الجمعة 18 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التصالح فكر أصيل فى الإسلام




د. أحمد الطيب

شيخ الأزهر
 
إنَّ ممَّا يُؤسَف له تكرُّر دعاوى الغرب فى إلصاق التهم والأباطيل بالإسلام حتى هذه اللحظة، لدرجة أنَّ أكبر رأس دِينى فى الغرب ردَّد هذه التُّهَمَ بدون إعمال فكر أو منطق، ففرية انتشار الإسلام بحدِّ السَّيْفِ موجودة، ولا يزال أعداء المسلمين من سياسيين وعسكريين ومُفكِّرين يُردِّدونها فى محافل الفكر والإعلام، إلا أنَّ كلَّ النصوص الدِّينية فى الكتاب والسُّنَّة تشهد بأنَّ الإسلام هو الدِّين الذى يُرسى بحقٍّ قواعدَ السَّلام بين الأمم.
 
إنَّ فلسفة الإسلام فى تكوين الإنسان واضحة أشدَّ الوضوح؛ فلقد خُلِقَ لعمارة الأرض؛ فهو منذُ البداية فى علاقة محبَّة مع والديه، ثم مع أسرته، ومجتمعه، فالفكر التصالحى والتراحمى فكرٌ أصيل فى بنية الإنسان المسلم، وهذا الفكر يمتدُّ خيرُه من المسلم إلى كلِّ المجتمعات الإنسانيَّة، ويحكم نظرته للعلاقات الدولية.
 
كما أنَّ التفاضُل بين الناس فى المجتمَعات لا يكون إلا بمقدار ما يُقدِّمه الإنسان لمجتمعه وأمَّته، فكلُّ القبائل والعائلات مُتساوية فى الفضل، ولا يكون الفضل إلا للعمل الطيب.
 
إنَّ الاستعمار القديم والحديث الذى يسلب الحقوق، ويُريق الدماء كان مُنطَلقه من ادِّعاء الفضل والتحيُّز العرقى وغيره، فى الوقت الذى أكَّد فيه الإسلام أنَّ علاقة الإنسان بأخيه الإنسان هى علاقة سِلم، لا علاقة صِراع كما فى الفلسفة الماركسية، أو فى الفلسفات الحديثة التى تُبشِّر بصراعات الحضارات والأديان؛ فالحروب فى الإسلام ضَرورةٌ إذا فُرِضت على المسلمين، وإذا قاتلوا عدَلُوا فى قتالهم مع المعتدين، والإسلام واضح وصريح صُراحةً لا توجد فى الأديان الأخرى، وهى أنه {لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ} [البقرة: 256]، والإكراه الماديُّ معروف لدى الجميع، ولكنَّ الإكراه المعنوىَّ - وهو ما تُمارسه الدول الغربية سواء من الناحية السياسية، وكذلك عند المبشِّرين الغربيين - هو الذى ينبغى أنْ يُنتَبه إليه، هذا الإكراه الناعم هو تزييف لضمير الإنسان؛ لأنَّه شراءٌ للإرادة والفِكر، ويُقدَّم فى صورة إحسان.
 
مع أنَّ العقائد لا تُفرَض، وأنَّ آية {لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ} [البقرة: 256] يقول فيها بعض العلماء: إنها منسوخة بآية السيف، والحق أنَّ هذا الفهم غير صائب، وأنا أرى رأى الإمام ابن تيمية - رحمه الله - الذى يُعبِّر عن منطق الإسلام، إذ يقول رحمه الله: «وجمهور السَّلَفِ على أنَّ الآية غير منسوخة، ونحن لا نُكْرِه أحدًا على الدِّين، والقتال لمن حاربنا، والكفار لا يَقتُلُون لمجرَّد كفرهم؛ وإنما لاعتدائهم وممانعتهم»، بل تحدَّى الإمام ابن تيميَّة أنْ يأتى أحدٌ بدليل من السُّنَّة على أنَّ النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكره أحدًا على الإسلام، وهذا النصُّ من الإمام ابن تيمية يُكتَب بماء الذهب.