلال كونه مشكلة عالمية يتعلق بالقانون الدولى الخاص بجرائم الإرهاب ومحاكمة الإرهابيين، حيث نصت اتفاقية جنيف الثالثة على ضرورة تشكيل محكمة خاصة للبت فى أوضاع من قام بأى فعل عدائى خلال المعارك الدائرة خلال الحروب، وأنصف القانون الدولى الإرهابيين من خلال المحاكمات حيث نصت اتفاقية جنيف الرابعة على أنه «بالنسبة للأشخاص المحتجزين لأسباب تتعلّق بنزاع مسلّح غير دوليّ شُنَّ كجزء من الحرب ضدّ الإرهاب – كما هى الحال بالنسبة لأفغانستان منذ يونيو/حزيران 2002 – فهم يتمتّعون بالحماية بموجب المادّة 3 المشتركة فيما بين اتّفاقيّات جنيف وقواعد القانون الدّوليّ الإنسانيّ العُرفيّ ذات الصلة.  كما تُطبّق عليهم أيضاً قواعد القانون الدّوليّ لحقوق الإنسان والقانون المحلّي. وفى حال محاكمتهم لأيّ جرائم يكونون قد ارتكبوها، يحقّ لهم الحصول على ضمانات من أجل محاكمة عادلة يكفلها القانون الدّوليّ الإنسانيّ وقانون حقوق الإنسان»، ومما سبق وبحسب القوانين الدولية فإن محاسبة الإرهابيين لها هيكلية قانونية، ومن الممكن إجراء المحاكمة الأولى فى سوريا وبعدها يتم نقل المحكومين إلى بلدانهم لتنفيذ الأحكام أو لإعادة محاكمتهم من جديد.

ولقطع الطريق على مخططات أردوغان فى نشر التوتر والإرهاب فى دول المنطقة يجب الالتفات وبشكل فورى لهذه المشكلة، كون أردوغان يمر حاليًا فى مواقف لا يحسد عليها بعد غوصه فى المستنقع السورى بشكل كبير أو بالأحرى أكبر من قبل بعد التورط المباشر للجيش التركى وسقوط عشرات القتلى والجرحى بصفوفه بنيران الجيش السورى، وقام هو فعلًا بالخطوة الأولى من خلال فتح بوابات بلده أمام اللاجئين السوريين للانتقال إلى أوروبا كوسيلة ضغط على الدول الأوروبية لمساندته فى حربه السورية، وستكون ورقة الإرهابيين الورقة الثانية التى قد يلجأ إليها سريعًا بمساعدة دويلة قطر وبعض الدول الأخرى يضاف إليها الخلايا الإخوانية التى ستؤمن التنسيق اللوجستى لانتقال الإرهابيين إلى بلدانهم أن تأمن التمويل اللازم.