غربة وعقوق وإلحاد

يكتبه أحمد عاطف آدم
تحياتى إلى كل القائمين على بريدنا الراقى «بريد روزا»، أما بعد..
أنا سيدى الفاضل مصرى اربعينى أعيش بالمملكة المتحدة وتحديدا فى مدينة لندن، انتقلت إليها وأنا فى الخامسة والعشرين من عمرى بعدما تزوجت من انجليزية تعرفت عليها فى مصر أثناء عملى بإحدى المدن السياحية، وكى أكون صريحا وأمينا - هو كان زواج مصلحة بالدرجة الأولى ولم يكن حبا صادقًا من طرفى. فقد لفت نظرى إليها أسرتها الغنية وإنفاقهم ببذخ وكرمهم معى - ما دفعنى إلى تبادل حسابات التواصل الإجتماعى وأرقام الهواتف معهم ومع فتاتى التى تكبرنى بخمسة أعوام، ولم أهتم حينها بأى فروق حتى أحقق حلم السفر والاستقرار المادى لى ولأسرتى الفقيرة - نعم سيدى كنت إنسانا وصوليا. وبالفعل تحقق المراد بعد عام أثناء زيارتهم الثانية لمصر وتزوجنا وسافرت مع زوجتى وعملت هناك «بار مان» أو بائع خمور، وأيضا لم أهتم بطبيعة عملى المتنافى مع ديانتى الإسلامية، بصراحة مطلقة كنت أقول لنفسى - «أضف إلى تنازلاتك تنازلا جديدا بجملة التنازلات»، وبعد عامين من الزواج وكما خططنا وأراد الله لنا - رُزقت بابنتى الوحيدة التى ملأت علينا الدنيا وما فيها وكانت مصدر سعادة لا ينقطع للجميع حتى بلغت الآن الثالثة عشرة من عمرها، وهى تمر حاليا بفترة المراهقة وتطور المشاعر العاطفية تجاه الجنس الآخر، وهذا التطور تسبب للأسف الشديد فى خلافات بينى وبين أمها بسبب طريقة التربية المختلفة عن تلك التى تربيت أنا عليها، فطفلتى تعيش الحياة الأوروبية وتصادق شباناً - والمُعضلة الكبيرة أستاذ أحمد أن زوجتى ملحدة لا تعترف بوجود إله، مما يُصعب من مهمتى فى إقناعها بأن ما أطالب به من التزام هو شيء مقنع وليس متخلفا كما تعتقد هى وأهلها، وعطفاً على كل ما سبق أصبحت لا أطيق عيشتى معها وأتمنى لو أنه كابوس مروع وسأفيق منه. الشيء الذى كسرنى وهزنى بقوة هو أن ابنتى عادت إلينا فى يوم من النادى الرياضى حيث تمارس لعبة التنس ومعها صديقها، وهو شاب يكبرها بعامين وكانت قد دعته لتناول وجبة الغداء دون إبلاغى مسبقا عن عمد ليقينها برفضى القطعى، فما كان منى إلا أن قمت بطرد هذا الصديق غير المرغوب وطالبته بالابتعاد عن ابنتى، وبعد مغادرته انفعلت بشدة على زوجتى وابنتى، وفوجئت بالصدمة الكبرى وهى أن ابنتى قالت لى هذه حياتى وسأعيشها كما أريد وليس لك حق فى التدخل فيها لأنك أنت من تعيش هنا وليس العكس، ويجب أن تتحرر من أفكارك المتخلفة - فوجدت نفسى أنظر إليها وأبكى بشدة بعدما قارنت معاملة شقيقاتى لأبينا ومدى احترامهن وخوفهن الشديد منه وبين هذا الكم من الانحلال والضياع الذى تعانى منه ابنتى. والآن سيدى أصبحت لا أعرف ماذا أفعل!؟ - هل أعيش معهم بقواعدهم المتحررة وأقبل أن أكون رجلا ديوثا أم بماذا تنصحنى لإعادة ابنتى لرشدها وتطبيعها بعاداتنا وسلوكياتنا المحافظة والتى لا تعترف بتلك الصداقات الشاذة.
