الخميس 4 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روزاليوسف تكشف بالتفاصيل

معركة المرشد بعد الأخير

هل يقضى محمد البحيرى على طموح إبراهيم منير فى الوصول لمنصب المرشد؟ وهل يرشح إخوان السجون ممدوح الحسينى مرشدًا سريًا داخل القاهرة ؟



حالة من التصدع تشهدها القواعد التنظيمية لجماعة الإخوان فى الداخل والخارج، عقب تسريب الكثير من المعلومات ترجح اختيار إبراهيم منير ليكون قائما بأعمال المرشد بديلا عن محمود عزت، بعد القبض عليه فى 28 أغسطس الماضى. (1) جماعة الإخوان لن ترشح مرشدا جديدا خلفا لمحمد بديع، لكنها ستطرح قائما بأعمال مكتب الإرشاد، إذ إن بديع مازال على قيد الحياة قابعا فى السجون المصرية، كما أنها لن تجبره على خلع عباءة الإرشاد، رغم سقوط ولايته عن الجماعة وفقا للأدبيات الشرعية وللائحة الداخلية للتنظيم الدولى، كما أن نفس الأمر ينطبق على كل من محمود عزت وخيرت الشاطر ورشاد البيومى.

الجماعة فى الغالب ستهرب من فكرة طرح شخصية جديدة تتولى مسئولية مكتب الإرشاد، حتى لا تكون القشة التى قصمت ظهر التنظيم وكياناته داخل مصر تحديدا،  بما لا يستدعى  فتح الباب على مصراعيه أمام قيادات التنظيم الدولى،التى تطالب بحقها الرسمى والمشروع فى تحقيق حلم تدويل منصب المرشد وعدم قصره على إخوان مصر منذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا عام 1928، استكمالا لأزمة «بيعة المقابر»، التى حدثت بين إخوان مصر وإخوان الكويت ولبنان والأردن وتونس حول تنصيب، فيصل مولوى المراقب العام للإخوان فى لبنان، مرشدا للجماعة، وفقا لاتفاق تم تمريره بين قيادات التنظيم الدولى عقب وفاة المرشد الرابع للإخوان محمد حامد أبو النصر، فى يناير 1996، لكن دهاء مأمون الهضيبى، دفعه لمطالبة قيادات مكتب الإرشاد بمنح البيعة لمصطفى مشهور أمام مقبرة المرشدين بمدينة نصر، خلال مراسم الدفن، تهربا من المواجهة المباشرة ووضعهم أمام فرضية الأمر الواقع.

(2) 

مازالت الجماعة وقيادات الخارج فى حيرة كبيرة حول اختيار شخصية لديها القدرة على احتواء المشهد الداخلى، وتكون محل ثقة من القواعد التنظيمية دون اعتراض صريح، وتتمتع بمواصفات استكمال ما بدأه محمود عزت من القضاء على الأجنحة المتصارعة، وفتح قنوات اتصال مباشرة مع مراقبى التنظيم فى مختلف دول العالم، والحفاظ على الإمبراطورية المالية للتنظيم الدولى، فى ظل مصادرة أموالهم فى الداخل المصرى والعربى.

رغم استقرار قيادات الجماعة على اختيار إبراهيم منير، قائما بأعمال المرشد، فإنها ربما تتراجع بشكل جدى عن هذا الاختيار تفاديا لاشتعال الصراعات والخلافات التى ستسفر عن انشقاقات واسعة من شأنها تدفع بالجماعة للسير فى سيناريوهات التفكك والانهيار، التى وقعت فيها عقب ثورة 30 يونيو 2013.

تعتبر جبهة المكتب العام أو الكماليون، الذين يرغبون فى استئصال المجموعة القطبية أو القيادة التاريخية بالكامل من المشهد، والاستحواذ على كافة المناصب، الحجر العثر أمام ترتيبات المشهد حاليا، لاسيما بحكم علاقة بعضهم بداوئر صنع القرار التركى والقطرى، وتمكنهم من اجتذاب عدد كبير من شباب الجماعة، والإعلان عن كيان مواز يعبر عن توجهاتهم تحت مسمى «البنايون»، كامتداد لأفكار مدرسة حسن البنا، ورفع شعار «سيرتها الأولى»، فضلا عن شنهم حملات ممنهجة لفضح قيادات الجبهة التاريخية الحالية، وكشف فسادهم المالى والإدارى والتنظيمى.

