الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الجزيرة قناة حرق مصر





في الأيام الاولي لثورة 25 يناير، وتحديدا في اليومين اللذين اعقبا 28 يناير (جمعة الغضب)، ظهر علي الموقع الرسمي لقناة الجزيرة القطرية، شعارا يقول (معا لاسقاط مصر)، وهو ما اثار دهشة واستياء المصريين وقتها، لكن موقع وقناة الجزيرة تراجعا سريعا واعتذرا عن هذا الشعار وقالا: إن موقعها تعرض للقرصنة، وان الشعار المعادي لمصر وضع من قبل المخترقين.

تلك الرواية صدقها المصريون، لكن بمرور الايام اتضح - لدي قطاعات واسعة من الشعب المصري – ان الشعار الذي تبرأت منه الجزيرة لم يكن اعتباطا، واكتشف المصريون ان تلك القناة تلعب دورا يشكل خطرا علي الامن القومي، ويهدف (لاسقاط مصر)، بتبنيها مخططاً منحاذاً لأي طرف ضد مصر، عن طريق تغطية اعلامية (غير محايدة) بحسب تقييم العديد من المهتمين والمتخصصين في مجال الميديا.
 
 وأكد المراقبون ان ما تقدمه قناة الجزيرة يهدف الي إثارة وتأجيج الرأي العام، داخل وخارج مصر، باعطاء صورة مغايرة للواقع، يتم فيها شيطنة المؤسسات الرسمية لاحراج مصر عربيا ودوليا، بما يجعل العديد من المهتمين والمراقبين يتساءلون: لمصلحة من تعمل قناة الجزيرة؟
ثورة يناير.. بداية السقوط
اتخذت قناة الجزيرة، منذ اطلاقها في 1 نوفمبر1996، (الرأي والرأي الآخر) شعارا لها، فاحتفت بها الشعوب العربية وعلي رأسهم المصريون وداوموا علي متابعتها ليروا خطايا نظام مبارك، واحتفظت الجزيرة بتلك المصداقية لدي الشارع المصري منذ اطلاقها وحتي اندلاع ثورة 25 يناير 2011، التي غطت احداثها بشكل اشبع احتياجات المصريين في معرفة ما يحدث في الدولة واتاحت لهم متابعة يوميات الثورة، فنقلت لهم عنف ووحشية نظام مبارك، من اول تغطيتها لمظاهرات يوم 25 يناير وفض اعتصام التحرير مرورا بجمعة الغضب وموقعة الجمل وصولا الي تنحي مبارك، فكانت تلك التغطية بمثابة وقودة نفسي للثوار للصمود امام نظام شائخ فقد اعصابه في التعامل مع انتفاضة الشعب السلمية.
لم يدم ذلك الاحتفاء طويلا، فبعد سقوط مبارك بأشهر قليلة، وتحديدا بعد افتتاح شبكة قنوات الجزيرة قناة (الجزيرة مباشر مصر) في عام 2011، والمعنية بتغطية احداث الشأن الداخلي المصري، تحولت الجزيرة لدي البعض إلي خصم مضلل للحقائق. فسرعة احتفاء المصريين بالقناة الوليدة كانت هي نفس سرعة نفور وغضب المصريين منها، بعد ان صدموا  بانحيازها لتيار بعينه علي حساب التيارات الأخري. وفي اكتوبر 2012، وتحديدا في فاعليات جمعة (مصر مش عزبة) التي دعت لها التيارات المدنية ردا علي مليونية (كشف الحساب) التي دعت لها جماعة الاخوان والتيارات الاسلامية، واعتدوا خلالها علي التيارات المدنية وكسروا منصة التيار الليبرالي في ميدان التحرير، منذ ذلك الحين انطلقت الهتافات المعادية لقناة الجزيرة كونها لم تبرز اعتداءالاسلاميين علي القوي المدنية في الميدان بالشكل المناسب، بل صورت ان الذي قام بتلك الامور ليس الاسلاميون انما هم الطرف الثالث، وذلك في معرض غسل سمعة الاخوان من خلال انتقائها ضيوفاً بعناية تقدم هذا الطرح وتتبني نفس التوجه.
