الخميس 3 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

استعراض قضايا اجتماعية شائكة بنكهة الاستاند آب كوميدى

ريسايكل

«ريسايكل».. أحدث إنتاج لمسرح الطليعة وأحدث عروض المخرج الشاب محمد الصغير؛ الذى افتتح الأسبوع الماضى على خشبة قاعة زكى طليمات، «ريسايكل» كلمة انجليزية تعنى إعادة تصنيع أو تدوير الأشياء؛ وربما قصد بها هنا المخرج إعادة طرح القضايا الإنسانية التى ليست جديدة علينا نعلمها جميعا لكن لا بأس من إعادة تدويرها بيننا للتذكرة والإفاقة، فأصبحنا نتعايش معها يوميا حتى فقدنا الشعور بها وبخطورتها، يفتح العرض بوابة لإعادة الشعور فى مزيج ممتع بين مشاعر الألم والسخرية والضحك جمع الصغير الكثير من هموم حياتنا اليومية فى عرضه الأخير «ريسايكل».



لا يتناول العمل بشكل تقليدى قصة محددة، هو عبارة عن مجموعة من المشاهد المسرحية التى يجمعها إطار واحد «الإنسان المصرى» الذى يعيش فى أحط أحواله الإنسانية؛ سواء على مستوى السلوك اليومى أو على مستوى الذوق العام أو على مستوى العلاقات العاطفية؛ تجسد هذا الانحطاط الفكرى والأخلاقى والثقافي؛ فى صورة مسرحية تبدو لأول وهلة وتوحى بالعشوائية، وكأن هؤلاء البشر خرجوا من مكان معبأ بالقمامة؛ تلتف حولهم براميل قمامة وأكياس «بلاستيك» ارتدوها أو احاطت بهم، واشياء القيت على المسرح بشكل مدروس للإيحاء بمدى العشوائية والازدحام الشديد فى حياتنا فى أقبح صورة وكذلك كانت ملابس العرض فالجميع يرتدى ملابس «مرقعة»، وكأنهم خرجوا الآن من صفائح قمامة متعددة كل منهم يعكس سلوكاً إجتماعياً وتشوش انسانى معين أو هو صورة لما وصلنا إليه الآن من شكل غير منمق أو لائق إنسانيا أو مظهريا. فى 15 لوحة مختلفة تناول المخرج أزمات متنوعة يعيشها المجتمع المصرى بل وما يزال مستغرقا بها، حتى شوهت معالمه الإنسانية والنفسية من هذه اللوحات «الدبلة» والتى تناول فيها أزمة العلاقات العاطفية بدءا من الخطوبة وانتهاء بالزواج، «الطفل» شكل العلاقات الزوجية فيما بعد الإنجاب، «العنوسة» أزمة البحث عن عريس حتى يصل الأمر للبحث على وسائل التواصل الإجتماعي، «اليهود»، «الشاعر»، «العيد»، «الثانوية العامة»، «الأم المصرية»، «البنت الشاطرة»، «الطلاق»، «المقابر»، «الكاستينج»، «التحرش»،

«العزا»، «الأم والخادمة»، «الطبلة»، قدمت هذه اللوحات فى شكل اسكتشات كان أبرزها لوحات «الأم»، «التحرش»، «الكاستينج»،»البنت الشاطرة»، «الأم والخادمة»، «الطبلة». بالطبع لم تكن هذه القضايا جديدة فقد تمت مناقشتها وتناولها فى أكثر من عمل مسرحى سابق وربما بنفس التكنيك الذى استخدمه الصغير فى تناولها؛ ولكن إختلفت طريقة وأسلوب معالجة هذه القضايا فى «ريسايكل» بجانب الاختلاف والتغيير فى شكل استعراض المواهب الشابة على المسرح؛ يأتى أول اختلاف وتجديد بالعرض والذى ساهم بشكل كبير فى منحه نوع من الإتزان والثقل الفنى ونكهة مختلفة توظيف فن الإستاند اب كوميدى بالمشاهد الدرامية؛ لم يتنازل المخرج هنا عن استغلال مهارة وطاقة الفنان صلاح الدالى فى فن الإستاند اب كوميدى، والذى قدم مقطعا من أحد عروضه السابقة فى هذا المجال بمشهد الزواج والدبلة؛ يتطلب هذا الفن مهارة خاصة وسرعة بديهة فى اللعب مع الحضور، انفرد صلاح فى مشهد مخاطبة الجمهور عن العلاقة الزوجية فى بدايتها وبشكل كوميدى ساخر وصف حال العروسين فى بداية علاقتهما؛ ثم بدأ فى مداعبة الجمهور الذى استطاع التحاور معه وضبط ايقاع الكلام دون الإخلال بالعرض المسرحى، وكأنه كان على اتفاق مسبق معهم أو قام بعمل تدريبات بينهم قبل افتتاح العرض؛ سرعة بديهة وقدرة على التحكم فى الصالة والإستعداد المسبق لأى مفاجآت محتملة خاصة فى هذا المشهد؛ الذى قد يحمل مفاجآت ارتجالية غير محسوبة لكنه بمهارة شديدة واحتراف أشد استطاع إدارة اللعبة والمزج بحرفة عالية بين فن الإستاند آب كوميدى ثم العودة بسلاسة إلى واقع العمل المسرحى.