وتعتبر جبهة «المكتب العام» أحد المصادر التى تمد مختلف وسائل الإعلام بتفاصيل الصراعات والمخالفات الداخلية، للقيادات التاريخية بهدف توريطهم أمام القواعد التنظيمية، وسحب البساط من تحت أقدامهم، بل عمل بعضهم على توثيق مختلف الإخفاقات التنظيمية والسياسية للجماعة فى شكل دراسات وأبحاث موجهة وممنهجة للتأكيد على فساد وفشل مجموعة رجال الجبهة التاريخية التى يمثل حاليا محمود حسين وإبراهيم منير.

 ترغب جبهة المكتب العام فى استثمار الأحداث الجارية، للدفع بشخصية تكن أكثر قربا من رؤيتهم ومشروعهم تمكنهم من الهيمنة والسيطرة على مفاصل التنظيم، والإطاحة برجال محمود عزت والنظام الخاص، لاسيما بعد أن استطاع محمود عزت إعادة فرض سيطرته الكاملة على الجماعة مرة أخرى خلال عام 2015.

(3)

يتربع على طاولة الحوار حول اختيار القائم بأعمال مرشد الإخوان، وفقا للتسريبات الأخيرة، مجموعة من الشخصيات التى تم تزكيتها من قبل محمود عزت أمثال، إبراهيم منير، ومحمود حسين، ومحمد البحيرى، ومحمود الأبيارى.

يعتبر إبراهيم منير الأقرب فى هذه المجموعة وفقا للائحة الداخلية للجماعة، إذ إنه يمثل امتدادا للتيار القطبى باعتباره المتهم رقم 30 فى المجموعة الثانية ضمن قضية تنظيم 65، الذى أسسه سيد قطب، وينتهج أفكار التكفير وجاهلية المجتمعات وتوظيف العنف لتحقيق أهداف التنظيم الإخوانى، فضلا عن أنه يمثل الذراع الرئيسية التى تدير مختلف الملفات فى الخارج بحكم سيطرته على مكتب لندن أو مكتب التنظيم الدولى، ومن المقربين من جيل وتيار مصطفى مشهور المؤسس الحقيقى للتنظيم الدولى، كما أنه عضو أساسى بمكتب الإرشاد من الخارج نهاية مرحلة عمر التلمسانى، المرشد الثالث، وتم تعيينه نائبا ثالثا للمرشد العام لـ (الإخوان) فى الخارج بتعليمات مباشرة من محمود عزت، فى عهد محمد مهدى عاكف، المرشد السابع للجماعة عام 2009، رغم رفض مهدى عاكف لهذا القرار، وذلك خلفا لكل من الدكتور حسن هويدى المراقب العام لـ «الإخوان» فى سوريا، وعبد الرحمن خليفة، مراقب (الإخوان) فى الأردن.

إبراهيم منير من مواليد مدينة المنصورة واستقر فترة زمنية فى منطقة إمبابة بالقاهرة، وتخرج فى كلية آداب جامعة القاهرة عام 1952،وصدر ضده حكم بالإعدام فى قضية (تنظيم 65)، ثم خفف للمؤبد وخرج من السجن عام 1975، وتم اتهامه فى القضية رقم 404 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلامية بـ«التنظيم الدولى لـ«الإخوان المسلمين»، عام 2009، وصدر بحقه حكم بالسجن المشدد لمدة 5 سنوات، ثم صدر قرار بالعفو من الرئيس الإخوانى، محمد مرسى، فى أغسطس 2012. كان منير عقب خروجه من مصر،قد استقر فترة فى دولة الكويت، وساهم فى تأسيس عدد من المراكز الإسلامية والجمعيات والشركات فى دول الخليج، لتكون ستارا لعمل التنظيم، كما تقدم بطلب للجوء السياسى إلى بريطانيا وبعد خمس سنوات تمت الموافقة على طلبه فسافر إلى لندن، ثم حصل على الجنسية البريطانية، وتولى مسئولية الأمانة العامة للتنظيم الدولى، وكان ممثلا عن لجنة الاتصال الخارجى بالجماعة.