إمضاء ك. ث
عزيزى ك. ث تحية طيبة وبعد ...
معظم العلاقات التى تتخطى حدود مجتمعنا الشرقى وتذهب إلى الغرب أو العكس دائما ما تصطدم باختلافات وحواجز منيعة مثل الدين أو اللغة أو الثقافة والموروثات الاجتماعية ... إلخ، ولسوء حظ شبابنا فإن الباب الضيق الذى يمرون من خلاله إلى بلاد لا تتحدث لغة الضاد ويتزوجون بأجنبيات - غالبا ما يجدون أنفسهم إما مجبرين على الخروج منه سريعا أو البقاء هناك والرضوخ للتطبيع والتطبع بحيثيات الواقع الجديد، وهذا هو ملخص محصلة تلك التجارب غير المحسبوبة. فأنت عزيزى كنت تعتقد بأن حلم السفر وتقاضى العملة الصعبة سيوفر لك ولأسرتك حياة كريمة ومستقرة بعد الزواج من فتاتك الأجنبية والولوج إلى هذا العالم المختلف، وللأسف الشديد فإنك كالغالبية العظمى من أصحاب هذا الطموح قمت بغض الطرف وبمحض إرادتك عن المقابل الذى ستدفعه لقاء هذا الإستقرار الوهمى - والدليل على ذلك هو اعترافك بالتنازل عن ثوابت وفروقات كثيرة من أجل إتمام مغامرتك وتحقيق حلم السفر، وأنا أجد أن سمة سؤال ملح يطرح نفسه عليك وهو: هل كنت ستندم أيضا فى حالة إذا رزقت بولد بدلا من البنت، وهل كنت ستقبل علاقته بأى فتاة كصديقة!؟ ، أعتقد أن رد الفعل كان سيختلف - لكن تبقى المبادئ واحدة لا تتجزأ. وكى أكون صادقاً معك فإن رفاهية الحلول الآن لتقويم ابنتك كما تريد أصبحت محدودة لكنها قائمة، تتوقف فقط على قدراتك الإقناعية فى تقديم إثباتك لها ولوالدتها - إن أصغت إليك - على وجود إله، وبأن هذا الكون الذى نعيش فيه له خالق وبأننا أحد خلقه نقر له بالربوبية. والمطلوب منك فى بادئ الأمر محاولة احتوائها كأب دون ترهيب مع مراقبة تصرفاتها وتدعيمها بالكتب الدينية المترجمة التى قد تمكنك من إقناعها بعظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته، وجمال الدين وكيف تحافظ تعاليمه على قيمة المرأة وحقوقها. وعلى الرغم من صعوبة تلك المهمة التى كان يجب عليك أن تبدأها مع أمها أولا - إلا أن هذا الطريق هو إجبارى من أجل ثقل بعض القناعات الأخرى كضرورة الابتعاد عن الصداقات والاختلاط الحميمى بين الجنسين خارج نطاق العلاقة الشرعية بين الأزواج، والتوقيت المناسب لتكوين أسرة وتحمل المسئولية. وإذا لا قدر الله باءت كل محاولاتك بالفشل رغم صبرك الكبير وإرادتك فى إثنائهم عن طريقة حياتهم - فلا أجد هنا مفر من نُصحك بالعودة إلى أحضان الوطن وإنهاء علاقتك بزوجتك، لأنه لا خير فيها ولا فى ابنتك لصلابة إلحادهما وحيادهما عن الحق، وربما يتسبب استمرار تواجدك معهما فى تكبدك المزيد من الخسائر التى قد لا تكون محمودة العواقب - إذا ما استفزتك أحوالهن وعدم قدرتك على تبديل مواقفهما بما يناسب تقاليدك وعاداتك، وحينها فإن عودتك إلى وطنك تكون هى الخيار الأمثل للعمل هنا والصبر حتى تحقق طموحك وتظفر فى النهاية بزوجة صالحة ومتدينة تحفظك فى غيابك وتربى لك أبناءك كما تربينا فى بيئة صالحة وأجواء مستقرة. دمت سعيدا وموفقا دائما ك. ث أحمد عاطف آدم