فما كان من الثوار الا ان احتشدوا اسفل مقر الجزيرة بميدان التحرير ورددوا هتافات تندد بعدم حيادها في نقل الاحداث، وانحيازها الواضح للاخوان، ومع استمرار الانحياز قام المصريون المعارضون لسياسات القناة بإحراق مقرها المطل علي ميدان التحرير في نوفمبر 2012، وهو المقر الذي احتفظت به القناة منذ سقوط نظام مبارك.
ستر عورة النظام
اعتاد المصريون علي ان يروا الجزيرة قناة معارضة للانظمة، تكشف الخبايا وتعري الحكام، وقد شاهدوها تدخل في مناوشات مع غالبية الانظمة العربية، واتهمت في دول عديدة بتزييف الحقائق وتأجيج الاوضاع واغلقت مقراتها في اكثر من بلد، وتعرضت لملاحقات في عواصم عربية عدة مثل اليمن والسعودية والجزائر وفلسطين، إلا أن الامر تغير تماما بعد ان صعد الاخوان الي سدة الحكم في مصر، إذ صُدم المصريون برؤيتهم القناة التي تشاغب من اجل (كشف الحقيقة) تقوم بمساندة النظام الجديد بعد الثورة (وتطمس الحقيقة) من اجل دعمه. ذلك التحول شكل عائقا امام استمرارها، بعد ان ظهرت اصوات رافضة لتواجدها في مصر اصلا، لانحيازها للاخوان علي حساب الشعب.
ظلت الاصوات المعارضة للجزيرة تزداد شيئا فشيئا فكلما ارتفعت وتيرة (تلميع) نظام حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، كلما انفض من حولها المصريون، ووصل بها الحال الي تواري مراسليها عن الانظار في ميادين الثورة، واختفي لوجو القناة في المليونيات المنددة بحكم (المرشد) بعد ان طردت من الميادين اكثر من مرة. واصبح خطابها الاعلامي لم يفرق كثيرا عن خطاب قناة (مصر 25) الاخوانية، بل تميزت الجزيرة في الدفاع عن (الجماعة) بالاكاذيب والتضليل، وتطبيق السياسة التحريرية الاخوانية علي شاشاتها بشكل اكثر احترافية واخلاص من (مصر 25).
ظلت الجزيرة في تلك المكانة المتوترة لدي الشارع المصري الي ان ظهر الشقاق الرهيب بينها وبين المصريين بعد ثورة 30 يونيو، حيث كشفت القناة القطرية عن وجهها القبيح بوقوفها ضد ارادة الشعب المصري، واتخاذها موقفا معاديا من تلك الثورة، وتبني كل الآراء والرؤي التي تصف تلك - 30 يونيو - بـ(الانقلاب العسكري). بل انتهجت القناة القطرية كل الوسائل والطرق للضغط علي الادارة المصرية، بتشويه الثورة وتصويرها للمجتمع الدولي بأنها (انقلاب عسكري علي الشرعية)، واظهرت الاخوان في ثوب المقهور بل حقيقة احداث افتعلها الاخوان لصالحهم واظهارهم في صورة الضحية برز ذلك في حادثي المنصة والحرس الجمهوري، وفض اعتصامي النهضة ورابعة الذين تجاهلت خلالهما تسليط الضوء علي إرهاب الجماعة المسلح، بل قدمتهم في صورة الضحية سعيا منها في دعم الاخوان لاعادة «مرسي» الي السلطة، ما دفع كل المصريين - سواء اعلاميين او مثقفين او مؤسسات الدولة وفوق كل هؤلاء الشعب المصري - إلي أن ضعوا تلك القناة في مصاف الاعداء.
