السبت 24 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
النُخب هل اختفت أم تقاعست؟

النُخب هل اختفت أم تقاعست؟

من هم الذين يجب أن نطلق عليهم النخب؟ هل هم الفنانون أم لاعبو كرة القدم أم أصحاب الأيديولوجيات المستوحاة من النظريات الغربية أم دعاة السلفية والحركات الدينية على شاكلة ما يسمى بالإخوان المسلمين؟



فى الماضى كانت النخب هى العمود الفقرى لشخصية الدولة وتشكل الدليل الذى تهتدى به جموع الشعب الباحثة عن نموذج أمثل يسيرون خلفه، ولذا كان هناك ما نسميهم بالنخب .. وهم أولئك  الأشخاص الذين يعدون الأكثر كفاءة فى مجالات السياسة والثقافة والعلوم والإعلام بجميع ألوانه وغيرها من العلامات الحيوية للأمم، وإذا كانت هذه المقولة تقوم على أساس قوة التأثير والنفوذ، فهى تعنى أنه من المفروض على هذه النخب أن تؤدى أدواراً رئيسية فى التغيير السياسى والاجتماعى وصياغة الفكر الحضارى للشعوب، وفى الإصلاح وبناء الدولة وترسيخ الوعى العام بقضايا جوهرية فى مسار الأفراد والجماعات، والدعوة إلى تحقيق أحلام الشعوب. 

لكن ما يمكن أن نشير إليه بقلب مطمئن وللأسف أنه لم تتمكن هذه النخب الآن  فى التداخل فى نسيج المجتمع وبعد ظهور النت ووسائل التواصل الاجتماعى ارتفعت أصوات كثيرة تنعى هذه النخب التى اختفت وراء مطامع شخصية وأفكار بالية قديمة لا تجديد فيها ولا ابتكار وزاد الأمر سوءا انعزالها فيما يشبه الأبراج العالية بعيدا عن هموم الوطن والمواطن، وشكلت هذه النخب طبقة تعيش بشكل أحادى الفكر بمعزل عن التحولات التى يشهدها المجتمع والغرق فى النظريات والأيديولوجيات فابتعدت عن الواقع.

 وللأسف فإن المثقف العربى عموما، عندما ينتمى إلى مؤسسة، يعمل جاهداً على الاستمرار أكبر مدة ممكنة فى منصبه، ويسخر  لذلك كل الآليات الإدارية التى تضمن له هذا الاستمرار، وليس كيف يصلح لأنه يخاف من إغضاب من وضعه فى ذلك المكان تحديداً، وبذلك تخسر النخب الناقدة فى النهاية مشروعها فى الإصلاح الذى جعلت منه رهاناً كبيراً، وتدخل فى دائرة التسليم بالأمر الواقع، وهذا يحتم عليها نقداً ذاتياً صارماً إن هى أرادت أن تكون فاعلة فى مجتمعاتها، والظاهرة ليست مستجدة  ولكنها صاحبت المثقف المصرى وبالتأكيد العربى دوماً، وتستند على ميراث ثقيل تأسس عبر العصور، كان يُفترض نقده وغربلته قبل مناقشة معضلات العصر الذى نعيشه والدور الذى على المثقف أن يلعبه فيه، لأنه إذا لم يخترق النقد اليقينيات والمسلمات المعطلة لا يستطيع أن يتخطاها باتجاه وضع أفضل 

ولنا فى العصرين الأموى والعباسى، النماذج التى تؤكد على ما نقوله من التباس فى دور المثقف وفى موقعه، فقد أصبح المثقف فى هذين العصرين أداة للتبرير لا أكثر، وتخلى عن نزعته النقدية الإصلاحية.. كان يلمس الظلم  بل ويسهم فيه دون أن يعمل على تغييره، لكل هذه الأسباب أصبح هناك تراجع كبير لدور النخبة فى العالم العربي، بسبب قوة الإعلام الحديث وتراجع الإعلام التقليدى، إضافة إلى أن هناك تهميشاً للثقافة بمعناها العميق. أصبحت السطحية هى السائدة، ولم يعد هناك دور كبير للعقل العربى المؤثر، كما كان جيل طه حسين والعقاد وأحمد أمين. ولم يعد هناك أسماء مثل احمد لطفى السيد وزكى نجيب محمود ولويس عوض وغيرهم. 

إذا هناك أزمة عقل وأزمة معرفة وهوية وما طغى على السطح هو الغث وليس السمين... لم يعد هناك ثقافة أو مراكز ثقافية كالقاهرة وبغداد ودمشق. هناك هروب من النخب عن أداء دورها الحقيقى فى مواجهة الجهل والتخلف بالمعنى الحضارى.