الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تحديات صناعة النشر فى زمن الكورونا

مع بداية عام 2020 كانت جائحة كورونا  قد اجتاحت العالم أجمع ولأول مرة يتم اغلاق جميع الدول على نفسها، كذلك تم الغاء جميع الفعاليات العالمية  وأيضًا الثقافية، حيث تم تأجيل نحو 14 معرضًا دوليًا للكتاب كان من المفترض اقامتها  فى النصف الأول من العام الجارى فقط، كما أعلنت الدول عن امكانية الغاء المعارض الدولية طول العام الجارى خشية من اجتياح الفيروس مرة أخرى خاصة فى دول أوروبا التى بدأت تتنفس الصعداء منذ أيام قليلة، أما فى الولايات المتحدة ودول أمريكا الاتينية وإفريقا فمازالت الجائحة تتصاعد بوتيرة سريعة تنذر بعدم اقتراب من نهايتها ربما لأشهر قادمة.



وعلى الصعيد الثقافى فإن أزمة كورونا كانت القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة لدور النشر وسوق انتاج وصناعة الكتب، فلا نستطيع ان نقول إن هذه الجائحة كانت السبب وراء توقف الصناعة فى عالمنا العربي، لكن كورونا كانت السبب الرئيسى وراء انفجار المشكلة التى أدت الى اغلاق عدد من المكتبات ودور النشر خاصة فى مصر والدول العربية.

وبين أزمة التباعد الاجتماعي، وفرض ساعات حظر التجوال، والخوف من انتشار الفيروس عبر شراء الكتب، كذلك سرعة انتشار صفحات القرصنة وعرض نسخ من الكتب دون مقابل عبر عدد من الصفحات الالكترونية والمنصات غير المرخصة، كانت هذه الأزمات التى تواجهه أكثر من 1400 دار نشر مصرية استطاع البعض أن يصمد أمامها حتى وقتنا الراهن، لكن ليس من المعروف الى متى يمكن ان يقف هؤلاء أمام طوفان الإفلاس التى بدأ يلوح فى الأفق.

انفجار الأزمة

بدأت الأزمة تتفاقم فى الأول من شهر مارس الماضي، وتحديًا بعد انتهاء معرض مسقط للكتاب الذى أقيم فى الفترة من 22 فبراير وحتى 2 مارس، حيث بدأت الدول الأوربية اغلاق حدودها بسبب انتشار كورونا و تحديدًا يوم 18 مارس وقرر الاتحاد الأوروبى فرض حظر على دخول المسافرين من خارج دول الاتحاد، فى خطوة غير مسبوقة تهدف إلى الحد من انتشار وباء كورونا.

ومنذ ذلك التاريخ بدأ انخفاض مبيعات الكتب على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 25 و50 % فى المكتبات. هذا ما أعلنته مؤخراً جمعية الناشرين الإيطالية، ومعظم دور النشر فى العالم، وسارعت الحكومة الإيطالية وحكومات العالم إلى توفير الدعم الأساسى للكتاب، مثل خصم الضرائب عن شراء الكتب، وإجراءات طوارئ لصالح شراء الكتب المدرسية.

أما فيما يخص العالم العربي، فالقراءة ليست الهواية المفضلة لدى الأغلبية، إذ يعانى الكتاب العربى أصلاً من الكساد قبل انتشار كورونا، إلا أن الناشرين العرب، وفى استجابة منهم إلى التصدى لهذا الوباء، اتجهوا الى بعض الحلول الفورية فى محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه أمام شبح الافلاس والغلق، وكان الخيار الأنسب أمامهم حاليًا هو تفعيل دور المنصات الإلكترونية لطرح الكتب من خلالها عبر الإنترنت سواء الرقمى أو الورقى او المسموع، مع إمكانية توصيلها الى القراء دون الحاجة الى الخروج واحيانًا بدون مصاريف شحن فى محاولة لاجتذاب أكبر قدر من القراء.

وربما ساعد هذا الحل البعض فى تفادى الأزمة بشكل ليس كبيرا حيث توقفت طباعة الكتب بشكل كامل خلال هذه الأشهر وحتى الآن، وبدأ معدل الخسائر يزداد مما أدى الى اغلاق عدد كبير من أفرع المكتبات او اغلاق دور النشر بشكل نهائي.

الحل الالكترونى او الصوتي

وفى خطوة لمحاولة ايجاد حلول فعالة للخروج من هذه الأزمة الفاقمة، نظمت دائرة الثقافة والسياحة بالعاصمة الامارتية أبوظبي مؤخرا ندوة عن تسويق الكتاب خلال الأزمة الحالية بعنوان «تحديات تسويق الكتاب العربى فى ظل الأزمة الراهنة»، شاركت فيها مجموعة من الخبراء والمختصين فى صناعة وتسويق الكتاب بالإضافة إلى عدد من أصحاب ومدراء دور النشر عربياً ودولياً.