توريط مصر
لم تكن تلك هي المرة الاولي التي تقف فيها الجزيرة ضد مصر ساعية إلي تأليب الاوضاع داخلها واثارة الفتن والقلاقل، فقبل اندلاع  ثورة يناير بسبع سنوات تقريبا لعبت (الجزيرة) دورا اعلاميا قويا علي الصعيد الداخلي في القاهرة، اهتم خلاله المصريون بمتابعة ما تقدمه من اخبار ومتابعات في ظل غياب التغطيات الاخبارية المصرية المحترفة، وخمول الآلة الاعلامية الرسمية، المتمثلة في قنوات ماسبيرو والصحف القومية، التي عرفت بالانحياز الدائم للموقف الرسمي للدولة.
تلك التركيبة عمّقت الهوة بين المواطن والاعلام الرسمي، وصبت في صالح قناة الجزيرة فارتفع نجمها باستحواذها علي مصدقية المصريين، وتحديدا اعقاب تغطيتها حرب لبنان 2006، والتي اظهرت خلالها العدوان الاسرائيلي بشكل لم ينقله الاعلام الرسمي المصري، فصدّرت القناة للعالم صورة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله علي انهما رمزا للمقاومة الباسلة، وشوكة تقف في حلق اسرائيل، ورسخت في اذهان الشارع العربي ان حزب الله مقاومة لا تهزم. صحيح ان اسرائيل اعترفت انها هزمت في حربها مع حزب الله، وانها ولم تنجز الهدف الذي خاضت من اجله الحرب، وهو الافراج عن الجنديين الإسرائيليان المختطفان من قبل حزب الله، الا ان هذه الحرب المنتصر فيها حزب الله كان لها ثمن باهظ دفعته لبنان واللبنانيون، فاجمالي الخسائر البشرية في صفوف اللبنانيين قدرت بـ2023 قتيلاً و3740 جريحاً إضافة إلي تدمير البنية التحتية من محطات كهرباء ومياه وجسور وغيرها من المنشآت المهمة، إلا أن الجزيرة ركزت علي الهزيمة العسكرية التي لاقتها اسرائيل، رغم ان اسرائيل المهزومة استخدمت في حربها سلاح الجو علي مدار 16 يوماً للحفاظ علي أرواح جنودها، وسعت إلي وقف الحرب ايضا حفاظا علي أرواح الإسرائيليين، فانكسار الآلة العسكرية لاسرائيل امام حزب الله كان له ثمن باهظ دفعه اللبنانيون من عرقهم ودمهم، ولم تبرزه الجزيرة – حليفة حزب الله – هذا الثمن في تغطيتها للحرب، فإبراز تلك الامور يهز صورة حزب الله، وقد يحيلها من رمز للمقاومة إلي سبب في قتل آلاف اللبنانيين وتدمير بلادهم.
الرسالة الخبيثة التي داءبت الجزيرة علي بثها تمثلت في تقديم حزب الله علي انها مقاومة قوية، غاشمة، قادرة علي تحدي اسرائيل، وذلك بغية إحراج مصر واظهارها بمظهر المتخللي عن اللبنانيين في حربهم مع تل ابيب، للضغط علي القرار المصري من خلال تعبئة الرأي العام والشارع لاتخاذ قرارات تدخل مصر في غمرة الصراع، في محاولة يائسة لجرها ودفعها لتكون طرفا في نزاع لا ناقة لها فيه ولا جمل.
الامر نفسه كررته (الجزيرة) في حرب غزة عام 2008، والتي نشبت بعد رفض حركة حماس تجديد التهدئة المتفق عليها مع الجانب الاسرائيلي، واطلقت عدة صواريخ علي جنوب اسرائيل، ما دفع تل ابيب لشن حرب شاملة علي غزة اختبأ فيها قادة حماس في الخنادق والفنادق والانفاق، وراحوا يشنون حربا اعلامية علي شاشات الجزيرة من العواصم المختلفة المقيمين فيها، تاركين الفلسطينيين في غزة وحدهم يعانون ويلات الحرب بعد ان أشعلوها.
