الثلاثاء 6 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صاحب «الصحيح» الثانى ... الإمام مسلم




ولد أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيرى فى نيسابور (206 هـ 822 م)، من أسرة عربية أصيلة ترجع إلى قبيلة قشير، ونشأ فى أسرة كريمة، وتأدب فى بيت علم وفضل، فكان أبوه فيمن يتصدرون حلقات العلم، ولذا عنى بتربية ولده وتعليمه، فنشأ شغوفًا بالعلم مجدًا فى طلبه محبا للحديث النبوي، فسمع وعلى صغره من مشايخ نيسابور، وكان الإمام يحيى بن يحيى التميمى أول شيخ يجلس إليه ويسمع منه، وكان عمره آنذاك اثنتى عشرة سنة.

بدأت رحلات الإمام مسلم الواسعة فى طلب العلم الحديث، التى طاف خلالها البلاد الإسلامية عدة مرات، وهو صغير فى الرابعة عشر، حيث رحل أولا إلى البصرة ومنها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج والسماع من أئمة الحديث وكبار الشيوخ، حيث زار المدينة النبوية ومكة المكرمة ومنها رحل إلى مصر، ثم زار بلاد الشام فالعراق، ومنها رجع إلى الري، فخراسان، ومكث قرابة الخمسة عشر عاما فى طلب الحديث لقى فيها عددا كبيرا من الشيوخ وجمع ما يزيد على ثلاثمائة ألف حديث.
تتلمذ –رحمه الله– على أيدى كثير من العلماء والحفاظ والأئمة، وقد سرد الإمام المزى أسماء شيوخه فى كتابه «تهذيب الكمال» ولكن أبرز وأشهر شيوخ الإمام مسلم الذين أخذ العلم على أيديهم هو الإمام البخارى رحمه الله صاحب «صحيح البخاري».
لازم الإمام مسلم شيخه البخارى لما قدم البخارى نيسابور، وكان يقتفى أثره وينظر فى علمه ويحذو حذوه، حتى قال الدارقطني: لولا البخارى ما راح مسلم ولا جاء.
وقال أحمد بن حمدون القصار: رأيت مسلم بن الحجاج جاء إلى البخارى فقبل بين عينيه وقال: دعنى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، ويا سيد المحدثين، وطبيب الحديث فى علله، ثم سأله عن حديث كفارة المجلس فذكر له علته فلما فرغ قال مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس فى الدنيا مثلك، وكان يدافع ويناضل عن شيخه البخاري، وكان يقدمه على جميع شيوخه.
وصفه الحاكم النيسابورى فقال عنه: «كان تام القامة أبيض الرأس واللحية يرخى طرف عمامته بين كتفيه، كان أول سماعه الحديث سنة 218 هـ، بعد أن طاف البلاد الإسلامية عدة مرات، رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر».
ونقل الحاكم أيضا عن أبى عبد الرحمن السلمى قال: «رأيت شيخا حسن الوجه والثياب، عليه رداء حسن وعلمه قد أرخاها بين كتفيه، فقيل: هذا مسلم. فتقدم أصحاب السلطان فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج أمام المسلمين. فقدّموه فى الجامع، فكبّر وصلى بالناس»
تتلمذ على يد الإمام مسلم عنه جماعات من كبار أئمة عصره منهم: الترمذي، وأبو الفضل أحمد بن سلمة، وإبراهيم بن أبى طالب، وشيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء، وابن خزيمة، وأبو حاتم الرازي، وإبراهيم بن محمد بن سفيان، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو حامد الأعمشي، وغيرهم.
أجمع العلماء على جلالته وإمامته وثقته وعلو مرتبته وحذقه فى الصناعة الحديثية... قال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار يقول: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبدالله الدارمى بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.
تذكر كتب التراجم والسير أن الإمام مسلم كان يعمل بالتجارة، وكانت له أملاك وضياع مكنته من التفرغ للعلم، والقيام بالرحلات الواسعة إلى الأئمة الأعلام الذين ينتشرون فى بقاع كثيرة من العالم الإسلامي.
ترك الإمام مسلم مؤلفات أخرى عديدة غير كتابه الأشهر «الجامع الصحيح» وهي: كتاب الكنى والأسماء، وكتاب المنفردات والوحدان، وكتاب الطبقات، وكتاب رجال عراوة بن الزبير، وكتاب التمييز، وكتاب المسند الكبير على الرجال، وكتاب الجامع على الأبواب، وكتاب الأسامى والكنى، وكتاب العلل، وكتاب الأقران، وسؤالاته أحمد بن حنبل، وكتاب عمرو ابن شعيب، وكتاب الانتفاع بأهب السباع، وكتاب مشايخ مالك، وكتاب مشايخ الثوري، وكتاب مشايخ شعبة، وكتاب من ليس له إلا راوٍ واحد، وكتاب أولاد الصحابة، وكتاب المخضرمين، وكتاب أفراد الشاميين.
توفى –رحمه الله– عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين قبل انتهاء شهر رجب سنة 161 بنيسابور عن سبعاً وخمسين سنة.