وخلال الندوة قال محمود عبدالرحمن الصعيدي، المدير التنفيذى لدار «خبراء الكتاب للنشر والتوزيع» بالسعودية أن «دور النشر سيتغير تعاملها مع الكتب بعد الأزمة، والقارئ قد لا يكون مهتما بالكتاب كما فى السابق بسبب وجود أولويات أخرى، ومع ذلك فإن الكتاب الورقى سيبقى وسيظل يحظى بالإقبال كما فى السابق».

وحول منافسة الكتاب الصوتى للكتاب الورقى والإلكتروني، أوضح المدير التنفيذى لدار «خبراء الكتاب للنشر والتوزيع»، أن الكتاب الصوتى يخاطب ما نسبته 10 % من القراء كالأطفال وأصحاب الهمم، بعكس الكتب الورقية والإلكترونية».

وتطرق محمد عبدالله نورالدين، أحد مؤسسى «دار نبطى للنشر» فى الإمارات، إلى التحديات التى تواجه صناعة الكتاب فى ظل الجائحة، مشيرا إلى أن عدم انتشار ثقافة القراءة بالشكل المطلوب فى مجتمعاتنا، جعل العالم العربى يمثل فقط ما نسبته 1% من اقتصاد النشر على مستوى العالم، وهو ما يجعل دور النشر العربية خارج قوائم دور النشر الرابحة فى العالم.

بره الصندوق

من جانبه، أوضح هيثم حسن مدير عام «دار دارك» للنشر ان جائحة كورونا استطاعت أن توقف طباعة الكتب والنشر بشكل عام، وأصبح الاتجاه لوجود حلول بديلة خارج الصندوق أمر حتمى يجب مواجهته، فكانت البداية من خلال انطلاق مبادرة «كتالوج دارك للتقسيط» حيث تم انطلاقها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بمشاركة عدد من دور النشر وهى «الرواق، وكيان، وأقلام عربية، والكرمة، وتويا» بالإضافة إلى مشاركة تطبيق «كتاب صوتي» للكتب المسموعة، من خلال طرح الاشتراكات بالتقسيط.

من جهة أخرى قال احمد عبد الجواد مدير «مؤسسة صهيل الأدبية»، ان الدار عملت على تركيز جهودها على مواقع السوشيال ميديا خلال هذه الفترة الصعبة،  وذلك من خلال دعم لقاءات مع الكتاب أون لاين، وادارة  وتحكيم مسابقات أدبية وثقافية تقام عبر الانترنت، كان آخرها مشروع  «ونس معتكفى الكتابى» فى خطوة لدعم الابداع الثقافى لدى الجمهور العربى خلال هذه الفترة.

وأضاف عبد الجواد، ان مؤسسة «صهيل» عملت على تقديم وتجميع سلسلة من أبرز الأعمال الأدبية لكبار ناشريها، وتقديم خصم عليها هذا مع سهولة توصيل الكتب للقارئ، كذلك طرح جزء من الكتب اون لاين فى محاولة للترويج له، بسبب وقف الانتاج وعدم وجود تعاقدات جديدة خلال تلك الفترة، كما عملت المؤسسة الأدبية  على التواجد  فى عدد من المتاجر الالكترونية العربية وذلك فى محاولة للتواصل مع القارئ العربى بشكل أكبر خاصة بعد توقف المعارض الدولية.

تعدد الأزمات.. والحلول منفردة

من جهة أخرى، قال أحمد سعيد مدير دار «منشورات الربيع» أن أزمة الكتاب المطبوع أصبحت فاقمة، وتعددت أوجه الحرب، بين صفحات القرصنة، وانتشار فيروس كورونا الحالية بالاضافة الى أزمات الطباعة من ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة خاصة أن أغلب المواد المستخدمة فى الطبعة تكون مستوردة.

وأوضح سعيد أن هناك تقصيرا واضحا من قبل اتحاد الناشرين المصريين ووزارة الثقافة التى لم تقدم دعما ملموسا للحفاظ على أكثر من 1400 دار نشر مهددة بالإفلاس،

موضحًا، أن اقامة معرض الكتاب فى أواخر عام 2019 ربما قلص نوعًا ما نسبة الخسائر التى تواجهه دور النشر، لكن هذا ليس كافيا للحفاظ على قوة الثقافة المصرية أمام هذه الجائحة.