بالتزامن مع هذا كله، صدّرت الجزيرة خطابا اعلامياً في غاية الشراسة ضد مصر، راحت تقصف فيه الموقف الرسمي الرافض مجددا الانجرار لصراعات ليست مصر طرفاً فيها.
انتهجت الجزيرة سياسة الضغط علي القرار المصري من اجل فتح الحدود مع غزة بدعوي انقاذ اهلها من ويلات الحرب الإسرائيلية. ووصل الامر بالجزيرة حد تزوير الحقائق، فاذاعت اخباراً تقول: إن السلطات المصرية ترفض ادخال المساعدات الغذائية والاغاثية الي قطاع غزة لانقاذ الفلسطينيين، ما أجج مشاعر المصريين والفلسطينيين علي حد سواء ضد الموقف الرسمي للقاهرة. وفيما كانت الجزيرة تروج لهذا المشهد، كانت المساعدات المصرية - ومثيلتها الآتية من الدول العربية الاخري - تعبر بالفعل الي قطاع غزة من خلال معبر رفح، وهو ما فشل الاعلام الرسمي المصري اثباته للرأي العام العربي والدولي.
وللمرة الثانية نجحت الجزيرة في اظهار مصر متخاذلة عن دعم القضايا العربية، واستمر القصف الاعلامي علي مصر التي رفضت اطروحتها فتح الحدود مع غزة لاستضافة اهل القطاع في سيناء بدعوي انقاذهم من الحرب الإسرائيلية والتخفيف عنهم، لما رآته القاهرة انه يشكل تهديداً للامن القومي وسيادة الدولة.
قبل حرب غزة بأشهر تبنت الجزيرة الترويج لمعاناة الغزاوية وابراز متاعبهم من الحصار الذي فرضته اسرائيل علي القطاع، من خلال مجموعة تقارير وافلام موجهة تمهد لفكرة فتح مصر حدودها مع غزة لتخفيف الحصار، وظلت الجزيرة علي تلك الوتيرة الي ان قامت حماس باقتحام الحدود المصرية في 22 يناير 2008 بالجرفات، ما ادي الي عبور الاف الفلسطينيين وعناصر حماس الي سيناء، في انتهاك صارخ للسيادة المصرية، لكن الجزيرة سارعت في شرعنة هذا الانتهاك لدرجة انها صورته علي ان ما حدث حق مكتسب للفلسطينيين باسم العروبة، وقد اسمت الجزيرة التطاول علي الاراضي المصرية بانه (ثورة)، وذلك بالتزامن مع استمرارها في شيطنة مصر لرفضها الاعتداء علي حدودها حتي ان كان الفاعل عرباً واشقاء.
ومن ابرز ما قدمته (الجزيرة) في هذا الصدد الفيلم الوثائقي (معبر فرَح)، جسدت فيه انتهاك الاراضي المصرية بانه انتصار وفرح للفلسطنيين واذلال للعدو، وحولت دفة الصراع من (فلسطيني – إسرائيلي) علي ارض محتلة، إلي صراع (مصري –  فلسطيني) للاقامة في سيناء حلا لفك الحصار!
وقد أفردت الجزيرة حوارات مطولة لإدانة التصريحات الرسمية المصرية المتأذية من استباحة اراضيها، والتي اكدت أن الجيش المصري لن يقاتل إلا دفاعاً عن سيادته، وذلك بعد ان وصل التطرف والشطط الساعيان لجر مصر لصراعات اقليمية، بقيام حسن نصرالله، في خطاب له، بدعوة الجيش المصري للتمرد علي قادته وفتح جبهة حرب مع اسرائيل لانقاذ الفلسطينيين، علي حد زعمه، فما كان من الجزيرة الا ان خدّمه علي هذا الطرح المتطرف بكل اريحية.