يعتبر هذا النوع من العروض هو الأكثر قدرة على الكشف عن مهارات متعددة ومواهب شابة فى التمثيل والتعبير الحركى الذى اتقن تصميمه مناضل عنتر والذى يفاجئنا دائما بقدرته على تحويل الممثلين إلى راقصين محترفين؛ حيث إعتمد العرض على البطولة الجماعية أكثر من اعتماده على الشكل الفردى، وبالتالى كشف وأعاد تدوير مهارات شابة فى مشاهد متفرقة جمعتهم التلقائية والحضور والطاقة الكبيرة والمهارة فى التنوع ما بين الكوميديا والمشاهد الدرامية التى تحمل فيضاً من المشاعر والألم خاصة مشاهد «الأم»، العنوسة، التحرش، «الثانوية العامة»، «الكاستينج»، «المقابر»، والبنت الشاطرة؛ فما ميز هذا العمل وبشده الجمع بين نقيضين الكوميديا والسخرية اللاذعة من واقع شديد المرارة فى مجالات متعددة؛ وكذلك الألم فى تجسيد هذه المعاناة اليومية التى قد تلقها الأم من ابنائها بعد انشغال كل منهم بحياته الجديدة والتحرش الذى قدم فى لوحة بديعة بصمت شديد واستعان فيه المخرج بالتعبير الحركى أكثر من الكلام مما منحه بعداً وعمقاً فنياً أكبر من مجرد تمثيل مشاهد مكتوبة، وكذلك العنوسة والأذى النفسى الذى تتعرض له الفتيات ممن تأخرن فى سن الزواج مما قد يدفعهن إلى اللجوء إلى اشكال مشبوهه ومشوهة من العلاقات العاطفية، كل هذه المشاعر الإنسانية الفياضة الممزجة بالضحك والبهجة استطاع صناع العمل وضع الجمهور فى هذه الحالة الإستثنايئة بعرض «ريسايكل»، فضلا عن تميز المخرج فى اختيار الشكل أو الصورة المسرحية الأمثل التى جمعت بين هذه المشاهد فى تشكيل مسرحى أقرب إلى سلة المهملات بجانب إلقاء أجزاء متفرقة من جسد «مانيكان» او تمثال محطم توزعت أجزائه بين القمامات فى إشارة إلى انهيار الهوية الإنسانية، وفى المشهد الأخير يجمع شتات هذا الجسد حتى يعود واحداً صحيحاً كما كان فى عهد سابق ويرتدى الزى الفرعونى أو العودة إلى الجذور والأصل المصرى صانع الحضارة والتقدم؛ عمل متماسك يحمل الكثير من الرسائل والعبر الإنسانية تمكن مخرجه وصناعه من الوصول إلى قلوب الحاضرين والتأثير فيهم وكأنه محاولة لإعادة طرح تلك القضايا ليس فقط لإعادة تدويرها فنيا، بينما لإعادة إحياء المشاعر الإنسانية التى اعتادت أن تحيا مهملة فى صناديق القمامة المتفرقة.

شارك فى بطولة العرض صلاح الدالى، نانسى نبيل، آية خميس، أحمد كيبو، أمل نور الدين، محمد سراج، ياسمين خطاب، أسامة أشرف، عليا أشرف، محمود جراتسى، حسام ابراهيم، إسلام أشرف، حسام التونى، إعداد موسيقى محمد سراج، سينوغرافيا محمد الصغير، أداء حركى مناضل عنتر، أزياء عبير البدراوى، إخراج محمد الصغير.