وأوضح سعيد لـ»روزاليوسف» أن القارئ العربى لم يعتاد دفع أموال مقابل نسخ الكترونية من كتاب بعينه، كذلك هناك مواقع الكترونية كثرة تقوم بنشر الكتب المميزة بطريقة مقرصنة وغير قانونية، وقد عملنا على التواصل مع أصحاب هذه المنصات للتوقف عن نشر اصداراتنا بشكل ودي، لكن هذا ليس كافيا، فقانون الحفاظ على حقوق الملكية فى مصر مع الأسف ليس مفعلا كما أن العقوبة ليست رادعه.. وأضاف سعيد: «نقوم الآن بالإعداد والتجهيز لمعرض القاهرة القادم 2021 على أمل أن تكون هذه الظروف الصعبة قد مرت، وبالتالى فان مخزون الكتب التى كان مفترض طباعتها  وتوزيعها خلال العام الجارى  قد تم تأجيلها الى العام القادم، وفى حالة لم يقام معرض القاهرة ربما نلجأ لحلول بديلة منها الطباعة حسب الطلب مثلما تفعل دور النشر العالمية، لكن من المؤكد أننا لن نستيطع تقديم عدد كاف من الاصدارات الجديدة حتى فى حال اقامة معرض القاهرة الدولى، فدار منشورات الربيع قد قدمت فى العام الماضى 36 كتابا جديدا خلال المعرض، أما الآن فعلى الأرجح اننا سنقدم 15 كتابا جديدا على الأكثر».

وقال عماد العادلى الكاتب والمستشار الثقافى السابق لمكتبات «ألف»، أن الكتاب الورقى سيبقى متربعًا على عرش القراءة لمدة طويلة والدليل على ذلك أن نسبة نجاح الكتاب الالكترونى او الصوتى لا تتعدى  15% فقط».

وأوضح العادلى أن جائحة كورونا أصابت جميع المجتمعات بمختلف ثقافتها بهزة قوية «فقد افتقدنا حميمية التعامل حتى فى اقتناء الكتب، خشية من انتقال الفيروس الينا»، وأضاف الكاتب والروائى المصري، أن الفترة الحالية يرى الكثيرون أن الأولوية الآن لشراء الاحتياجات الاسياسية أما الكتب ليس من متطلبات الحياة اليومية فهى سلعة ترفيه.  وأضافا العادلى: «للاسف الشديد ان دور النشر الكبيرة هى فقط التى ستستطيع ان تخرج من هذه المحنة ربما ستلجأ الى تقليص بعض انشطاتها الثقافية أوغلق أفرع مكتباتها المنتشرة عبر الجمهورية، اما الكائنات الصغيرة قد  تتعثر بشكل كبير وقوى ولهذا من المهم ان تدعم الدولة صناعة الكتاب خلال هذه المرحلة الصعبة لأن هذا جزءا مهما من قوة مصر الناعمة».

أزمة الانتظار

من جانبه أوضح سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن قطاع النشر فى مصر يواجه العديد من المشكلات الجمة قبل اجتياح كورونا وأثناء هذه الجائحة التى استطاعت أن تؤثر بشكل كبير على قطاع مهم من أعمدة اقتصاد الدولة، مضيفًا، أن الواقع الفعلى مع الأسف «ضد الثقافة بشكل عام».

وأوضح عبده لـ»روزاليوسف»، أنه بالوقوف على بعض المشكلات التى تواجه الناشر فى مصر او فى الوطن العربى ككل، نرى أن أزمة القرصنة هى واحدة من أخطر الأزمات التى يجب التصدى اليها، ومع الأسف فإن قانون حماية حقوق الملكية الفكرية فى مصر لا يقدم عقوبة رادعة قوية بهذا الشأن، وبالتالى «أصبح التزوير مهنة» على الرغم من الجهود المبذولة من قبل مباحث المصنفات الفنية بوزارة الداخلية.

وأضاف رئيس اتحاد الناشرين المصريين، ان ضياع حقوق الناشرين والكُتاب بسبب قرصنة الكتب سواء المطبوعة او الالكترونية وحتى المسموعة تعمل على وقف عملية الإبداع بجانب التإثير الاقتصادى لدى القائمين على هذه الصناعة «دورة الحياة فى صناعة الكتب تحتضر الآن»، وقد تقدمنا بمشروع تعديل القانون لمجلس النواب ولكن بسبب جائحة كورونا توقفت كل هذه المجهودات.

من جهة أخرى يوضح سعيد عبده، أن هناك أزمة فى عدد المكتبات على مستوى الجمهورية التى يصل عددها نحو400 مكتبة  فقط، ناهيك عن عدد المكتبات التى تم اغلاقه بسبب الإفلاس فى هذه الفترة، كما أن عددا آخر من هذه المقار تتعرض للهجوم من المحليات واغلاقها بسبب عدم وجود تراخيص، فالمحليات متوقفة عن اعطاء تراخيص للمكتبات منذ سنوات وهذه أزمة أخرى يجب التعامل معها فـ «المحليات ضد الثقافة». من جانب آخر يوضح رئيس اتحاد الناشريين المصريين، أن قطاع النشر والكتب لا يشهد أى نوع من أنواع الدعم من قبل الدولة، مضيفًا: «لا يحظى الناشر بدعم سواء فى تخفيض أسعار الجمارك على الكتب، او تخفيض من قبل المجلس التصديرى للكتب والمصنفات،  حتى فى هذه الظروف الصعبة، حيث انهم لم يعتمدوا صناعة الناشر كأحد الصناعات المتواجدة والمعتمدة التى تستحق الدعم فى فترة الكورونا وقد خاطبت وزير الصناعة بهذا الشأن».