اسناد منصب القائم بأعمال المرشد، لإبراهيم منير، ربما يفتح الباب أمام الصراعات والانشقاقات الداخلية من قبل بعض الأجنحة التى تعترض على وجود إبراهيم منير ومحمود حسين، الأمين العام للجماعة فى صدارة المشهد الإخوانى، فضلا عن توجيه الاتهامات إليهما بالفساد المالى والأخلاقى، وهيمنتهما على مختلف مفاصل التنظيم فى الداخل والخارج.

(4)

لن يخرج منصب القائم بأعمال المرشد عن المجموعة القطبية،  المهيمنة على المشهد وعلى مفاصل الجماعة منذ سبيعنيات القرن الماضى، وهى القيادات التى كانت ضالعة فى قضية تنظيم (65) الذى أسسه سيد قطب، ومن ثم يعتبر من ضمن أهم  المرشحين لهذا المنصب الإخوانى محمد البحيرى، المقيم حالياً بلندن، ويعتبر الذراع الاساسية لمحمود عزت فى الخارج، والمتهم رقم (25) فى قضية تنظيم سيد قطب،وتلميذ مصطفى مشهور، ويحظى بتأييد واسع من قواعد الإخوان التنظيمية،ويعرف عنه بأنه قيادة حركية ودعوية، وكان مسئولا عن الكثير من الملفات الخارجية بتكليف من مكتب الإرشاد،وذهب البعض بأنه المرشد السرى للجماعة خلال المرحلة الماضية.

إذ تولى البحيرى  قيادة جماعة الإخوان فى اليمن فى أوائل التسعينيات، وتحالف مع التجمع اليمنى للإصلاح عام 1993، وانتقل إلى السودان فى أواخر التسعينيات، وأصبح المسئول عن تنظيم الإخوان بالسودان، ومسئول الإخوان فى إفريقيا بشكل عام، وارتبط بعلاقات وثيقة مع الرئيس السودانى عمر البشير،  وساهم فى استقبال قيادات وشباب الجماعة فى السودان بعد خروجهم من مصر عقب 30 يونيو وما تلاها من أحداث.

يرتبط البحيرى بعلاقات وثيقة مع قيادات التنظيم الدولى بحكم إدارته وإشرافه على الملف المالى، فى عدد من الدول الأوروبية والعربية، ويعتبر وجها تنظيميا تاريخيا يلقى قبولا من القواعد التنظيمية.

كما يأتى ضمن المرشحين، محمود الإبيارى، أحد قيادات التنظيم الدولى،ومن المحسوبين على تنظيم 65، وأحد رجال مصطفى مشهور ومحمود عزت فى السيطرة والهيمنة على مفاصل التنظيم الدولى، وظهر اسمه من خلال الفضائح المالية التى تم تداولها داخل الجماعة على مدار السنوات الماضية، فضلا عن محمود حسين، أمين عام الجماعة، المحسوب على التيار القطبى رغم أنه ليس من الرعيل الأول وليس من أبناء تنظيم 56، إذ إنه انتمى للجماعة فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى على يد مصطفى مشهور.

(5)

فى حال الاستقرار على أحد قيادات التنظيم الدولى السابقة، سيكون على الجماعة ترشيح نائب أول من داخل القاهرة، بحكم أن القيادات المتحكمة فى المشهد ستكون خارج القاهرة، ما يستدعى تقديم شخصية تتمتع بنفس الصفات ولها تأييد واضح من قبل قيادات السجون التى تدير جزءا من المشهد عن بعد، دون الكشف عن شخصيته الحقيقية ودوره فى المهشد الداخلى خشية التضييقات والملاحقات الأمنية.

 فى بورصة ترشيح القيادات من الداخل المصرى يعتبر ممدوح الحسينى، أقوى الشخصيات المناسب للعب هذا الدور بحكم علاقته الوثيقة بكل من محمود عزت وخيرت الشاطر، واحتسابه على التيار القطبى، رغم نضمامه للجماعة فى  نهاية السبعينيات تقريبا. 

 الحسينى من مواليد عام 1947، بدأ شبابه عضوا فى جماعة «التكفير والهجرة» التى أسسها شكرى مصطفى، كان الحسينى حينها طالبا بقسم الميكانيكا بكلية الهندسة جامعة عين شمس، واقتنع بأفكار شكرى مصطفى التكفيرية.

عقب تخرجه فى كلية الهندسة اشترك مع  شكرى مصطفى  فى التخطيط لمجموعة من العملية الارهابية، منها التخطيط لاغتيال وزير الداخلية اللواء سيد فهمى، لكنهم وجدوا الأمر صعبا لشدة الحراسة الأمنية، فاتجهوا  لاغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق، خاصة أن الأخير كان قد كتب كتابا ينتقد فيه فكر جماعة التكفير والهجرة التى عرفت حينها تحت مسمى «جماعة المسلمين».

اشترك الحسينى فى عمليات المراقبة والتجهير للعملية، لكن تم استدعاؤه للتجنيد فى صفوف الجيش، فأسند شكرى تنفيذ المهمة لمجموعة أخرى من أتباعه، وتم قتل الشيخ الذهبى، ولم يكن ممدوح الحسينى  من بين المتهمين، ولم يرد اسمه ضمن أوراق القضية. 

وفى عام 1978 تعرف ممدوح الحسينى على مصطفى مشهور، وكان له انتقادات على عمل جماعة الإخوان فى السياسة، فأقنعه مشهور بأنه لا فارق بين الإخوان وجماعة التكفير والهجرة، وأن الإخوان يسايرون المجتمع الجاهلى لحين السيطرة على مقاليد الأمور والوصول للحكم، ومن أجل هذا الهدف فإنهم يستخدمون أحد أساليب هذا المجتمع الجاهلى وهى «الديمقراطية» للوصول إلى مبتغاهم.

فى أواخر الثمانينيات تم ترشيح الحسينى بتزكية مباشرة من مصطفى مشهور ، لقيادة منطقة حدائق القبة، ثم أصبح مسئولا عن قطاع مدينة نصر والتجمع الخامس داخل التنظيم.

ووفقا لبعض المصادر،فإن ممدوح الحسينى كان ضمن ثلاثة أشخاص مسئولين عن أعمال النظام الخاص،برفقة كل من محمود عزت، والفلسطينى زكريا العجيل، وأشرفوا على انتقاء واختيار العناصر للنظام الخاص، الذى أعاد تشكيله مصطفى مشهور، ليكون بمثابة امتداد حقيقى لمشروع حسن البنا الذى أسسه فى أربعينيات القرن الماضى.

استطاع هذا الثلاثى إحكام قبضة رجال مصطفى مشهور على مفاصل التنظيم فى مختلف القطاعات بشكل عام، وسيطروا على إدارة الملف المالى والاقتصادى للجماعة، ولم يسمحوا لأى شخص لدخول هذه الدائرة إلا وفقا لشروط محددة ومشددة، إذ تحكموا فى اختيار مسئولى المحافظات والقطاعات ومسئولى اللجان المركزية والفرعية.

يعتبر ممدوح الحسينى من أشهر رجال أعمال الإخوان ولديه شراكات متعددة مع خيرت الشاطر وأحمد شوشة، وتمت محاكمته ضمن القضية العسكرية رقم 2007/2، المعروفة إعلامية بـ«ميليشيات جامعة الأزهر»، التى وقعت أحداثها عام 2006، وصدر ضده حكما بثلاث سنوات  فى 15 إبريل 2008، ويعيش الآن فى الداخل المصرى متواريا عن الأعين والأنظار.